جهاد المقاطعة وإجهاد “الديلفري”... حينما ترتد الطعنة لأصحابها

| ياسر سليم

 بالتوازي مع الصراع الدائر في غزة، ونتيجة له، هناك حرب من نوع آخر تدور رحاها بالأسواق، وقودها أموال الجماهير، وضحيتها أصحاب رؤوس الأموال وحملة الأسهم. قبل يومين هوت أسهم شركة ماكدونالدز العالمية بشدة، عقب حملة مقاطعة تنادى لها نشطاء على مواقع التواصل، ضد الشركة الأميركية العملاقة، بعد إعلان فرعها في إسرائيل التبرع لأفراد الجيش بوجبات مجانية. وتفتقت أذهان البعض عن حيلة أشد مكرًا، وهي “جهاد الديلفري”، إذ يقوم أحدهم بإجراء طلب لوجبة ضخمة على عنوان وهمي، ثم يغلق هاتفه، ليظل عامل الديلفري المسكين طويلًا يحاول الوصول دون جدوى، ما يضاعف خسائر الشركة، بوجهة نظر هؤلاء. ليست ماكدونالدز وحدها، هناك أيضًا شركات عديدة تتبرع عادة لإسرائيل في كل أزمة، وهو ما دفع بعض معارضي فكرة المقاطعة للسخرية منها بأن المقاطعين لن تكون لديهم كثير من الخيارات في المأكل والمشرب والملبس لو استمروا على هذا النهج. زاوية أخرى في المسألة لم يلتفت إليها دعاة المقاطعة، وهي أن كثيرًا من الشركات، مثل ماكدونالدز، لا تخسر كثيرًا بالمقاطعة، بل يخسر أصحاب حق امتياز الاستغلال للعلامة التجارية بالدول العربية والإسلامية، وهم مستثمرون عرب ومسلمون في الغالب، كما يخسر العمال العرب والمسلمون لديهم، أي أن الطعنة مرتدة لأصحابها.   ومع كل أزمة مرت بالعالمين العربي والإسلامي، تتعالى صيحات المقاطعة لعلامات تجارية كبرى وشهيرة، ثم لا تلبث أن تخفت المقاطعة تحت وطأة الحاجة وإلحاح النسيان. قليلون هم من توقفوا وتساءلوا: لماذا يكرهوننا لحد دعم خصومنا؟ وهو السؤال الذي عادة ما يطرحه الغرب حينما تقع أحداث معادية لهم، بحثًا عن جذور المشكلة، وطرحًا لحلول جدية مجدية لها. الأزمة الحقيقية في الصورة الشائعة عن العرب وقضاياهم في الإعلام الغربي، بينما يخاطب العرب أنفسهم في كل أزمة، ما يدعو لضرورة إيجاد منظومة إعلام شاملة تصل للمؤثرين في الغرب، لتضع الصورة كاملة، على أن تتبناها وتقودها دولة كبرى، ولتكن المملكة العربية السعودية، بما لها من مكانة دينية وسياسية إقليمية ودولية كبرى، وقوى ناعمة وهائلة التأثير.