السقوط الاقتصادي والتردي الأخلاقي

| ياسر سليم

على المستوى الفردي كما الجماعي كما الحضاري، لا يسعنا تقييم المواقف السياسية والقوى الاقتصادية بمعزل عن القوة الأخلاقية، فليس بمقدورك أن تشتري بقلب مطمئن ممن لا أخلاق له، ولا أن تمضي وراء هتاف صادر عن حنجرة كاذبة خاطئة. إذن يحق للشعوب أن تتشكك في أغراض الشركات الكبرى الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، وأن أنشطتها ليست هادفة للربح فحسب، ولكن لأغراض أخرى غامضة ومريبة، وهي تدعم حكومات تكيل بمكيالين، وتمنح الاحتلال جانباً من أرباحها وعوائدها. ولن يصدق أحد بعد دعاوى الحريات وحقوق الإنسان الصادرة عن حكومات غربية، سقطت في اختبار الأخلاق السياسية والاقتصادية في غزة. ربما يكون من المؤلم أن يعترف المرء بخيبة أمله في الحضارة الغربية، ونحن نطالع مواقف متناقضة بين الشعوب والحكومات بين الشرق والغرب، في مشهد فارق ومثير لتأملات جمة، وجملة من الأسئلة. في أوروبا وأميركا تتخذ الحكومات مواقف معاكسة لمواقف الشعوب العظيمة، تجاه مجزرة غزة، إذ تمالئ الحكومات الغربية حكومة إسرائيل المتطرفة، فيما تنتفض الشعوب الغربية بضمائر حية بمواجهة العدوان. في الشرق الآسيوي، حيث قوى اقتصادية سياسية صاعدة بمكانة اقتصادية متعاظمة، تقف حكوماتها ـ للغرابة ـ مواقف إيجابية مع الشعب الفلسطيني، رغم أن تلك الحكومات مارست العدوان على أقليات أو جيران، بينما لا حس ولا خبر لشعوبها التي لم تتحرك ـ ربما تكون مكبلة عن الحركة ـ للتعبير عن إنسانيتها تجاه ما يجري. هل يجب علينا أن نهلل لمواقف أولئك السياسيين في آسيا، ونحن ندين مواقف هؤلاء السياسيين في أوروبا؟ من المؤسف أن نضطر لذلك، كالمستجير من الرمضاء بالنار، ومن المخجل أن تكون مواقف زعيم آسيوي معروف بجنوحه للجنون النووي، ومناكفة جيرانه المسالمين - أخشى ذكر اسمه فيصيبني مكروه - أفضل عندنا من مواقف زعماء غربيين رضعوا مبادئ الحضارة الغربية من الصغر ونشأوا عليها، وها هم يكفرون بها حينما تعارضت المصالح مع المبادئ. ربما لن ينقذ حضارة الغرب المنتصبة على اقتصاد السوق الحر سوى هبة الشعوب بضمائرها الحية، لتحطم أوهام العداوة المصطنعة التي كان يمكن أن تنشأ في الأذهان بدعاوى صراع الحضارات. يجب أن يشكر القادة الغربيون شعوبهم على أنهم أكدوا لشعوب الشرق أن الإنسانية أولى من النفعية، ولولا ذلك لسقط الغرب كله واندثر وجوده بعد انحدار أخلاقه.