مساكين يعملون في “الافتراضية”

| ياسر سليم

هدنة في غزة لالتقاط الأنفاس ثم يُستأنف القتل مجددًا، ومعه تصير الحروف والأرقام مصطبغة باللون الأحمر، انعكاسًا للون الدم المنهمر هناك، لا بأس، دعنا نلتقط الأنفاس بدورنا، ونتأمل كيف لعبت التقنيات المتطورة دورها في الصراع. بدت العملات الافتراضية ـ الرقمية والمشفرة وسيأتي توضيح الفرق ـ فرصة للفلسطينيين في غزة؛ لكسر الحصار الخانق على القطاع، صار بإمكان الفلسطينيين التعامل التجاري مع الخارج عبر عملات مشفرة، بيعًا وشراءً. وبرز خيّرون عبر العالم في نجدة مساكين يعملون في العملات الافتراضية بالأراضي المحتلة، وإعانتهم على إخفاء مصادر أرزاقهم بتضمينها في عمليات تجارية أخرى، وظلت وراءهم سلطة باطشة، تأخذ كل عملية غصبًا. وطاردت السلطات الإسرائيلية عمليات تمويل لمنظمات وجمعيات خيرية فلسطينية، وقالت تقارير إن أكثر من 130 مليون دولار حصل عليها الفلسطينيون خلال عام واحد ممتد ما بين منتصف 2022 ومنتصف 2023، اعتبرتها السلطات الإسرائيلية تمويلًا للمنظمات الفلسطينية ولاحقت المتعاملين فيها، لكنها لم تنجح تمامًا في إيقاف التمويل. والعملة الافتراضية ـ للتوضيح ـ هي مجرد رموز على الإنترنت، التعامل بها يكون عبر شراء سلعة ما من مكان، وبيعها بسعر أعلى في مكان مختلف، والمقابل عملة افتراضية، وهكذا تتراكم حصيلة البيع وتزداد؛ ليمكن من خلالها شراء مستلزمات إنسانية واقعية، بعد تحويل قيمتها للبائع. يقفز السؤال هنا: أليس بمقدور إسرائيل إحكام الحصار على الواقع الافتراضي، كما تفعل في الواقع الطبيعي؟ تمكّنت إسرائيل بالفعل من وضع يدها على شبكات لنقل وتحويل الأموال، لتكتشف أن بعض عمالها القادمين من إفريقيا وآسيا، يلعبون دورًا في شبكات نقل الأموال ما بين الافتراضية والواقعية، حيث يقومون بتحويلات لذويهم ولآخرين في بلدانهم الأصلية، مقابل ميزة أفضل في التحويل من خلال متاجر فلسطينية افتراضية. أيضًا، يلعب التشفير دورًا في إخفاء طبيعة الأموال ومصادرها، وهنا يمكن توضيح الفرق، فالعملات الرقمية يمكن أن يصدرها بنك مركزي لدولة ما، مقابل قيمة محددة، وهناك دول عربية على وشك إصدار تلك العملات، بعد وضع قواعد تنظم عمليات البنوك الرقمية، والتحقق من هوية العملاء، وتتميز تلك العملات بانخفاض مخاطرها على العملاء والدول معًا. أما العملات المشفرة، فتختلف باعتمادها على تقنيات “بلوك تشين”، أو سلاسل الكتل، بمعنى مساهمة أكثر من مصدر بأكثر من مكان في تشفيرها وحفظها، لتحويل البيانات إلى شكل غير قابل للقراءة أو التغيير، لتكون آمنة وموثوقة. ندرة العملات المشفرة، نتاج تلك العمليات الهائلة المطلوبة لتعدين العملات، يدفع بسعرها لأعلى باستمرار، الأمر يشبه مسألة التعامل في الذهب، حيث تكمن القيمة في الندرة والجودة معًا.