الجنيه والخليج... أي سعر عادل للاستثمار والأصول؟

| ياسر سليم

من المتوقع قيام البنك المركزي المصري بإقرار تعويم جديد للجنيه المصري مقابل العملات الأخرى. يرى مراقبون أن الخطوة تساهم في تنفيذ صفقات خليجية مؤجلة من العام الماضي. وزاد الفارق بين سعر الدولار - والعملات الأخرى - وبين سعر الجنيه، بنسبة وصلت إلى مائة بالمائة، حيث يدور سعر الدولار الرسمي في البنوك حول 31 جنيها، حتى أمس الأول، فيما يقدره متعاملون بالسوق الموازية بنحو يتراوح ما بين ستين وسبعين جنيها، بحسب المبلغ المتوافر من الدولار أمام طالبيه من المستوردين.

وتمثل تلك الازدواجية في السعرين والفارق الهائل بينهما عقبة أمام تنفيذ عدد من صفقات بيع الأصول المصرية لمستثمرين ومواطنين خليجيين ومصريين مقيمين بالخليج، سواء لشراء أصول مصرية من قبل مؤسسات خليجية أو مواطنين خليجيين يقبلون على شراء العقارات والاستثمار المحدود بمصر، أو حتى المصريين بالخارج الراغبين في تحويل مدخراتهم، والتي انخفضت مؤخرا بنسبة تصل إلى 30 %.

ديون وحلول   ويرى محللون اقتصاديون، استطلعت “البلاد” آراءهم، أن أي سعر للدولار يقره المركزي يقل عن سعر السوق الموازي، لن ينجح في تسريع وتيرة تنفيذ تلك الصفقات. وتواجه مصر أزمة نقص كبيرة في العملات الأجنبية، نتاج اختلال الميزان بين الصادرات والواردات، فضلا عن أقساط خدمة الدين الضخمة، إذ يتعين على مصر سداد نحو 9.5 مليار دولار أخرى من أقساط الديون والفوائد قصيرة الأجل خلال النصف الأول من 2024. 

ومن المقرر سداد الجزء الأكبر من تلك الديون خلال الشهرين الحالي فبراير، ومارس المقبل، من جملة تبلغ نحو 32.8 مليار دولار، يتوجب على مصر سدادها هذا العام، وتعادل نحو 20 % من إجمالي الديون الخارجية للبلاد، وهي ديون متوسطة وطويلة الأجل مستحقة خلال 2024.

 يقول الخبير الاقتصادي ورئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية سابقا مدحت نافع، إن وضع سعر واقعي يسهل من تقبل المستثمر لتحويل تدفقات رؤوس الأموال للمصارف الرسمية، باعتباره يعطيه سعرا سوقيا عادلا، بخلاف ذلك يقل الإقبال، ويتم التعامل في بدائل أخرى توفر قيمة عادلة للعملة.

وزاد في حديثه لـ “البلاد” بأن الأزمة هنا تأتي في أن الفروق قادرة على أن تأكل أي أرباح بالعملة الوطنية، فضلا عن التضخم الجامح، الذي يأكل قيمة الأرباح في نهاية العام، ولذلك فإننا أمام مشكلة مزدوجة، أولاها محاصرة التضخم أولاً، وثانيا تضييق الفجوة بين السعر بين السوقين، ويمكن العمل على كلتيهما.

الأزمة أكبر  وفي حديثه لـ “البلاد”، يقول المحلل الاقتصادي والخبير المالي إيهاب سعيد، إن سعر الصرف ليس هو المشكلة الأساسية لدخول الاستثمارات الخليجية، بل المشكلة الأساسية هو توجه الدولة بإرجاء التخارج من السوق، والمنافسة مع القطاع الخاص ما أدى لانكماشه، فسعر الصرف، بتعبيره، هو العرض وليس المرض، المرض هو العدالة في المنافسة.

وأوضح المتحدث أن الحل للاستثمارات الخليجية المؤجلة يمكن أن تكون فيها اتفاقات ثنائية بين الحكومة والمستثمر نفسه، لا استثمارات كاملة بشكل عام.

 ويبدي المحلل الاقتصادي إبراهيم جلال اعتقادا بأن إقبال الخليجيين على سوق الاستثمار في مصر، سيتزايد في ظل استقرار سعر الصرف، لافتا إلى تبنى الحكومة المصرية سياسة مرنة لسعر الصرف، في محاولة لتعزيز المرونة السوقية للاقتصاد المصري في مواجهة الصدمات، واحتواء العجز في ميزان المعاملات الجارية الذي وصل في المتوسط لمستوى 2.6 % من الناتج المحلي الإجمالي سنويا، توازيا مع التقارب والنقد الأجنبي، لتحقيق نمو اقتصادي قوي ومتوازن، بحيث تتم تغطية الفجوة بين سعر الصرف الرسمي وغير الرسمي في فترة زمنية معينة عبر التعويم، بعد موجة من الارتفاعات القياسية والتاريخية للدولار في السوق الموازية وتذبذبه وصل للتداول الدولاري بأكثر من 70 جنيهًا في تعاملات الأسبوع الماضي.

ولفت إلى إقبال المستثمرين العرب والأجانب على شراء الأسهم عند مستويات جاذبة، أملا في ارتفاعها مستقبلاً، دون إغفال لحقيقة أن الدولة طرحت أكثر من 150 فرصة على المستثمرين السعوديين بنهاية 2023، ليصل هذا الشهر صافي شراء المستثمرين كافة 116.7 مليون جنيه و102.1 مليون جنيه على التوالي، بينما اتجه المستثمرون المصريون للبيع بصاف 218.8 مليون جنيه.

  ومع الإشارة إلى  وجود أزمة دولارية حاليا في مصر مثل العديد من الدول الأخرى نتيجة للصدمات العالمية المتوالية، إلا أن الخبير الاقتصادي يؤكد أن السوق المصري قابل للصدمات ومرن كونه سوق واعدا متنوع الاقتصاد.

 الأمل في الطريق  بدوره يؤكد الخبير الاقتصادي والمحلل المالي عمرو عبدالله في حديث لـ “البلاد” أن هناك إقبالا خليجيا محتملا على الاستثمار في مصر مع  استقرار أسعار الصرف، وهذا لعدة عوامل مهمة، منها إعلان الحكومة المصرية عن برنامج طروحات ضخمة منتصف العام السابق حتى تتخارج الحكومة من حصص القطاع العام في عدد من الشركات ذات الوضع المالي الضخم وإتاحة الفرص للقطاع الخاص وللمستثمرين الاستراتيجيين، وهذا بناء على طلب صندوق النقد الدولي واستكمال برنامج التنمية الاقتصادية الشاملة.

ولفت إلى  أن العديد من تصريحات واتفاقات وإعلانات عن مشروعات عملاقة  يتحدث عنها العديد من المستثمرين الخليجيين، من شأنها ضخ استثمارات ضخمة بالعملات الأجنبية، خاصة مع عدم استقرار الوضع العالمي وخصوصا في أوروبا، ما يجعل المستثمرين الخليجيين يفضلون تحويل استثماراتهم الى مصر، ما يزيد قوة الاقتصاد في المنطقة.

ويقول محمد نصر الحويطي المحلل والكاتب الاقتصادي إن  تحريك سعر الصرف في مصر ليس علاجا ناجعا لأزمة الفجوة التمويلية الدولارية في مصر، ما لم يتزامن مع سد الطلب الدولاري بالسوق المحلي فيما يتعلق بطلبات الاستيراد، لاسيما محاربة السوق الموازية، فتحريك سعر الصرف نفسه ليس هو العلاج.

يؤكد الحويطي في حديثه للبلاد أن الصفقات الاستثمارية المنتظرة في مصر ولتوفير حصيلة دولارية تساعد على التزام مصر بسداد أقساط ديونها وفوائد خدمة الدين تعتبر طوق نجاة للاقتصاد المصري، وأشار إلى أن تحقيق سعر صرف واقعي وعادل للجنيه أمام الدولار يعزز كل الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة، ويزيد من إقبال المتعاملين الأجانب والعرب على شراء الأصول، ويخلق تدفقات استثمارية في سوق الأسهم والسندات.

واعتبر الكاتب والمحلل الاقتصادي مصطفى مراد أن الاستثمار في مصر مربح جدا، ويتمتع بمكاسب كبيرة تتخطى 100 %، لكن الأزمة هي أن عدم استقرار سعر الصرف منع الكثير من المستثمرين خاصة العرب من ضخ أموالهم، وقبول العروض المغرية التي تقدمها الحكومة من بيع حصصها في شركات كبيرة وناجحة.

وأضاف في حديثه لـ“البلاد” أن تحرير سعر الصرف ومنع وجود سعرين في السوق المصري سيتبعه إتمام العديد من الاتفاقيات التي تم التفاوض عليها بالفعل من قبل مستثمرين من البحرين وقطر والكويت والإمارات والسعودية، وعلى رأسهم بيع بنك المصرف المتحد وعدد من الشركات الناجحة الأخرى.