وداعاً كورازون!

| زهير توفيقي

لا شك أنكم جميعا تتساءلون “من تكون كورازون”؟ كورازون خادمة منزل من جمهورية الفلبين جاءت إلى البحرين قبل 35 عاما! وعملت معنا منذ ذلك الحين حتى تاريخ 15 أبريل المنصرم! نعم 35 عاما بالتمام والكمال من العمل المتواصل، عاشت معنا وعشنا معها حياتنا في الحلوة والمرة، وترعرعت بيننا ودخلت قلوبنا جميعا، وشهدت وعاصرت تطور وازدهار مملكتنا الغالية التي تعتبرها بلدها الثاني. أنا لست بصدد الحديث عن هذه السيدة الرائعة في كل شيء، وسأكون مقصرا بحقها مهما كتبت عنها. نعم، فقد فرضت احترامها لدى الجميع بسبب عملها المتقن والمخلص وأمانتها وولائها وحسن خلقها، وكنا نطلق عليها اسم المديرة! ولم لا فهي كانت تدير المسؤوليات بكل جدارة وحب وشغف، يكفي أنها قامت بتربية أبنائي وبناتي وحتى أحفادي. وفي يوم حفل وداعها، ألقت كورازون كلمة معبرة ومؤثرة جدا أمام ذهول وإعجاب الجميع.. كلمتها كانت مؤثرة لدرجة أنها أبكت الجميع، ولم أتمالك نفسي من البكاء رغم محاولاتي الفاشلة، لكنني كنت فرحا في نفس الوقت بسبب صدق المشاعر المتبادلة. ببساطة شديدة، كلماتها كانت رائعة ومؤثرة بسبب صدقها وعفويتها، فأحيانا الكلمات الصادقة تصل إلى القلوب بكل يسر وسهولة. وفي الحقيقة ومن خلال تجربتي مع هذه العاملة (الملاك)، أيقنت أنه من واجبي القيام بما هو مطلوب من الالتزام الأدبي بتطبيق القانون فيما يخص مكافأة نهاية الخدمة. وللأمانة كنت حريصا على الوقوف على ما ينص عليه القانون الذي صدر عام 2012. وقد تواصلت مع الكثير من الأشخاص وكذلك أصحاب الشأن، واستنتجت أنه لا يطبق كما هو منصوص عليه، بل تفاجأت بأن الكثير منهم ليسوا منصفين بحق هذه العمالة! ما أود طرحه هنا هو أن القانون يحتاج إلى إعادة إصدار مع التعديل الذي ينص على أن يكون مطبقا من تاريخ إصدار القانون وليس بأثر رجعي كما هو منصوص عليه حاليا. 

فالقرار ليس منصفا للكفيل الذي يطبق عليه هذا القانون بحكم أن العاملة مكثت معه سنوات طويلة كما حدث معي. في المقابل، اتضح لي أن السفارة الفلبينية في المملكة هي السفارة الوحيدة التي تحرص على تعميم هذا القانون على مواطنيها من واجب حرصها على حماية حقوقهم المشروعة، والذي أعتبره عملا يستحق الإشادة، وليس كما يتداول البعض بأنه يخلق حالة من عدم الثقة بين الكفيل والعامل! متمنياً أن يتم تطبيق القانون المعدل إن جاز التعبير على جميع العمالة الوافدة، كما نطالب بأن يطبق القانون علينا كمواطنين مع جهة العمل عند تقاعدنا، ويجب علينا أن نكون منصفين مع العمالة الوافدة سواء من يعمل في منازلنا أو في مؤسساتنا. ليس هذا فحسب، بل يجب تطبيق القانون على الطرفين (الكفيل والعامل) وبشكل يضمن حقوق الطرفين، ولا يسمح لأي طرف باستغلال أية ثغرات إن وجدت، فتطبيق العدل وإنفاذ القانون هو ما ينص عليه القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. يجب على صاحب العمل أنْ يُوفي العاملَ حقوقه التي اشترطها عليه عند تعاقده معه، وألاّ يحاول انتقاص شيءٍ منها؛ فذلك ظلمٌ عاقبته وخيمة، وألا ينتهز فرصة حاجة العامل الشديدة إلى العمل فيبخسه حقه، ويغبنه في تقدير أجره الذي يستحقه نظير عمله، فالإسلام يحرم الغبن. قال تعالى: (ولا تَبْخسُوا الناسَ أشياءهم)، ولا تنقصوا الناس حقوقهم التي يجب عليكم أنْ توفوهم إياها كيلا كانت أو وزنًا أو غير ذلك. كلمة أخيرة، الدين هو “المعاملة”، والتي هي باختصار شديد أخلاقيات التعامل مع عباد الله بشتى أنواعهم وعقائدهم، كالصدق والعدل والأمانة والنصح والرحمة والعفو والإنصاف والإحسان والمعاملة الحسنة وغيرها. واللبيب بالإشارة يفهم.

كاتب وإعلامي بحريني