“كايسيد”.. بيان ختامي لترسيخ السلام

| إميل أمين

في توقيت مواكب للقمة العربية الناجحة في البحرين، والتي أكدت أن السلام خيار استراتيجي للعالم العربي، مهما كانت الصعوبات في الطريق، أو العقبات على الأرض، كان مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، “كايسيد”، يعقد منتداه العالمي الأول، في العاصمة البرتغالية لشبونة، تحت عنوان: “الحوار في سياق متحول.. لإنشاء تحالفات من أجل السلام في عالم سريع التغير”. عبر ثلاثة أيام، وبحضور عدد كبير ومتميز من القادة السياسيين العالميين، ورجال الدين، وكبار المثقفين، دارت المناقشات، وقدمت الأوراق والطروحات، بحثا عن الفضيلة المفقودة في عالمنا المعاصر، فضيلة السلام التي من دونها يصبح عالمنا المعاصر مهددا في حاله واستقباله، بل وفي حله وترحاله. يضيق المسطح المتاح للكتابة عن سرد وعرض كل ما جرت به فعالية هذا المنتدى المتميز في طرحه وفكره، وفي أهدافه ومدركاته، غير أن نظرة ولو عابرة على البيان الختامي له، تقطع بأن رجالات كايسيد، ومجلس أطراف هذه المؤسسة الدولية، يفكرون بعزم ويعملون بحزم، ولا ينفكون إلا بعد أن ينالوا ما يقصدون، كما يقول المفكر العروبي الكبير عبدالرحمن الكواكبي. لعل أهم توصية في البيان الختامي هي الحث على تفهم أهمية الدور والإسهام الحاسم الذي يمكن للتقاليد الدينية والروحية أن تقدمه في معالجة الأزمات العالمية اليوم، وكذا أهمية بناء القدرات الواسعة للشركاء في استخدام أساليب الحوار بين أتباع الأديان والثقافات لتحقيق تحولات طويلة الأمد في العلاقات والسياسات المؤسسية. رؤية كايسيد المتقدمة، تذكرنا بمقولة جوهرية من فكر أديب إيرلندا الكبير جورج برناردشو وفيها: “عند العاصف يلجأ المرء إلى أقرب مرفأ”. من نافلة القول اننا نعيش في أزمنة غائمة وغامضة، ما دعا بعضا من كبار المحللين السياسيين للقول إن الوقت الراهن يكاد يشابه الفترة التي عاشها العالم، قبل انطلاق شرارة الحرب العالمية الأولى. 

من هنا تبقى الأديان بثوابتها العقائدية، ورؤاها الروحية والإنسانية، والتي تقفز على الأنانية وحب الذات، وتدعو للإيثار والتضحية، وحب الخير للخليقة برمتها، هي أفضل أديان يمكن لبشريتنا الدائرة والسائرة حائرة، أن ترسو عليها.  غير أنه كيف للسلام أن يجد طريقه للعقول والقلوب، من غير فرحة اللقاء، وتأصيل التعارف الإنسانوي في أزمنة الإبعاد والعزل والإقصاء؟ الحوار هو القضية، والحوار هو الحل، فالناس أعداء ما يجهلون، وحال القراءة بالمعكوس، يمكن القطع بأن البشر أحباء فيما ولمن يعرفون.  البيان الختامي لمنتدى كايسيد، وبتوجيه وإرشاد من أمينه العام الدكتور زهير الحارثي، حمل رؤية مستقبلية واستشرافية واضحة، مفادها حتمية التعاون الوثيق مع شبكة من الشركاء، ضمن إطار تعاون نشط يمد جسور الثقة والتفاهم بين الأمم والشعوب، ويركز على بناء المهارات بنوع خاص وسط الشباب الصاعد، والقادر أن يحمل شعلة التنوير والمودات، ويقيم جسور الحوار، والتي تهدم جدران الكراهيات، وفي هذا خلاص العالم يقينا. الذين قدر لهم متابعة فعاليات المنتدى الأول لكايسيد، كان لهم أن يتوقفوا طويلا أمام كلمات الدكتور الحارثي، في كلمته الافتتاحية، عن هذا العمل الذي يعد وعن حق، فرصة خلاقة في طريق بناء الثقة وتوسيع الرؤى، لتجاوز الخطابات النظرية، إلى مسارات الإدراك والتحقيق، ولكي تتحول أحاديث القاعات المكيفة على أهميتها، إلى برامج حياتية تطور المبادرات، وتخلق الفرص، وتفتح الأبواب واسعة أمام عوالم من سعة الصدور، تبدل ضيق الآيديولوجيات، بسعة من الإبستمولوجيات، وهذا وحده ما يعزز فرص حل النزاعات، وإنهاء الخصومات التي تنشأ في حنايا الأعين وخبايا الصدور أول الأمر، ومن ثم تفتك بسلام عالمنا الآني والمستقبلي على حد سواء. وفي كل الأحوال، يبقى البيان الختامي لمنتدى كايسيد، بمثابة مانيفستو يضيء الكثير من دروب عالمنا الموحشة، ويعزز الرغبة في عالم يحلم بالسلام، مانيفستو يرسم خططا واضحة على الأرض، ويفتح نوافذ الأمل الخلاق في تبديل الأوضاع وتغيير الطباع، سيما في هذه الأوقات المشحونة برائحة النار والدمار، شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، في كوكب يئن إيكولوجيا ويشكو بشريا، ويأمل في من ينقذه في يومه وغده.

كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية