روسيا.. ما أروعك

| زهير توفيقي

يقولون في السفر سبع فوائد، وشخصيا أجزم على ذلك بقوة، بل أقول “في السفر سبعون فائدة”، حيث شاءت الصدف أن تتاح لي فرصة السفر مع العائلة ولأول مرة مع مجموعة مكونة من 42 شخصا إلى مدينتي موسكو وسانت بيتسبرغ بروسيا الاتحادية لمدة 13 يوما، وقد تعودنا السفر بشكل انفرادي طوال حياتنا أو مع مجموعات صغيرة جدا، لذا وجدت هذه التجربة التي أطلقت عليها أنها “فريدة ورائعة” بطابعها المختلف كليا. شخصيات من الجنسين مثلوا جميع الأطياف في المجتمع البحريني، وعدد من الأشخاص من الشقيقة المملكة العربية السعودية، من ضمنهم أطباء ومهندسون ومصرفيون وإداريون وغيرها من المهن الأخرى المتخصصة في القطاع الحكومي والخاص، فكانوا يشكلون توليفة جميلة، وكان معظمهم من المتقاعدين وأعمارهم كانت متقاربة إلى حد ما، ما أضفى مزيداً من التجانس والتناغم بين المجموعة. الجميل في الأمر أنهم جميعا مثلوا البحرين أحسن تمثيل، وهذا ليس غريبا على البحرينيين أينما حلوا. شخصيا أؤمن بأن الأفواج السياحية التي زادت في الآونة الأخيرة تشكل قوة كبيرة لنقل الصورة الحقيقية والجميلة لمملكتنا الغالية من خلال التزامهم وانضباطهم بقوانين وأنظمة تلك الوجهات السياحية، وبصراحة شديدة وبغض النظر عن العدد الكبير في الرحلة إلا أنني وجدت كل شخص منهم بدون استثناء يملك من الشهامة والأصالة والكرم إلى أبعد الحدود، كانوا مثالا يحتذى في الأخلاق والقيم والمبادئ والاحترام والذوق. ما لفت نظري في الرحلة وجود عدد من الأشقاء والشقيقات وكذلك من الرجال الذين لم يكونوا بصحبة عائلاتهم، فكان المشهد رائعا جدا وقد عكس معدن وأصالة هذا الشعب المتميز الرائع، تعاون ومحبة أفراد المجموعة جعلت الرحلة ذات مذاق خاص.  لا شك أن هناك العديد من السلبيات والإيجابيات في الرحلة، وهذا من المسلمات، ولا يمكن أبداً إرضاء الجميع، خصوصا إذا كان العدد كبيرا، المهم العمل بروح الفريق الواحد الذي ولله الحمد كان سائدا طوال الرحلة. لا ننسى دور الأعضاء المشاغبين الذين عادة ما يحرصون على الجلوس في الكراسي الخلفية للحافلة! فالوضع ذكرني بأيام الدراسة، لكن الحق يقال إنهم كانوا (رغم مشاكساتهم) بما فيهم كاتب المقال، ملح الرحلة. فمثل هذه الرحلات تحتاج إلى إضفاء روح الفكاهة والدعابة والمرح بين الأعضاء والشعور بالأريحية والسعادة بعيداً عن ضغوطات الحياة. وفيما يخص روسيا الاتحادية، فكما تقول المقولة الشائعة “إذا عرف السبب بطل العجب”، أيقنت الآن سبب سفر الكثير من الأفواج السياحية إلى هذه الدولة الرائعة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى. ولا شك أنني لا أستطيع الكتابة عنها من خلال هذه السطور القليلة، فهي بحق كما يقولون “جنة على الأرض”. شخصيا لم أجد شيئا لم ينل إعجابي، فعلى سبيل المثال وليس الحصر، طقسها، تاريخها، شعبها الطيب، أسعارها المقبولة، أمنها، طبيعتها الخلابة، قصورها، كنائسها، مواقعها التاريخية والسياحية، مطاعمها، مواصلاتها وغيرها من الخدمات الأخرى. باختصار.. هي تستحق العلامة الكاملة، ومع الأسف الشديد كانت لسنوات طويلة جدا معزولة عن العالم بسبب السياسة العالمية، ولا أريد هنا أن أخوض في هذا الموضوع الذي بات واضحا كوضوح الشمس من قبل الجميع، فجيلنا حرم من دخول هذه الدول العظيمة والمتقدمة، لكن البركة في الجيل الجديد للاطلاع على هذه الحضارات العريقة مثلها مثل أية دولة أخرى في العالم. من سخرية القدر أن جيلنا كانوا ضحية ودفعوا الثمن غاليا بسبب الإعلام غير المنصف والسياسات الغربية والأميركية، فأتذكر جيدا كيف تمت السيطرة على عقولنا بالمعلومات المضللة لهذه الامبراطورية الكبرى. فكانوا يزجون الدين تارة والسياسة تارة أخرى وهكذا! كانوا يزرعون الخوف حتى من أقرب الناس لنا الذين قرروا الدراسة هناك! فكان الناس بسبب بساطتهم وتواضع معلوماتهم لا يميزون بين الآيديولوجيا الشيوعية التي كانت سائدة آنذاك وعلاقتها بديننا الإسلامي! فشتان بين الثرى والثريا! فهذه الدولة استضافت الكثير من الطلبة البحرينيين، اذ درسوا وتخرجوا من أعرق جامعاتها في مجالات الطب والهندسة والمحاماة وغيرها، وخدموا الوطن في تخصصاتهم العلمية في مختلف وزارات الدولة والقطاع الخاص وتقلدوا مناصب عليا فيها.  وعودة إلى فوائد السفر، أجزم أنها كانت كثيرة، وأهمها التعرف على حضارتها وتاريخها القديم والحديث، ناهيك عن زيادة أشخاص جدد على القائمة ليشكلوا إضافة نوعية. ومن حسن الطالع تزامن كتابة مقالي مع زيارة جلالة الملك المعظم لروسيا الاتحادية. وتأكيدا لما ذكرته آنفا عن الزيادة المضطردة للسياح البحرينيين، أكدت السفارة الروسية في المملكة أن نسبة التبادل السياحي ارتفعت خلال الربع الأول من هذا العام إلى 852 % عن الفترة ذاتها من العام المنصرم، حيث بلغ عدد السياح البحرينيين 776 مقابل 91. وأتمنى مزيداً من التقدم والتطور من خلال الشراكة الاقتصادية والتجارية والثقافية والسياحية والبيئية والنفطية وفي المجالات الأخرى بين البلدين الصديقين.

كاتب وإعلامي بحريني