طوفان السلام

| سليم مصطفى بودبوس

بعد إسبانيا والنرويج وإيرلندا، ها هو البرلمان السلوفيني يعترف بفلسطين كدولة مستقلة ذات سيادة، وها هي رئيسة برلمان سلوفينيا تهنئ الشعب الفلسطيني وتعبّر عن سعادتها باتخاذ هذه الخطوة.. إنها خطوة أخرى مهمّة على درب السلام، على درب استعادة الحقوق المسلوبة وفي مقدمتها حق تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة على أرض فلسطين وعاصمتها القدس. ها هي دول أوروبية جديدة وأخرى في الطريق تقول سلاما، تتخذ قرارها بالاعتراف بدولة فلسطين لاسيما بعد تصويت الجمعية العامّة في الأمم المتحدة في 10 مايو بأحقية فلسطين بعضوية تامة في الأمم المتحدة بعد أن كانت لها صفة مراقب فقط منذ العام 2012، قرار العضوية التامة صوتت له 143 دولة وامتنعت 25 عن التصويت. هي خطوة أوروبية لافتة تؤكد تصدّع الجدار الأوروبي، وتشقّق مواقف الأنظمة الأوروبية الداعمة للكيان والرافضة للحقوق الفلسطينية بالرغم من مطالبات شعوبها من خلال المظاهرات الأسبوعية بوقف تسليح الكيان والاعتراف بالدولة الفلسطينية تمهيدا لحل الدولتين.  لقد سبق وأن قال أكثر من محلّل إنّ العالم بعد 7 أكتوبر 2023 سيختلف كثيرا عنه قبل هذا التاريخ، بل لعلّ التاريخ المعاصر سيكتب على مرحلتين: واحدة قبل طوفان الأقصى والثانية بعده، والحكيم الحكيم من قرأ المشهد جيدا وسعى إلى أن يكون مع الحق والسلام. ولقد كانت لهذا الطوفان ارتدادات عديدة على المشهد السياسي الدولي؛ فمن كان يتصوّر قبل ذلك أن تدين محكمة العدل الدولية رأس السلطة في الكيان الإسرائيلي وتعتبره مجرم حرب ويصبح مطلوبا لدى الأنظمة التي تحترم القانون؟ من كان يعتقد أو يتخيل يوما قبل 7 أكتوبر أن يرى جحافل الأوروبيين وأحرار العالم في الأميركيّتين وآسيا وإفريقيا ينزلون إلى الشوارع أسبوعيا ويضغطون على أنظمتهم ويطالبون بوقف الإبادة الجماعية التي يرتكبها نظام الفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة؟. من كان يحلم لحظة أن يرى حفلات التخرج الجامعية في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية تتحوّل إلى حملات تضامن ومساندة للحق الفلسطيني وتصبح فيها الكوفية الفلسطينية الزي الرسمي للمتخرجات والمتخرجين؟ شعوب مختلفة تتحرك لمؤازرة الحق الفلسطيني في السلام والحياة، وتؤكِّد على شرعية النضال والكفاح الفلسطيني من أجل تحرير وطنه، وأنظمة أوروبية وأميركية تعاقب الكيان على ارتكابه المجازر ضد الإنسانية.. إنه مشهد سيريالي يلفّ العالم بأسره؛ فقد تحوّل طوفان الأقصى إلى طوفان سلام تركب الدول الأوروبية قبل غيرها سفينته لعلّها تنجو من سكوتها القديم عن الحق، وتطهر أيديها من لوثة جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان في غزة ورفح... فويل لمن لم يتّعظ، وويل لمن لم يسع وراء الحق والسلام، والويل كلّ الويل لمن لا تزال كفّه ممدودة لأعداء السلام.

* كاتب تونسي ومدير تحرير مجلة البحرين الخيرية