الخروج عن النص الاقتصادي

| د. خالد الوزني

الخطوة‭ ‬التي‭ ‬أقدم‭ ‬عليها‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬الأوروبي،‭ ‬وبنك‭ ‬كندا‭ ‬المركزي،‭ ‬حول‭ ‬البدء‭ ‬بتخفيض‭ ‬أسعار‭ ‬الفائدة‭ ‬هي‭ ‬خطوة‭ ‬استباقية،‭ ‬لا‭ ‬تتوافق‭ ‬مع‭ ‬توجُّهات‭ ‬وسياسات‭ ‬البنك‭ ‬الفيدرالي‭ ‬الأميركي‭. ‬الخروج‭ ‬عن‭ ‬النص‭ ‬المكتوب‭ ‬اقتصاديًّا‭ ‬يعدُّ‭ ‬في‭ ‬مصلحة‭ ‬الدول‭ ‬أحيانًا،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬المكتوب‭ ‬نظرية‭ ‬اقتصادية‭ ‬رصينة؛‭ ‬ذلك‭ ‬أنَّ‭ ‬الشروط‭ ‬المرجعية‭ ‬لتطبيق‭ ‬السياسات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬تختلف‭ ‬بين‭ ‬اقتصاد‭ ‬وآخر‭. ‬فاليوم،‭ ‬يسعى‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬الفيدرالي‭ ‬الأميركي‭ ‬إلى‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬التضخُّم‭ ‬المستهدف،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يدعوه‭ ‬إلى‭ ‬التشدُّد‭ ‬في‭ ‬السياسات‭ ‬النقدية‭ ‬عبر‭ ‬سلسلة‭ ‬رفع‭ ‬أسعار‭ ‬الفائدة‭ ‬بشكلٍ‭ ‬متتالٍ‭ ‬منذ‭ ‬مارس‭ ‬2022،‭ ‬وحتى‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬ومن‭ ‬ثمَّ‭ ‬نحو‭ ‬تثبيت‭ ‬أسعار‭ ‬الفائدة‭ ‬سبع‭ ‬مرات‭ ‬على‭ ‬التوالي‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬وحتى‭ ‬اليوم،‭ ‬مع‭ ‬التوقُّع‭ ‬بأنَّ‭ ‬لا‭ ‬يبدأ‭ ‬التخفيض‭ ‬قبل‭ ‬بداية‭ ‬الربع‭ ‬الرابع‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬الحالي‭. ‬ولعلَّ‭ ‬المعطيات‭ ‬التي‭ ‬يتعامل‭ ‬معها‭ ‬صانع‭ ‬السياسة‭ ‬النقدية‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تؤهِّل‭ ‬لما‭ ‬ينتهجه‭ ‬من‭ ‬سياسات‭ ‬أفضت‭ ‬إلى‭ ‬رفع‭ ‬أسعار‭ ‬الفائدة‭ ‬بنحو‭ ‬550‭ ‬نقطة‭ ‬أساس،‭ ‬بيد‭ ‬أنَّ‭ ‬التوجُّه‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬نحو‭ ‬تثبيت‭ ‬أسعار‭ ‬الفائدة‭ ‬أُعتُبِرَ‭ ‬توجُّهًا‭ ‬نحو‭ ‬التيسير‭ ‬والتقليل‭ ‬من‭ ‬حدة‭ ‬الآثار‭ ‬الانكماشية‭ ‬للسياسات‭ ‬السابقة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تراجع‭ ‬معدلات‭ ‬التضخُّم‭ ‬التي‭ ‬تراجعت‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬وهي‭ ‬تكاد‭ ‬تلامس‭ ‬3‭ % ‬حاليًّا،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬تحسُّن‭ ‬مستوى‭ ‬التوظيف‭ ‬أو‭ ‬الوظائف،‭ ‬والإنتاج‭ ‬الموجَّه‭ ‬نحو‭ ‬الاستجابة‭ ‬للطلب‭ ‬الاستهلاكي‭ ‬في‭ ‬الدولة‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬فإنَّ‭ ‬ما‭ ‬توجَّه‭ ‬إليه‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬الأوروبي،‭ ‬والكندي،‭ ‬بالبدء،‭ ‬استباقيًّا،‭ ‬بتخفيض‭ ‬أسعار‭ ‬الفائدة‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬استجابة‭ ‬لمتطلبات‭ ‬السياسة‭ ‬لديهما،‭ ‬ذلك‭ ‬أنَّ‭ ‬المستهدف‭ ‬من‭ ‬معدلات‭ ‬التضخُّم،‭ ‬ومستويات‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬ومعدلات‭ ‬توليد‭ ‬الوظائف،‭ ‬يختلف‭ ‬عمّا‭ ‬شهده‭ ‬السوق‭ ‬الأميركي‭ ‬من‭ ‬انفراجات‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬تلك‭ ‬الأرقام‭. ‬وعليه‭ ‬كان‭ ‬لزامًا‭ ‬أن‭ ‬يبدأ‭ ‬بالتيسير‭ ‬التدريجي،‭ ‬وتخفيض‭ ‬أسعار‭ ‬الفائدة‭ ‬لتنشيط‭ ‬الاقتصاد‭ ‬وتحسين‭ ‬معدلات‭ ‬أدائه‭. ‬الشاهد‭ ‬ممّا‭ ‬سبق،‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬سياسة‭ ‬ربط‭ ‬العملة‭ ‬بالدولار‭ ‬الأميركي،‭ ‬كسياسة‭ ‬ناجعة‭ ‬حقَّقت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬النتائج‭ ‬الإيجابية،‭ ‬فإنَّ‭ ‬تلك‭ ‬السياسة‭ ‬لا‭ ‬تمنع‭ ‬الخروج‭ ‬عن‭ ‬النص‭ ‬الاقتصادي‭ ‬في‭ ‬محطات‭ ‬محدَّدة‭ ‬ووفق‭ ‬معطيات‭ ‬محلية‭ ‬تختلف‭ ‬قطعًا‭ ‬عن‭ ‬المعطيات‭ ‬أو‭ ‬المحدّدات‭ ‬التي‭ ‬يواجهها‭ ‬الدولار‭ ‬الأميركي‭ ‬في‭ ‬أرضه‭ ‬وبين‭ ‬جمهوره‭. ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬سياسات‭ ‬أسعار‭ ‬الفائدة‭ ‬كأداة‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬السياسة‭ ‬النقدية‭ ‬الكمية‭ ‬غير‭ ‬المباشرة‭ ‬ضرورة‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬وخاصة‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تواجه‭ ‬ضغوطًا‭ ‬على‭ ‬عملتها‭ ‬وأسعار‭ ‬صرفها،‭ ‬والمحصلة‭ ‬أو‭ ‬البوصلة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬تنشيط‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬وتوليد‭ ‬الوظائف،‭ ‬وتنشيط‭ ‬الطلب،‭ ‬وهي‭ ‬الأسباب‭ ‬الثلاثة‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬توجُّهات‭ ‬البنك‭ ‬الفيدرالي‭ ‬الأميركي،‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬تحكم‭ ‬باقي‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬وهي‭ ‬تحدِّد‭ ‬السياسات‭ ‬النقدية،‭ ‬تشددية‭ ‬كانت‭ ‬أم‭ ‬تيسيرية‭.‬

*‭ ‬أستاذ‭ ‬السياسات‭ ‬العامة‭ ‬المشارك‭ ‬بكلية‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬راشد‭ ‬للإدارة‭ ‬الحكومية