احذروا ما تنشرون

| سليم مصطفى بودبوس

نشر‭ ‬صديق‭ ‬لي‭ ‬مشهود‭ ‬له‭ ‬بالدقة‭ ‬والصدق‭ ‬والتحرّي،‭ ‬خبر‭ ‬وفاة‭ ‬عالم‭ ‬اللسانيات‭ ‬والمفكر‭ ‬الأميركي‭ ‬الشهير‭ ‬نعوم‭ ‬تشومسكي‭ ‬على‭ ‬صفحته‭ ‬الشخصية‭ ‬على‭ ‬الفيسبوك‭ ‬يوم‭ ‬الثلاثاء‭ ‬الماضي،‭ ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬بدأ‭ ‬بعض‭ ‬أصدقائه‭ ‬ينقلون‭ ‬الخبر‭.. ‬ثمّ‭ ‬تراجع‭ ‬هذا‭ ‬الصديق‭ ‬واعتذر‭ ‬عن‭ ‬نشر‭ ‬الخبر‭ ‬لعدم‭ ‬صحته‭.. ‬والحقيقة‭ ‬أنّ‭ ‬خبر‭ ‬وفاة‭ ‬تشومسكي‭ ‬منتظرة‭ ‬في‭ ‬أيّ‭ ‬يوم‭ ‬لتقدمِ‭ ‬سنّ‭ ‬الرجل،‭ ‬ثمّ‭ ‬إنّ‭ ‬خبر‭ ‬وفاته‭ ‬يخصّ‭ ‬فئة‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭. ‬أمّا‭ ‬نشر‭ ‬أخبار‭ ‬زائفة‭ ‬عن‭ ‬موت‭ ‬عشرات‭ ‬الحجّاج‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الظرف‭ ‬الدقيق‭ ‬من‭ ‬موسم‭ ‬الحج‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬الأخذ‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬موثوقة،‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يدخل‭ ‬البلبلة‭ ‬في‭ ‬الحجّاج‭ ‬أنفسهم‭ ‬فقط،‭ ‬إنّما‭ ‬في‭ ‬ذويهم‭ ‬الذين‭ ‬ينتظرون‭ ‬عودتهم،‭ ‬وللأسف‭ ‬تداول‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأصدقاء‭ ‬على‭ ‬الفيسبوك‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأخبار‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬عرفة‭.‬

لعلّ‭ ‬بعض‭ ‬الناشطين‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬يظنّون‭ ‬أنفسهم‭ ‬إعلاميين‭ ‬محترفين،‭ ‬بل‭ ‬ويسعون‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المحترفة‭ ‬إلى‭ ‬السبق‭ ‬الصحافي‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬أخبارا‭ ‬زائفة‭.. ‬حتّى‭ ‬وإن‭ ‬تعلّقت‭ ‬بأرواح‭ ‬الناس‭.. ‬حتّى‭ ‬وإن‭ ‬أدخلت‭ ‬العائلات‭ ‬في‭ ‬هرج‭ ‬ومرج‭.. ‬هكذا‭ ‬يجري‭ ‬الانحراف‭ ‬بالخبر‭ ‬والتلاعب‭ ‬به‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬مقدّسا‭ ‬موثوقا‭ ‬لا‭ ‬يُستقى‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬وكالات‭ ‬الأنباء‭ ‬ومصادره‭ ‬الرسمية‭. ‬إنّ‭ ‬إيقاف‭ ‬نزيف‭ ‬هذه‭ ‬الأخبار‭ ‬الزائفة‭ ‬أو‭ ‬الشائعات‭ ‬المنتشرة‭ ‬جزافا‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ضرورة‭ ‬ملحّة‭ ‬تستدعيها‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬والقيم‭ ‬الأخلاقية‭ ‬لمهنة‭ ‬الصحافة‭. ‬وقد‭ ‬أكّد‭ ‬المتخصّصون‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬مناسبة‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬المواطن‭ ‬العادي‭ ‬الجالس‭ ‬في‭ ‬بيته‭ ‬خلف‭ ‬شاشة‭ ‬هاتفه‭ ‬صحافيا،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬نقل‭ ‬الخبر‭ ‬وتداوله‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬يثير‭ ‬البلبلة‭. ‬لذا‭ ‬لابدّ‭ ‬من‭ ‬إيجاد‭ ‬حلول‭ ‬ذكية‭ ‬تحدّ‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الفوضى‭ ‬الإخبارية؛‭ ‬فكما‭ ‬استطاع‭ ‬القائمون‭ ‬على‭ ‬الفيسبوك‭ ‬حجب‭ ‬الأخبار‭ ‬والمنشورات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بعمليات‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬للاحتلال‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬ورفح‭ ‬وهي‭ ‬حقيقة‭ ‬واقعة،‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬حلولا‭ ‬ذكيّة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الأمن‭ ‬السيبراني‭ ‬لحجب‭ ‬الأخبار‭ ‬الزائفة‭ ‬والإشاعات‭ ‬أياً‭ ‬كانت‭ ‬فحوى‭ ‬تلك‭ ‬الإشاعة‭.‬

لكن‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬أن‭ ‬نمتلك‭ ‬نحن‭ ‬وسائل‭ ‬تحقيق‭ ‬هذا‭ ‬المطلب،‭ ‬نهيب‭ ‬بكل‭ ‬مستعملي‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أن‭ ‬يتحرّوا‭ ‬الدقّة،‭ ‬وأن‭ ‬يستقوا‭ ‬الأخبار‭ ‬من‭ ‬مصادرها‭ ‬الرسميّة‭ ‬قبل‭ ‬تداول‭ ‬أي‭ ‬خبر‭ ‬يهمّ‭ ‬الأشخاص‭ ‬أو‭ ‬المؤسّسات‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭.‬

واعلم‭ ‬يا‭ ‬صديقي‭ ‬أنّك‭ ‬لست‭ ‬مسؤولا‭ ‬عن‭ ‬الاخبار‭ ‬فلِهذا‭ ‬التخصّص‭ ‬أهله،‭ ‬وإنّما‭ ‬صفحتك‭ ‬أو‭ ‬حسابك‭ ‬لنشر‭ ‬ما‭ ‬يخصّك‭ ‬أو‭ ‬نشر‭ ‬آرائك‭ ‬وأفكارك‭ ‬في‭ ‬كنف‭ ‬الاحترام‭. ‬واعلم‭ ‬أيضا‭ ‬أنّك‭ ‬مسؤول‭ ‬أمام‭ ‬القانون‭ ‬أولا،‭ ‬وأمام‭ ‬الله‭ ‬ثانيا‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬ما‭ ‬تنشره،‭ ‬فهذه‭ ‬المنشورات‭ ‬هي‭ ‬لسانك‭ ‬الذي‭ ‬تنطق‭ ‬به؛‭ ‬فليكن‭ ‬صدقا‭ ‬وخيرا‭ ‬لا‭ ‬كذبا‭ ‬وإفكا،‭ ‬ولا‭ ‬تنس‭ ‬قوله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬“من‭ ‬كان‭ ‬يؤمن‭ ‬بالله‭ ‬واليوم‭ ‬الآخر‭ ‬فليقل‭ ‬خيرًا‭ ‬أو‭ ‬ليصمت”،‭ ‬وقوله‭ ‬أيضا‭: ‬“المسلم‭ ‬من‭ ‬سلم‭ ‬المسلمون‭ ‬من‭ ‬لسانه‭ ‬ويده”،‭ ‬فقُلْ‭ ‬خيرا‭ ‬وسلاما‭ ‬أو‭ ‬اسكت‭.‬

 

‭* ‬كاتب‭ ‬تونسي‭ ‬ومدير‭ ‬تحرير‭ ‬مجلة‭ ‬البحرين‭ ‬الخيرية