جاحظ العينين يحكي..

| سليم مصطفى بودبوس

هل للحرب أخلاق؟ نعم، وقد حفظ التاريخ نماذج كثيرة من أخلاق الحروب، لكنها اليوم تتوارى وتندثر في حرب إسرائيل على قطاع غزّة؛ فقد بان لكلّ متابع أنّ آلة الحرب الهمجية لا تريد القضاء على المقاومة الفلسطينية، إنّما اتّخذت منها ذريعة للقضاء على قطاع غزة بشرا وشجرا وحجرا.. تاريخا وحاضرا ومستقبلا. أقول هذا وقد انتشر في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي فيديو مروّع يُدمي القلب للمعتقل الغزي بدر دحلان البالغ من العمر 29 عاما، والذي اختصر معاناته خلال فترة اعتقاله في سجون الاحتلال لمدة شهر في قوله "عذبوني كتير ما قادر أوصف لك". ظهر الشاب مصدوماً، عيناه جاحظتان، وجسده نحيل يحمل بقايا إنسان كأنه شبح ميّت، ظهرت على وجهه إصابات متعددة وعلى يديه جرّاء تعذيبه وغيره من الأسرى المدنيين في معتقلات الاحتلال. وانتشرت في الآن نفسه، للمقارنة، تلك الفيديوهات والصّور التي وثّقت مشاهد الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، وحالتهم الزاهية الأنيقة التي بَدَوا عليها ساعة تسليمهم للهلال الأحمر.

لقد أثبتت جرائم إسرائيل التي تقع على مرأى ومسمع منظمات حقوق الإنسان، وحقوق المرأة والطفل، ومنظمات الأغذية والدفاع عن الحيوان، ومنظمة اليونسكو واليونيسف، والعدل الدوليَّة والجنايات الدوليَّة وغيرها.. أثبتت مرة أخرى السقوط القيمي والأخلاقي لمُجتمع دولي منحاز بفضل منظوماته وخاصة مجلس الأمن "الأميركي"، ولَمْ يَعُد الحديث عن القيم والمبادئ والأخلاق في الحرب والسلم سوى ديباجة كلاميّة في المواثيق والعهود والقرارات والقوانين الدوليّة، أو يُسْتَندُ إليها في حال الحاجة لإدانة دولة عربية والضغط عليها. ولمّا استبسل أهل القطاع طوال أكثر من ثمانية أشهر وتمسّكوا بأرضهم، واحتموا بالخيام والبيوت المدمرة والمدارس المهدمة، ولمّا عجز هذا الكيان المدعوم من الحزام الأميركي الأوروبي عن استئصالهم، لم يبق أمامه سوى سلاح التجويع. "المقال كاملا في الموقع الإلكتروني".

كاتب تونسي ومدير تحرير مجلة البحرين الخيرية

إذْ يعاني سكان القطاع اليوم من انعدام ما يسدّ الرمق من أكل وماء بعد أن دمّر الكيان مصادر المياه القليلة في غزة، وأغلق كل المعابر وعطّل وصول الإمدادات الغذائية لأهل القطاع من المدنيين العزّل في سابقة تاريخية وحشية فريدة. 

ولا عجب أن يأتي هذا الكيان مثل ما أتاه؛ وتاريخه الدموي في فلسطين يحكي أبشع من هذا منذ النكبة وحتى قبلها.. ولا عجب أن تسكت معظم دول العالم بعد أن سقطت أخلاقيا وقيميا.. لكن ستبقى الأيام شاهدة على خذلان الحكومات وضعف الأنظمة وسكوت الدّول على جرائم الكيان، ستبقى شاهدة على تلذّذ بعض قادة هذه الدول بدماء الأطفال والأبرياء الذين "قالوا سلاما".

*كاتب تونسي ومدير تحرير مجلة البحرين الخيرية