التكلفة الحديثة لعمليات الطيران التجاري (1)
| د. أحمد العويناتي
يُعد الطيران المدني التجاري أحد أركان اقتصاد الدول المتطورة، التي تسعى من خلاله لبناء شبكات ضخمة من رحلات الطيران عبر أساطيل حديثة من الطائرات متعددة المدى، آخذة بعين الاعتبار مساحتها الجغرافية، وبنيتها التحتية واستراتيجيتها القصيرة، المتوسطة والبعيدة المدى، من أجل تحقيق أهداف الدولة الاستراتيجية، والدبلوماسية، والسياسية، والاقتصادية، والتجارية. نتناول هنا - وبشكل شمولي - في سلسلة من المقالات المتخصصة عمليات الطيران المدني التجاري، واستراتيجياته ومستقبله كأحد قطاعات النقل، وما تواجهه هذه الصناعة من فرص وتحديات مالية وإدارية وتشغيلية، علاوة على التقنيات الحديثة التي ستدخل على هذه الوسائل في السنوات المقبلة. وعلى رأس ما يجدر الحديث عنه التكلفة التشغيلية لعمليات الطيران، إذ إنها تلعب دورا أساسيًا في رفد وتحريك المنظومة الاقتصادية لبعض القطاعات من جهة، وتؤثر إيجابًا أو سلبًا على ربحية وفاعلية شركات الطيران من جهة أخرى، ولطالما كانت ربحية شركات الطيران محط اهتمام الشركاء، المستثمرين والاقتصاديين، لما لها من أثر مباشر على استدامة منظومة الطيران. حتى الأعوام القليلة المنصرمة، كانت تكاليف التشغيل المباشرة لعمليات الطيران تشمل - بصورة مبسطة - تكلفة تشغيل الطائرة المتمثلة في تكلفة الوقود، الهندسة والصيانة، الملاحة الجوية، رواتب طاقم الطائرة الثابتة والمتغيرة، تموين الطائرة، والمناولة الأرضية لرحلات الطيران، انتهاءً بتكلفة الهبوط في المدرّج، وتكلفة استخدام مرافق المطار مثل جسر صعود الطائرة وغيرها من المرافق. هذه المعادلة لن تبقى ثابتة على المدى المنظور، إذ إن دخول عوامل أخرى مثل التغير المناخي، والحياد الكربوني من شأنه أن يضيف تكاليفًا أخرى في المعادلة. سواءً كانت تكاليف تشغيلية مباشرة أو غير مباشرة. ويُعرّف الالتزام بالحياد الكربوني على أنه الالتزام في خفض انبعاثات الغازات - المسببة للانحباس الحراري العالمي - إلى أقرب ما يمكن إلى الصفر، مع إعادة امتصاص أي انبعاثات متبقية من الغلاف الجوي، عن طريق المحيطات والغابات على سبيل المثال. وبالنسبة للطيران، فإن الالتزام بالصفر الصافي يعني أن صناعة الطيران ستقضي على 21.2 جيجا طن من الكربون بحلول العام 2050م، بحسب ما أعلنه اتحاد النقل الجوي الدولي (الأياتا). دول مجلس التعاون الخليجي كانت أيضًا في مقدمة الدول التي أولت اهتمامًا متزايداً في الامتثال لهذه المعايير الدولية، التزامًا منها باتفاقية باريس للمناخ، إذ أعلنت أهدافها في الوصول للحياد الكربوني بحلول العام 2050م كما هو الحال في دولة الإمارات العربية المتحدة، أو 2060م كما هو الحال في مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية، ما يعني اعتمادها خططًا وبرامجًا كبرى بالتوازي مع هذه الأهداف. إن تحقيق انبعاثات صفرية من ثاني أكسيد الكربون بحلول العام 2050م سيتطلب الجمع بين إزالة الانبعاثات عند المصدر، وتقنيات التعويض واحتجاز الكربون. ولكي ننظر بدقة لأهم المبادرات التي أطلقها اتحاد النقل الجوي الدولي (الأياتا) فإنها تُقسّم كالتالي: استخدام وقود الطيران المستدام (SAF) ما يُشكّل نسبته 65% من تأثير إجمالي المبادرات، مراقبة وتعويض الكربون ما يُشكّل نسبته 19 % من تأثير المبادرات، استخدام التكنولوجيا الجديدة، الكهرباء والهيدروجين في الطائرات الحديثة ما يُشكّل نسبة 13 % من إجمالي المبادرات، وأخيراً زيادة كفاءة العمليات والبنية التحتية ،ما يُشكّل نسبة 3 %.
إن استراتيجيات شركات الطيران للامتثال للحياد الكربوني ستتطلب إعداد ميزانيات ضخمة وموارد بشرية وغير بشرية متعددة للوصول إلى الأهداف المنشودة بحلول العام 2050م أو 2060م، وهذه التكلفة حتمًا ستغير ليس فقط في التكلفة التشغيلية أو ربحية الشركة إذا لم تؤخذ مبكراً بعين الاعتبار، بل إنها من المتوقع أن تؤثر أيضا على الزبائن الذين سيلحظون تغيرا كبيرا في تكلفة السفر بالسنوات المقبلة.