خربشة ومغزى.. "وقُل لِّعِبادِي يقُولُوا الَّتي هي أَحسنُ"

| احمد عبدالله الحسين

وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن؛ فيها توجيه قرآني داع لكل خلق وعمل صالح فإن من ملك لسانه ملك جميع أمره، وهكذا أحسن الأقوال هي قربة إلى الله وموجبة للذوق والسعادة. بل صاحبها يؤثر أحسن الأمرين إن لم يمكن الجمع بينهما. ولهذا من ملك لسانه مع الأخرين ملك جميع أمره لأن الشيطان ينزع، ويبث عداوة كقوله عزوجل؛ "وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً".

المُجادلة هي من الكلام ولا تكون في كلمة واحدة، وتتطلب غاية الحُسْن كقوله تعالى؛"جادِلْهم بِالَّتِي هي أحْسَنُ". وفي هَذا مراقبة للسان وتأديب لما يصدر عنه. والهدي النبوي في جزء حديث شريف يُحذر من آفات اللسان كقوله ﷺ "وهَلْ يَكُبُّ النّاسَ في النّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ، أوْ قالَ عَلى مَناخِرِهِمْ، إلّا حَصائِدُ ألْسِنَتِهِمْ"

اللسان فيه ملكة الكلام وله أن يغرس الدّر في قراطيس الأفهام، ويتوالد بحسن القول معاني كأنها تمشي على قدمين. ولهذا يقول الشافعي أكْسُ ألفاظك أحسنها، كما رواها كتاب فتح المغيث للسخاوي حينما ذُكر عنده؛ "أن فلان كذاب فقال للمتكلم؛ اكْسُ ألفاظَك أَحْسَنَها، لا تقل، فلان كذاب، ولكن قل؛ حديثه ليس بشيء". وهذا ذوق وورع ولطف قول، وإبعاد ذم الشخص.   

الإنسان الموفق في الكلام هو ذاك الذي يُلْبِس ألفاظَه أحسنَ الألبسة، فيصوغَها بأسلوب أثير خفيف على السمع تنفذ إلى القلب بيسر، وتكون المعاني حاضرة في نفسه قبل أن يتكلم، حتى إذا ذكرها بعناية يكون لها قبولا وإعجابا ويحوز مكان أرفع في التلقي وكأن ما قاله جديد.  جاء في تراث السير أن زبيدة لامت زوجها هارون الرشيد على حبه المأمون دون ولدها الأمين؛ فقال لها؛ الآن أريك عذري، فدعا ولدها الأمين وكانت عند الرشيد مساويك فقال له؛ يا محمد ما هذه؟ فقال؛ مساويك. ودعا المأمون؛ وقال له؛ ما هذه يا عبد الله؟ فقال: ضد محاسنك يا أمير المؤمنين. فقالت زبيدة؛ الآن بان لي عذرك. وهذا ذوق وتلطف عبارة. وهكذا الناس يجذبهم نزاهة اللسان لا فحش وبذاءة وسقط القول.  الهدي النبوي له إرشاد بذلك كما ورد عن أبن مسعود قال؛ قال رسول الله ﷺ"ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان، ولا الفاحش البذيء". فينبغي على الإنسان السوي أن لا يقول أو يكتب الالفاظ التي يُستحى من ذكرها بصريح أسمها لأنه ينفر الكرام، ويؤثب اللئام. 

ومن حسن الكلام كذلك الإشارة بأدب دونما تصريح للعبارات المستكرهة إذا دعت الحاجة كما فعل الإمام البخاري في الجرح والتعديل وهو على درجة عالية من الأدب، وسمو العبارة، فكان مضرب المثل كقوله في المجروح؛ فيه نظر، تركوه، سكتوا عنه، ونحو ذلك. وبهذا يتبين لنا أهمية جمال العبارة، وذوقها، وخطأ من يتوهم أنه إذا كان صريحاً فلا بأس عليه أن يُلبس عباراته أي ثوب شاء.