قمة الكويت.. والأمل المنشود منها
| د. احمد بن سالم باتميرا
يوم الأحد القادم تستضيف دولة الكويت القمة الخليجية الخامسة والأربعين، وللمرة السابعة على أرض تبنت مشروع المجلس عند التأسيس في 25 مايو 1981، ورغم الحديث عن قرب انعقاد هذه القمة التاريخية وأهميتها الاستراتيجية والتحديات التي تواجه المنطقة في قادم الأيام بعد عودة الحزب الجمهوري الأميركي للرئاسة برئاسة دونالد ترامب والحرب الروسية الأوكرانية الغربية، وحرب غزة ولبنان وإيران، واستمرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والوضع في السودان، فإن القمة ستكون ذات أهمية بالغة لانعقادها في هذه الفترة. وقد أكملت الكويت الاستعدادات لهذا الحدث، وتتطلع أن تحقق هذه القمة التي تعقد تحت شعار (المستقبل.. خليجي) الأمل المنشود لمسيرة مجلس التعاون، من خلال الاتفاق على مواجهة الأزمات والتحديات العالمية كفريق واحد، وتوطيد العلاقات التاريخية العميقة، فالظروف السياسية التي يمر بها العالم من حروب ساخنة وأزمات اقتصادية واضحة، تحتّم على القمة الخروج بقرارات مشتركة تزيد من وحدة وقوة الموقف الخليجي المشترك. إنجازات مجلس التعاون الخليجي كثيرة في المجال الاقتصادي والتعليمي والأمني والبيئي وغيرها، لكن تسخير قوتنا الاقتصادية والاستثمارية في بلداننا الخليجية أصبح ضرورة أساسية للأمن القومي والغذائي من خلال تبني مشاريع عملاقة كبيرة يكون لها عائد مالي وغذائي على الجميع كما هو في منطقة الدقم العمانية (مصفاة الدقم) بين سلطنة عمان ودولة الكويت، فالرؤية الحقيقية هي في جعل المنظومة الخليجية قوة اقتصادية فاعلة ومؤثرة داخليًّا وخارجيًّا.
دولة الكويت في عهدها الجديد، بدأت ترسم خريطة المستقبل الداخلي، ونتطلع أن تقود رسم خريطة مجلس التعاون الخليجي من خلال نجاحاتها الإقليمية ومكانتها، فالارتقاء بالسياسات والنجاحات كفريق واحد مشترك يصب في إطار الارتقاء بمستوى المواطن والمجتمع الخليجي بشكل واضح، وهذا ما يجعل مجلس التعاون كيانًا قويًّا ومتجانسًا في كل المجالات. أيام قليلة تفصلنا عن استضافة الكويت القمة، ولا يختلف اثنان حول أهميتها ولقاء قادتنا السنوي الذي يثلج الصدر، فنحن نعلم يقينًا أن القمة القادمة ستسهم في دعم أواصر القوى لتحقيق البنيان الذي نتطلع إليه كشعوب خليجية من هذا المجلس وتكريس التضامن والوحدة والشراكة الحقيقية لتحقيق التعاون والسعي نحو الاكتفاء الذاتي. فالمسيرة المباركة مستمرة، والقمة ليست مجرد اجتماع تقليدي، بل تمثل محطة مهمة لرسم مستقبل التكامل الخليجي في مواجهة التحديات القادمة، والانتقال من مرحلة الدراسات والتوصيات، لمرحلة التنفيذ واستغلال المقومات الاستراتيجية والجغرافيا والتكامل في المجالات الاقتصادية وبناء المشاريع العملاقة والتوظيف الخليجي ليكون العمل الخليجي قويًّا، وهذا ركن أساس أمام القادة لاتخاذ قرارات في هذه الاتجاه. وقد شكلت دعوة الكويت لعقد القمة الخليجية مسارًا لإيجاد موقف موحّد حيال حرب غزة والتصعيد الذي تشهده الأراضي الفلسطينية المحتلة والجمهورية اللبنانية واحترام سيادة إيران، وقد بذلت دول مجلس التعاون الخليجي جهودًا مضنية في هذا الإطار، وهذا لن يتحقق إلا من خلال التكاتف الخليجي العربي، والعمل الجماعي في مواجهة أية أزمة. فمنذ انطلاق المؤسسة الخليجية رسميًّا في 1981 على يد الآباء المؤسسين، والأزمات التي مرّت، ظل الكيان قويًّا، فالتحديات الإقليمية والدولية لا تحل إلا بالحوار الاستراتيجي الخليجي، وتسهيل التجارة والاستثمار بين دول الخليج سيوفر الأرضية المناسبة لتعزيز العلاقات بين منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، والمضي بها قدمًا إلى آفاق أرحب ومستويات تخدم المصالح المشتركة لكل شعوب دول الخليج. لذا، يمكننا النظر للقمة القادمة من زاوية اقتصادية واستثمارية ودبلوماسية لضبط المسافات والمسارات، فواقع الحال يجعلنا ندرس كل الاحتمالات المستقبلية، ما يعزّز أهمية التعاون والتكاتف لضمان الأمن والاستقرار الأمني والغذائي والصحي لدولنا الخليجية وتحقيق الاستدامة الدائمة. فالنجاح يتطلب تجمعًا اقتصاديًّا قويًّا كما هو الحال مع الآسيان أو الاتحاد الأوروبي، فالتحديات متعددة، وتحيط بأمن المنطقة واستقرارها والمتغيرات التي تفرزها التقنيات الحديثة وتطلعات الأجيال الجديدة، وكل ذلك يتحقق بسواعدنا جميعًا وبمزيد من التنسيق والتكامل والترابط بين دولنا في جميع الميادين لبلوغ الطموحات والآمال المنشودة بعون اللهِ وتوفيقه. فقد حان الوقت لوجود صندوق استثماري خليجي للأمن الغذائي والصحي والذكاء الاصطناعي والسيبراني، فتعاوننا وتكاتفنا وقوة اقتصادنا ولحمتنا لن تكون قوية وصامدة دون تحقيق تطلعات الشعوب والأسرة الواحدة التي تجمعها اللغة والدين والثقافة ووشائج القربى من الكويت لمسقط. كل التوفيق لدولة الكويت في جهودها لإنجاح القمة، والخروج بقرارات تخدم شعوب دول المجلس والمنطقة والعالم أجمع، فالمستقبل خليجي بإذن الله تعالى.. والله من وراء القصد. كاتب ومحلل سياسي عماني