الاقتصاد العراقي.. أزمات متجددة وفرص ضائعة
| راشد خليفة البنزايد
قد يتساءل القارئ: ما شأن كاتب لا يحمل الجنسية العراقية في أن يتحدث عن الشأن العراقي؟ وأقول له إن كل مواطن عربي هو عراقي، وكل عراقي هو عربي، وكل هذه البلاد العربية هي موطني، وكل مواطن فيها هو أخي وأمي وأبي. ما جذبني لكتابة هذه المقالة هو ظهور فيديو مؤثر لمُسنة عراقية في مقابلة مع أحد نشطاء التواصل العراقيين، تتحدث فيه عن مدى صعوبة العيش التي تعانيها. هذه المرأة، التي لا تملك ما تشتري به لحما أو سمكا أو دجاجا لأبنائها الأيتام، اضطرت إلى شراء سمكتين بالدين من أحد التجار في السوق، فأين نحن من هذه المرأة، وأطفال وشيوخ الوطن العربي الذين يعانون من الجوع والمرض؟ هذه القصة ليست مجرد حالة فردية، بل هي انعكاس لأزمة اقتصادية عميقة يعيشها العراق، تتطلب وقفة جادة وتحليلا دقيقا لفهم أبعادها وتأثيرها على حياة المواطنين. يواجه الاقتصاد العراقي تحديات معقدة، رغم الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، حيث يعتمد العراق بشكل كبير على قطاع النفط وتشكل العائدات النفطية حوالي 90 % من إيرادات الدولة، هذا الاعتماد المفرط يجعل الاقتصاد عرضة لتقلبات أسعار النفط العالمية، ففي العام الماضي ارتفع حجم الموازنة إلى 211 تريليون دينار عراقي (أي ما يعادل تقريبا 54.73 مليار دينار بحريني)، مع عجز متوقع يبلغ 64 تريليون دينار. وقد بُنيت هذه الموازنة على أساس سعر نفط يبلغ 70 دولارا للبرميل، وهو أقل من متوسط السعر في العام السابق، ما يزيد من مخاطر العجز المالي. إلى جانب ذلك، يواجه العراق تحديات كبيرة في تحصيل الإيرادات غير النفطية، حيث يُقدَّر أن البلاد تخسر حوالي 10 مليارات دولار سنويا بسبب التهرب الضريبي ومشكلات الجمارك. هذه الخسائر تفاقم من أزمات الاقتصاد العراقي، الذي يعاني أصلا من ارتفاع معدلات البطالة والفقر. ووفقًا لوزارة التخطيط العراقية، يعيش أكثر من 10 ملايين عراقي تحت خط الفقر، وهي أرقام تفاقمت بسبب جائحة “كوفيد 19”، التي أدت إلى زيادة معدلات الفقر والبطالة. كما تعاني البلاد من نقص حاد في الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والرعاية الصحية، ما يزيد من معاناة المواطنين، خاصة الفئات الأكثر ضعفًا مثل الأرامل والأيتام وكبار السن. ووفقا لتقرير صندوق النقد الدولي الصادر في مارس 2024، الذي أظهر انكماش الاقتصاد العراقي بنسبة 2.2 % في العام 2022، وتوقع تحقيق نمو بنسبة 1.4 % في العام 2024 و5.3 % في العام 2025. كما توقع اتساع عجز الموازنة إلى 7.6 % من الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي، مقارنة بـ 1.3 % بالعام 2023. بالإضافة إلى ذلك، يُتوقع أن يصل الدين الحكومي إلى 54.6 % في العام الجاري، وهذه الأرقام تشير إلى استمرار التحديات الاقتصادية التي تواجه العراق. وفي رأيي إنه يتطلب من العراق لمواجهة هذه التحديات العمل على تنويع مصادر الدخل بعيدا عن النفط، وهذا ما قد يراه البعض في ظل الأوضاع الحالية في العراق صعبا جدا، ولكن الجدية مطلوبة في تطوير قطاعات مهمة مثل الزراعة والصناعة والسياحة، واستقطاب المستثمرين لدعم هذه القطاعات، كما ينبغي تعزيز جهود مكافحة الفساد الذي يُعد أحد أكبر العقبات أمام التنمية الاقتصادية في العراق وأي دولة أخرى، بالإضافة إلى تحسين كفاءة الإدارة المالية وتحسين العلاقات مع الدول المجاورة وتعزيز التعاون الإقليمي في جذب الاستثمارات ودعم النمو الاقتصادي. في الختام، يمتلك العراق إمكانات كبيرة لتحقيق نمو اقتصادي مستدام، وهذا ما يتطلب تنفيذ إصلاحات هيكلية جادة والتركيز على تحسين الظروف المعيشية للمواطنين، قصة المرأة العراقية التي اضطرت لشراء السمك بالدين ليست مجرد حالة عابرة بل هي صرخة تذكرنا بأن الاقتصاد ليس مجرد أرقام وإحصائيات، بل هو انعكاس لواقع حياة الناس ومعاناتهم من خلال إصلاحات حقيقية وشاملة تهدف لتحقيق تنمية تعود بالنفع على جميع أفراد المجتمع العراقي، وتضمن أن لا يعود أي مواطن عربي إلى النوم وهو جائع أو محروم من أبسط حقوقه الإنسانية.
Email: rbinzayed@gmail.com