ترامب والعودة للبيت الأبيض
| د. احمد بن سالم باتميرا
في خطابه بعد تأديته اليمين الدستورية كرئيس للولايات المتحدة الأميركية، أظهر دونالد ترامب هواجس العظمة التي يريد تطبيقها خلال السنوات الأربع القادمة من رئاسته وبقائه في البيت الأبيض عندما أعلن أن بلاده ستكون قوة عسكرية كبرى، وقوة اقتصادية، وحدودها ستتجاوز كندا وقناة بنما! فرجل الأعمال والسياسي الجمهوري الذي اكتسح الانتخابات الأميركية أكد بكل شفافية وبصراحته المعهودة أنه سيكون صانع السلام في العالم، ويعود منتشيًا ويقول للعالم: “إن إرثي الأكبر فخرًا هو أن أكون صانع سلام وموحدًا، هذا ما أريده وما أريد أن أقوم به”. ومع ذلك يقوم اقتصاد الولايات المتحدة الأميركية عمومًا على السيطرة على مناطق الثروة الاقتصادية والمواقع الاستراتيجية في العالم، وكذلك بعض دول أوروبا، لذلك ليس مستغربًا الدخول في شراكات اقتصادية واستثمارية مع مختلف دول العالم لمن يريد النجاح الاقتصادي والتطور الصناعي والعسكري. لذلك أمام ترامب تحديات كثيرة وكبيرة لتحقيقها، منها وقف الحرب في أوكرانيا من خلال القوة والضغط على العواصم الأوروبية وكييف، ومن ثم التعامل مع الرئيس الروسي بوتين في كيفية تهدئة الحرب لتحقيق أحد أهدافه ومتطلباته وهو السلام الذي يستلزم احترام الطرف الآخر، وتقديم تضحيات، ومن ثم الإسراع في التفاوض والوصول إلى حلول ترضي موسكو وكييف. ومن ثم سيتجه الرئيس ترامب، للبحث عن صفقات وعقود على نطاق دولي، ليؤمن الوضع الاقتصادي لبلاده من خلال منافسة الصين وروسيا في أفريقيا، وأيضًا توقيع العقود مع الدول الصديقة والحليفة مع الولايات المتحدة الأميركية من خلال فتح الأسواق لها لشراء معدات عسكرية وطائرات وتكنولوجيا حديثة ومتطورة والاستحواذ على ما هو جديد في كل المجالات، ليحقق التوازن المنشود بين بلاده والقوى المنافسة.
وكما رأينا فقد شرع الرئيس الأميركي ترامب منذ اللحظات الأولى لعهده الثاني في البيت الأبيض بتفكيك إرث سلفه جو بايدن نهائيًّا، متخذًا سلسلة قرارات لافتة وقوية وسريعة داخليًّا وخارجيًّا، فأطلق سلسلة من الإجراءات مستندًا إلى ما يعده تفويضًا شعبيًّا وقانونيًّا لتحقيق رغباته وسياساته وأهدافه فيما يخص الهجرة والتجارة والصناعات والمثلية والتعليم وغيرها. فاليوم لدى ترامب المقدرة ليكون صانع السلام ـ وينال جائزة نوبل للسلام ـ فيما أخفق غيره في تحقيقه، بل كان سببًا في استمرار حرب غزة وحرب روسيا وأوكرانيا، وفي سوء العلاقات مع بعض الدول الصديقة. لذا سارع الرئيس الجديد لتوقيع عشرات القرارات التنفيذية، والتي يتوقع أن تكون لها تأثيرات عميقة على السياسة الأميركية التي اعتمدها بايدن مسبقا، وجاء اعتراف ترامب رسميًّا بالجنسين، والانسحاب من معاهدة باريس للمناخ، وإطلاق عمليات التعدين على نطاق واسع واستخراج النفط والغاز والمعادن في ألاسكا، والانسحاب من منظمة الصحة العالمية، وفتح ملف اغتيال الرئيس كنيدي وغير ذلك. فمن اليوم، سنكون أمام أربع سنوات حافلة بالمد والجزر والفرح والحزن، والمكاشفة والمصارحة، بعد السيطرة الجمهورية على الرئاسة ومجلس الشيوخ ومجلس النواب والقضاة في تشكيلة قوية للرئيس ترامب للسيطرة داخليًّا وخارجيًّا والتعاطي مع القضايا والأزمات والملفات الشائكة بكل حزم. فبعد التغيير في سوريا، ووقف الحرب في غزة، وتعيين الرئيس في لبنان، بدأت الإدارة الأميركية فتح الملف النووي الإيراني، وإرسال رسائل للحوثيين وإيران والصين، وخلال الأيام المقبلة سنرى الكثير من الرسائل من ترامب لقادة العالم، خصوصًا روسيا وكوريا الشمالية لتحقيق التكافؤ الاقتصادي والسلام العالمي، وكما ذكرت في مقال سابق بعنوان “رصاصة غيرت أميركا” والتي أطلقت على دونالد ترامب خلال حملته الانتخابيَّة في بنسلفانيا، وأصابته في أذنه، ودخل التَّاريخ من أوسع أبوابه؛ حيث بدا التأثير الترامبي على الأحداث والنزاعات في العالم من أول يوم تولى فيه السلطة. فالشرق الأوسط يتطلع من إدارة ترامب دعم الحلفاء والتصدي للخصوم، فهل ستكون الأيام والسنوات القادمة مثيرة وتتسم بالاستقرار الداخلي والسلام الخارجي ونهضة اقتصادية أميركية وعالمية، أم سيكون الرجل صعب المنال والتوقعات، شعاره التقلبات والمصالح أولا، والصفقات الاقتصادية، ولا يقبل الخسارة أبًدا، لذا علينا ربط الأحزمة، فالرجل لا يفرق بين الحليف والعدو، وهو الأكثر صراحة بين الرؤساء الأميركيين على الإطلاق، ويمكن أن يستعمل القوة الناعمة لتحقيق أهدافه المتعددة، لذا سيكون العالم بين حذر وخوف منه خلال فترة حكمة التي تتطلب الحكمة في كيفية التعامل معه، كما يجب على الرئيس الأميركي ألا يلعب بالنار مع روسيا والصين وحلفائه العرب.. والله من وراء القصد.
*كاتب ومحلل سياسي عماني