توثيق الإنجازات.. ضرورة
| زهير توفيقي
خلال فترة عملي السابق في “جيبك”، كانت إدارة الشركة تحرص كل الحرص وبشكل سنوي على توثيق جميع الأخبار الصحافية التي تنشر في الصحف المحلية (العربية والإنجليزية) في كتاب، بل في مجلد نظرًا لعدد صفحاته التي كانت تتجاوز أكثر من 1000 صفحة، وكان عنوان هذا الكتاب “جيبك في الصحافة المحلية”. تعليقات ضيوف الشركة وإعجابهم بفكرة الكتاب كان محل تقدير ومصدر إلهام للإدارة والعاملين، بل إن الكثير منهم أبدوا اهتمامهم باستنساخ هذه الفكرة في مؤسساتهم المختلفة من داخل البحرين وخارجها! ولا شك أن هذا الأمر كان يشعرنا بالفخر والاعتزاز ليس للمؤسسة فحسب، بل لمملكتنا الغالية، حيث إن كل تلك المعلومات والأخبار الواردة في الكتاب كانت توثق إنجازات الشركة المختلفة في جميع المجالات التي تعتبر رافدًا من روافد الاقتصاد الوطني. تذكرت هذه التجربة الرائدة وأنا أتصفح كتاب “نبض الإنجاز” الذي أعده الزملاء في صحيفة “البلاد” الغراء وبدعم من عقارات غرناطة، فقد عبّر هذا الكتاب عن جهد مخلص وحثيث من قبل إدارة الصحيفة في توثيق أحداث وشخصيات لها أهمية كبيرة للحاضر والمستقبل. هذا الكتاب الذي أعدته الصحيفة عبارة عن توثيق مهم للتصريحات والزيارات واللقاءات خلال عام 2024 لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم، حفظه الله ورعاه، وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، حفظه الله، خلال اليوبيل الفضي الذي يتزامن مع ذكرى ميثاق العمل الوطني التي نعتز بها جميعًا في مملكتنا الغالية.
وتضمن هذا الإصدار توثيقًا بالصورة المعبرة لأبرز الإنجازات التي حققتها المملكة في المجالات التنموية العديدة، ومنها افتتاح المشاريع الكبرى التي أسهمت في تعزيز التنمية المستدامة، ودور المملكة المشرّف على كل الصعد. لا شك أن الإنجازات الوطنية تلعب دورًا أساسيًّا في تشكيل هوية الشعوب ورسم معالم مستقبلها، لذا فإن توثيقها في كتاب شامل ليس مجرد خيار، بل ضرورة ملحة لحفظها من الاندثار وضمان وصولها إلى الأجيال القادمة. فالتاريخ يُكتب من خلال الإنجازات، ومن دون توثيق رسمي ومدروس، قد تضيع معالم التقدم ويُطمس دور الشخصيات التي ساهمت في البناء والتنمية. إن تدوين النجاحات، سواء كانت اقتصادية، اجتماعية، ثقافية أو علمية، يمنح الأجيال القادمة مصدرًا موثوقًا تستلهم منه العبر والدروس، ويعزز الانتماء الوطني. كما أن الكتاب الموثّق للإنجازات يُعد بمثابة مرجع رئيس للمؤرخين، الباحثين، وصناع القرار، حيث يوفر بيانات دقيقة عن مراحل تطور الدولة، ما يسهم في وضع سياسات قائمة على حقائق، وليس مجرد تقديرات أو روايات غير مؤكدة. كما أنه يساعد على إبراز الدور الذي لعبته مختلف المؤسسات والأفراد في تقدم المجتمع. فوجود مثل هذا الكتاب في المكتبات العامة والخاصة يضمن سهولة الوصول إليه من قبل الجميع، سواء كانوا طلابًا أو باحثين أو مواطنين عاديين يرغبون في التعرف على تاريخ بلادهم. كما أن نشره في شكل إلكتروني يعزز انتشاره عالميًّا، ما يسهم في التعريف بإنجازات الدولة على نطاق أوسع. شخصيًّا أجد أن يكون توثيق الإنجازات مشروعًا وطنيًّا تشارك فيه الجهات الحكومية، الأكاديمية، والإعلامية، لضمان دقة المعلومات وتغطية مختلف الجوانب. ويمكن أن يتم إصداره بشكل دوري، بحيث يتم تحديثه باستمرار ليعكس التطورات والإنجازات الحديثة. الخلاصة.. توثيق إنجازات الدولة في كتاب ليس مجرد حفظ للماضي، بل هو استثمار في المستقبل. إنه رسالة للأجيال القادمة بأن هذه الإنجازات لم تكن وليدة الصدفة، بل نتيجة جهد وتخطيط وإرادة وطنية. فكما قال الفيلسوف الإسباني George Santayana “من لا يقرأ التاريخ محكوم عليه بتكراره”.
كاتب وإعلامي بحريني