القيادة على الطريقة اليابانية
| د. المؤمن عبدالله
نتوق كلنا للحديث عن القيادة، لكن في الواقع، تعد القيادة الحقيقية مسألة أخرى، يقول التعريف العام للقيادة “إنها القدرة على أخذ زمام المبادرة في حل المشكلات وتحقيق الأهداف مع تقديم الرؤى والأهداف للجميع”. ومع ذلك سيختلف هذا التعريف أيضًا حسب الأشخاص والظروف والأوقات. ومع تنوع طرق العمل والمعيشة، قد يكون من الصعب تحديد معنى القادة والقيادة؛ لأن صورة القائد التي تتطلبها الأوقات ستختلف وتتنوع بصرف النظر عن طبيعة الأزمة، سواء كانت طبيعية أو من صنع الإنسان، وغالبًا ما يُتهم القادة اليابانيون بعدم القدرة على إدارة الأزمات إدارة فعالة ناجزة، إذ يقال دائمًا إن اليابان بلد تفتقر للقائد الذي يمتلك مهارات القيادة القوية على إدارة الأزمات. لكن هل هذا صحيح بالفعل؟ أم أنه بعيد عن مضمون الحقيقة. وفي ظل السياسات المتبعة في بلدان العالم المختلفة من أجل التصدي للأزمات والمشكلات التي تواجهها الدولة محليًّا ودوليًّا، نجد قادة الدول المختلفة يخاطبون شعوبهم من أجل حثهم على التعاون والتكاتف للعمل معًا للحد من خطر انتشار الفيروس التاجي الجديد. وهنا نجد نماذجَ مختلفةً من أساليب الخطاب المتبعة من قبل القادة تجاه شعوبهم، فمنها المباشر والصادم مثل النموذج الإنجليزي والألماني الذي تجد فيه رئيس الوزراء يخاطب شعبه بصراحة صادمة واضعًا بين أياديه كل المعلومات والحقائق، وهنالك أيضًا نوع آخر من أساليب الخطاب المتبعة من القادة مثل النموذج السنغافوري والتايواني اللذين يركزان على تعزيز تضامن الناس وتحفيزهم على مواجهة الأزمة معًا. على الجانب الآخر، نجد النموذج الياباني المعروف بنمطه المعتاد الذي يعتمد في إدارته للأمور على أسس التعاون والتوافق والدقة والحد من المخاطرة، بدلًا من التركيز على معايير السرعة وفاعلية الإنجاز. ما يجعل قراراته وتصرفاته تتسم دائمًا بـ “البطء” و”عدم المرونة” و”المركزية بشكلها البيروقراطي”، لكننا مع ذلك لا يمكننا إنكار أن هذا النوع من أنماط التفكير وأساليب التعامل له تأثير فعّال في تقليل الضرر المحتمل لعواقب الأمور. قد يبدو الأمر سيئًا، لكن المؤسسات اليابانية ومنظومة العمل بها لا تحبّذ الاعتماد على نموذج القيادة الفردية. لكن بدلًا من ذلك تجدها تعتمد على نموذج القيادة القائم على مبدأ قيادة المؤسسة بذاتها وليس بفردها. ويرجع هذا إلى ثقافة المجتمع الياباني القائم على فكر الجماعة بوصفها منظومة عمل أساسية للمجتمع، إذ تميل الشخصية اليابانية في نمطها الفكري إلى المزج بين المسؤولية العامة للمنظومة وبين المسؤولية الفردية للأشخاص. ونتيجة لذلك، تجد الأعراف الاجتماعية اليابانية تشجع على القيادة بمفهوم “القيادة المؤسسية (الشركة أو المؤسسة)” القائمة على توافق أفرادها على مبدأ وفكر مشترك، وذلك بدلًا من الاعتماد على أسلوب القيادة الفردية ذات القائد المطلق”، ما جعل هذا النمط الفكري متجذرًا في ثقافة المجتمع الياباني إلى يومنا هذا. وللحديث بقية.
أستاذ الدراسات اليابانية والترجمة بجامعة طوكاي اليابانية