رمضان.. مدرسة الأخلاق قبل العبادة

| زهير توفيقي

 يُقبل علينا شهر رمضان الفضيل، الشهر الذي أنزل فيه القرآن، والشهر الذي يُعدّ محطة سنوية للتغيير والتأمل، وهو فرصة للتقرب من الله سبحانه وتعالى بالعبادة والطاعات، لكن مع الأسف نرى في كثير من الأحيان تناقضًا صارخًا في كيفية فهم البعض معنى رمضان ورسالة الصيام الحقيقية. إن الصيام في ظاهره ليس سوى الامتناع عن الطعام والشراب من الفجر حتى المغرب، لكنه في جوهره مدرسة أخلاقية تهدف إلى تهذيب النفوس وتقوية القيم الإنسانية النبيلة، فالصيام لا يعني كبح الجسد فحسب، بل هو دعوة لكبح النفس عن الأهواء، وعن كل ما يخدش الأخلاق أو يضر الآخرين.  ومع ذلك، نشهد ظاهرة مؤلمة تتكرر كل عام، فبينما يلتزم البعض بالصيام أثناء النهار، نجد أن القيم التي يحملها هذا الشهر تغيب عن سلوكهم في بقية الأوقات. تُمارَس الغيبة والنميمة مساءً، وتُهدر الأمانة، ويعامل الناس بجفاء أو سوء، ناهيك عن أن الالتزام بالصيام لدى البعض يقتصر على رمضان فقط، ثم تعود الأمور إلى سابق عهدها بعد انتهاء الشهر، وكأن هذا الالتزام الموسمي يغني عن بقية السنة! فنجد المساجد والجوامع تمتلئ بالمصلين خلال شهر رمضان فقط وبقية أشهر السنة تكون خاوية!  هذه المظاهر تعكس فهمًا قاصرًا لحقيقة الدين الإسلامي الحنيف الذي لا يقوم فقط على الطقوس والعبادات، بل يجعل الأخلاق والصدق والأمانة والرحمة التي هي حجر الأساس لكل معاملة وسلوك. فالدين، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.

 شهر رمضان ليس هدفًا في حد ذاته، بل وسيلة لإعادة بناء الروح وتهذيب السلوك والنفوس.. إنه فرصة لإصلاح علاقتنا مع الله ومع أنفسنا ومع الآخرين. ليس الصيام عن الطعام والشراب فقط، بل هو صيام اللسان عن الكذب والغيبة والنميمة، وصيام الجوارح عن الأذى، وصيام القلوب عن الحقد والحسد.  إن التناقض بين العبادة والسلوك يجعلنا نتساءل: كيف يمكن أن يصوم الإنسان نهارًا ويقوم الليل، لكنه يتعامل مع الناس بخداع أو ظلم؟ كيف يمكن أن نغفل عن أن حسن المعاملة هو جوهر الدين، وأن الأمانة والصدق هما من أعظم مظاهر التقوى؟  إن شهر رمضان يعد فرصة لأن نكون قدوة، لأن نعكس قيم الإسلام في تصرفاتنا اليومية، أن يكون التزامنا في رمضان نقطة انطلاق لتغيير حقيقي ومستدام، لا مجرد حالة مؤقتة.  دور الخطباء والأئمة والدعاة جوهري ومهم جدًّا في التطرق لهذه الظاهرة ليس فقط خلال رمضان، بل على مدار العام، جميعنا نتلقى الكثير من القصص والمواقف الرائعة التي يكون طرفها ليس من المسلمين، فنحن بأمسّ الحاجة إلى زرع روح التسامح والقيم والمعاملة الحسنة والصدق والاحترام المتبادل بيننا، فهذه قواعد أخلاقية وإنسانية في غاية الأهمية وهي التي تجعل الإنسان يشعر بالأمان.  لنجعل من هذا الشهر الفضيل تذكيرًا بمعاني الرحمة، والصبر، والإحسان. دعونا نعمل على أن يكون هذا الالتزام بالقيم الحميدة جزءًا من حياتنا طوال العام، فالدين ليس موسمًا، والأخلاق ليست طقسًا عابرًا. لعلّ هذه الدعوة تجد لها صدى في القلوب، فتُحيي فينا جميعًا معاني رمضان الحقيقية، ليكون شهرًا للإصلاح والسلوك القويم وتجنب التناقضات، لا مجرد شهر للعبادة الظاهرية.  دعواتي أن يكون هذا الشهر الفضيل والكريم محطة مهمة في حياتنا لنحسن من أنفسنا قبل غيرنا. اللّهم بلّغنا رمضان، وأعنّا فيه على الصيام والقيام وفعل الخيرات واجتناب المُحرّمات.

*كاتب وإعلامي بحريني