خربشة ومغزى.. “حرق السفن في فتح آيبريه.. والتمدد في غالة”

| احمد عبدالله الحسين

في خضم أحداث فتح العرب المسلمين لشبة جزيرة آيبريه، نقلت لنا روايات التاريخ عن طارق بن زياد خطبة لعلّها من أشهر خطب الحرب في التراث العربي جاء فيها؛ "أيها الناس أين الَمفَرُّ ؟ البحر من ورائكمُ والعدوُّ من أمامكم وليس لكم والله إلا الصدقُ والصَبْرُ". هذا بعض عبارات من خطبته البليغة، فكانت معركة فتح الأندلس من أهم المعارك الذي عرفها التاريخ، بل تحقق فيه انتصارا حاسما. وهناك رواية تعدد ناقلوها وهي حادثة إحراق السفن التي حملت القائد طارق وجنوده إلى الأندلس، إلا أن إمعان القراءة الموضوعية لها ممكن القول بهذا التحليل؛ لو حرقت هذه السفن يعني أن القائد العام موسى بن نصير كان مستعدا حتى قبل الحملة للتضحية بنحو 12 ألف مقاتل الذين كانوا مع طارق، لأن إحراق السفن كان سيقطع خط الرجعة على جنوده، والتاريخ الأندلسي لا يؤيّد مثل هذا التصّور، إذ المعروف أن الوليد بن عبد الملك الخليفة الحاكم تردد في فتح الأندلس خوفا من وقوع الجند في التهلكة من دون التمكن من نجدتهم في الوقت المناسب.

ويضاف إلى هذا التشخيص أن جوليان الذي يحكم سبتة التابعة إلى بيزنطة وضع تحت تصرف طارق كل السفن التي قدر على جمعها، وربما تطلب نقل الجنود القيام برحلات عدّة. وفعل جوليان هذا كان انتقاما من القوط حكام شبه جزيرة آيبريه.

ونعرف من تاريخ إعداد حملات الأندلس أن أحد قادة الفتح طريف بن مالك النخعي لحق طارق بن زياد على رأس خمسة آلاف مقاتل، والأرجح أن ذلك حدث قبل المواجهة بوقت فمن أين جاء طريف بن مالك بالسفن لنقله إذا كان طارق قد أحرقها فعلا، ومن أين جاء موسى بن نصير بالسفن لنقل 18الف مقاتل بعد عام من انتصار طارق وطريف.

ثم أن كثير من السفن لم تكن ملك طارق، بل ملك جوليان فكيف يحرقها؟ أما كان يستطيع أن يأمر فقط بعودتها من آيبريه لأن النتيجة واحدة، وربما كانت الحقيقة خليطا من كلِّ ما وردنا من مرويات فاستخدم الفاتحون بعض سفن جوليان، وسفنا من تونس والإسكندرية، وربما أحرق طارق عددا صغيرا من السفن لزرع البأس والاستماته في نفوس جنده. هذه محاولة لفهم وتحليل رواية منقولة، وكذلك باطن التاريخ الذي يدفع أحيانا إلى الموضوعية للتعاطي مع المرويات.

أما التوغل في غالة (فرنسا) بعد الفتح الأندلسي بدأت عملياتها بعد ضمان حدود الأندلس الشمالية على سفوح جبال البيرنيه، ولا يستبعد أن بعض سرايا موسى بن نصير أو طارق بن زياد من عبر إلى غالة ابتداء، إلا أن غزو هذه الأرض الكبيرة استهلك الجهود الأساسية حينما سار الوالي السمح بن مالك الخولاني 719-721م ونزل مدينة طلّوزة حيث استشهد السمح في معركة قرب طلّوزة، وجاء بعد السمح عنبسة بن سحيم الكلبي فتوغل كثيراً وأحتل مدينة كركسون (قرقشونة) لكنه أستشهد متأثرا بجراح في معركة مع الفرانك (الفرنسيين).

واستمرت عمليات العبور إلى غالة متقطعة إلى أن تولى عبد الرحمن الغافقي عام 730م، فكانت له حملات ناجحة أحتل خلالها بوردو(برذويل)، ومضى في غزواته حتى أستشهد هو الآخر في معركة وقعت بين مدينتي تور Toursوبواتيه Poitiers عام 732م في معركة بلاط الشهداء، وكان صاحب النصر كارل المشهور بالمطرقة حيث كان الحاكم الفعلي لغالة.  

وفي عام 741م سار الوالي عقبة بن الحجاج السلولي إلى غالة وفتح مناطق فيها لكنه استشهد هناك أيضا وتوافقت السنة الأخيرة هذه مع موت كارل. بعدها دبت الصراعات الداخلية بين الولاة في الأندلس، ولم يعد من الحكمة تبديد القوى التي ملكوها في أرض شاسعة مثل غالة، كانت أكبر حتى من اسبانيا الكبيرة نفسها، بل هي الأكبر في أوربا ولا زالت فانسحبوا من غالة.  

ظهر شارلمان 742-814م في مشهد تاريخ أوربا، وهو الاسم الذي يُطلق عليه بالفرنسية، أو كارل الكبير الاسم الألماني له، وسماه العرب قاله. كيف كان أثر شارلمان في تكريس سطوة الكهنوتية، وبداية العصور الوسطى المظلمة، وما علاقته شارلمان بالعرب المسلمين في مشهد التاريخ آنذاك، تفصيل هذا لاحق.