قمة القاهرة.. إعمار غزة ومسيرة السلام

| راشد خليفة البنزايد

  في لحظة تاريخية فارقة، اجتمع قادة وزعماء العرب في قمة طارئة حملت عنوان “قمة فلسطين” لتؤكد للعالم أجمع أن القضية الفلسطينية لا تزال في صدارة اهتمامات الأمة العربية، وأن العرب لن يتخلوا عن دعمهم لأشقائهم الفلسطينيين في هذه الظروف العصيبة. لقد أظهر القادة العرب من خلال هذا الاجتماع إرادة سياسية قوية لتوحيد الصفوف ومواجهة التحديات التي تهدد مستقبل الشعب الفلسطيني، بدءًا من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ومرورًا بالعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ووصولًا إلى باقي القادة العرب الذين أكدوا رفض التهجير والاستيطان ودعم حل الدولتين.  لقد كانت كلمات جلالة الملك المعظم حمد بن عيسى آل خليفة تعبيرًا صادقًا عن موقف البحرين الثابت في رفض أية محاولات لتهجير الفلسطينيين أو تغيير الوضع القانوني لمدينة القدس. جلالة الملك أشاد بالمبادرة المصرية لإعادة إعمار غزة ودعا إلى دعمها كخطوة أساسية نحو تعزيز الأمن القومي العربي وحماية المكتسبات التنموية، كما أكد جلالته أهمية التمسك بمسار السلام الدائم والشامل الذي يضمن للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة في تقرير المصير استنادًا إلى حل الدولتين والمبادرة العربية للسلام، موقف البحرين لم يكن مجرد تأييد لفظي، بل جاء تعبيرًا عن رؤية استراتيجية تهدف إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة، خصوصًا بعد استضافتها القمة السابقة التي دعت إلى نشر قوات حفظ سلام دولية في الأراضي الفلسطينية. وكان أحد أبرز مخرجات القمة اعتماد “الخطة المصرية” لإعادة إعمار غزة، والتي تمثل رؤية شاملة تهدف إلى معالجة الأوضاع الإنسانية المتردية في القطاع. الخطة التي دعت إلى تشكيل لجنة إدارة غير فصائلية لإدارة غزة لفترة انتقالية تهدف إلى تمكين السلطة الفلسطينية من استعادة السيطرة على القطاع بشكل كامل.

 كما تضمّنت الخطة دعوة المجتمع الدولي والمؤسسات المالية لتقديم الدعم السريع لإعادة الإعمار، بما في ذلك إنشاء صندوق ائتمان دولي، حيث أكد الرئيس السيسي أهمية اعتبار معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل نموذجًا يمكن البناء عليه لتحقيق السلام في المنطقة، مع التأكيد على أن السلام الحقيقي يجب أن يكون قائمًا على الحق والعدل وعدم خلق واقع طارد للسكان.  من أبرز إيجابيات هذه القمة أنها قدمت خطوات عملية نحو تحقيق الأهداف المرجوة، وتم التأكيد على رفض أية محاولات لتهجير الفلسطينيين، وهو موقف يعكس التزامًا أخلاقيًّا وسياسيًّا بحقوق الشعب الفلسطيني. كما تم اعتماد خطة شاملة لإعادة إعمار غزة، بما في ذلك الإغاثة العاجلة والتعافي المبكر وإعادة الإعمار على المدى الطويل. بالإضافة إلى ذلك تمت الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة في القاهرة الشهر المقبل، ما يعكس رغبة عربية في جذب الدعم الدولي لهذه الجهود. قمة فلسطين في القاهرة كانت أكثر من مجرد اجتماع طارئ؛ كانت إعلانًا عن عودة الدور العربي الفاعل في القضية الفلسطينية في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات سياسية وأمنية كبيرة، جاءت هذه القمة لتؤكد أن القضية الفلسطينية تظل في صلب الاهتمامات العربية. الخطة المصرية التي تم اعتمادها، تمثل خطوة مهمة نحو إعادة بناء غزة، لكنها أيضًا تفتح الباب أمام إطلاق مسار سياسي جديد يهدف إلى تحقيق السلام، ومع ذلك فإن نجاح هذه الجهود سيعتمد بشكل كبير على مدى التزام المجتمع الدولي، خصوصًا الولايات المتحدة، بدعم هذه الخطوات، كما أن التحدي الأكبر سيكون في تحقيق التنسيق بين الأطراف الفلسطينية المختلفة لضمان نجاح عملية إعادة الإعمار والإصلاح.  في الختام، يمكن القول إن قمة فلسطين في القاهرة كانت خطوة مهمة نحو تحقيق السلام وإعادة الإعمار. لقد أظهرت القمة أن القادة العرب قادرون على توحيد صفوفهم ومواجهة التحديات بخطوات عملية. كلمة جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة كانت تعبيرًا عن رؤية استراتيجية تهدف إلى تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة. الآن، ومع اعتماد الخطة المصرية، يبقى الأمل في أن تتحول هذه الجهود إلى واقع ملموس يعيد الأمل للشعب الفلسطيني في مستقبل أفضل.

كاتب بحريني