حرب الضرائب.. هل تشعل أميركا فتيل أزمة عالمية مع الصين؟
| راشد خليفة البنزايد
في خضم التوترات المتصاعدة بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، اتخذت الولايات المتحدة خطوة جريئة بإعلانها فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 10 % على مجموعة من المنتجات الصينية. هذا القرار الذي جاء في وقت يشهد فيه الاقتصاد الأميركي تحديات جمة يهدف ظاهريًّا إلى تقليص العجز التجاري وحماية الصناعات المحلية، وخلف هذه الأهداف المعلنة تكمن قصة أخرى، فالعجز التجاري الأميركي الذي بلغ 107.1 مليارات دولار في ديسمبر 2024، وهو الأعلى منذ مارس 2022، يضع الإدارة الأميركية تحت ضغوط هائلة لاتخاذ إجراءات ملموسة، وبينما يتساءل البعض عن جدوى هذه الخطوة في ظل تعقيدات الاقتصاد العالمي، يرى آخرون فيها ضرورة ملحة لتعزيز الاقتصاد المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات الصينية التي أصبحت تشكّل جزءًا لا يتجزأ من حياة الأميركيين اليومية. واشنطن في موقفها ترى أن بكين تمارس أساليب تجارية غير نزيهة، مثل دعم صادراتها بشكل مبالغ فيه والتلاعب بسعر عملتها، وهذا ليس كل شيء. هناك أيضًا اتهامات خطيرة تتعلق بتورط الصين في تهريب مخدر الفنتانيل، والذي يفاقم أزمة المخدرات المدمرة في الولايات المتحدة. لكن بكين، من جانبها، تنفي هذه الاتهامات بشدة وتعتبر الإجراءات الأميركية “حمائية” و”غير مبررة”، مؤكدة أنها قدمت بالفعل مساعدات لواشنطن في مكافحة المخدرات. وترى أن الولايات المتحدة تستخدم هذه القضية كذريعة لتبرير سياساتها التجارية المتشددة. ولم تتأخر الصين في الرد، إذ أعلنت فرض رسوم إضافية تتراوح بين 10 % و15 % على منتجات أميركية بدءًا من 10 مارس 2025، كما فرضت قيودًا على 25 شركة أميركية، مشيرةً إلى مخاوف أمنية وطنية. التصعيد لم يقتصر على الإجراءات الاقتصادية، بل امتد إلى التصريحات السياسية، حيث أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، لين جيان، استعداد بلاده لمواجهة “أي نوع من الحروب” مع الولايات المتحدة، في إشارة إلى أن التوترات قد تتجاوز البعد الاقتصادي وتصل إلى أبعاد أكثر خطورة. من المتوقع أن تؤدي هذه الرسوم الجمركية إلى ارتفاع أسعار السلع في الولايات المتحدة، ما سيؤثر بشكل مباشر على المستهلكين والشركات التي تعتمد على المكونات الصينية في إنتاجها. أما في الصين فقد يؤدي انخفاض الصادرات إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، وهو ما قد ينعكس على الأسواق المالية العالمية التي تعاني بالفعل من حالة عدم اليقين نتيجة هذه التوترات. وفي ظل هذا التصعيد، يتزايد القلق بشأن مستقبل العلاقات التجارية العالمية، خصوصًا مع احتمال اتجاه الدول الكبرى إلى تعزيز سياسات الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الاقتصاد الصيني، ما قد يؤدي إلى إعادة تشكيل سلاسل التوريد العالمية. ولا تقتصر هذه الأزمة على الجانب الاقتصادي فقط، بل تمتد إلى البعد السياسي، حيث تتزامن مع تصاعد التوترات بين البلدين في قضايا أخرى، مثل تايوان وبحر الصين الجنوبي. كما أن تعزيز الصين علاقاتها مع روسيا ودول أخرى قد يساهم في خلق تكتلات اقتصادية وسياسية جديدة، وهو ما يشكل تحديًا للنظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة. في ظل هذه التطورات، يرى البعض أن الحل الأمثل يكمن في العودة إلى طاولة المفاوضات والتوصّل إلى اتفاقيات تجارية جديدة، في حين يدعو آخرون إلى تقليل الاعتماد على الصين وتنويع مصادر الاستيراد، وهي حلول تتطلب إرادة سياسية قوية لتنفيذها. في نهاية المطاف، ما نشهده اليوم ليس مجرد مناوشات تجارية بين قوتين عظميين، بل هو أشبه باختبار لقدرة النظام العالمي على استيعاب التحولات الكبرى ويبقى السؤال معلقًا: هل سينجح الطرفان في إيجاد مساحة مشتركة للحوار والتفاهم أم أننا سنشهد تصاعدًا في التوترات ينذر بعواقب وخيمة على الجميع؟ المؤكد أن هذه الحرب، بأي شكل من أشكالها لن تترك فائزًا، وأن ارتداداتها ستطول كل زاوية من زوايا الاقتصاد العالمي، وكل فرد من أفراده.
كاتب بحريني