تأكَّل الدولة الأموية في آيبريه وولادة الدول الأوروبية بعد موت شارلمان
| احمد عبدالله الحسين
تأكَّل الدولة الأموية في آيبريه وولادة الدول الأوربية بعد موت شارلمان، هو تسلسل متصل لمقالات سابقة نُشرت، وموت الإمبراطور شارلمان أدى إلى تفتت مُلكه، وتزامن هذا مع تأكَّل دولة العرب المسلمين في آيبريه الذي نخر فيها بعد صدارة وتفوق لما يُعرف دولة الأندلس. وهذا سياق عبر التاريخ الذي فيه أن دوام الحال من المحال؛ كم لنا من عجيبة طي هذي البسيطة أمم قد تغيَّرت وبلاد تولَّت وبحار تحوَّلت من مكان لبقعة تم نابت جزيرة عندها عن جزيرة أيها الأرض خبِّري عن شباب البسيطة دُوَل قد تصرَّمت دولة إثْرَ دولة وقرون تلاحقت وعصور تقضَّت ذهب الدهر كلُّه بين يوم وليلة
بعد موت شارلمان خلفه أبنه لوي الذي حكم 26 سنة، وأنشغل فيها لمتاعبه الداخلية للإمبراطورية، وما لبث أن دبّ الخلاف بين أبناء لوي على السلطة، وتفتت ما بناه شارلمان إلى الأبد، وقامت على تلك الأشلاء فرنسا وألمانيا وإيطاليا بموجب معاهدة "فردان"عام 843م. قسمت المملكة بين أحفاد شارلمان الثلاثة فحصل لوي الثاني على المناطق شرق نهر الراين وصارت فيما بعد ألمانيا، وحصل شارل الثاني على المنطقة غربي نهر الراين وصارت فيما بعد فرنسا، وكان القسم الثالث من نصيب لويتر وضم شريطا أمتد من بحر الشمال إلى وسط إيطاليا وآل اليه لقب الإمبراطور الروماني المقدس.
ولدت الدول الأوربية الرئيسية في الشكل الذي نعرفه اليوم بعد سلسلة متصلة من المخاضات الدموية التي بدأت بعد موت شارلمان، وكانت فرنسا في القرن العاشر عدوة ألمانيا وعدوة السكسون في إنكلترا، وكان في كل الدول الثلاث أعداء محليون تعاونوا مع أعداء خارجيين، وصار الوجه السياسي لأوروبا يتغير بسرعة بتغير الوضع العسكري. وفيما انشغلت فرنسا بالحروب ضد ألمانيا وإنكلترا تضاءل الاهتمام بالأندلس التي لم تعد تشكل خطرا بعد زوال دولة الأندلس، وقيام دويلات الطوائف في مطلع القرن الحادي عشر ميلادي. كانت الأندلس في تلك الفترة من أغنى الدول الأوربية، وذلك لتطور المكونّات الاقتصادية فيها ووصولها الى مستوى رفيع، وكانت الحرب في تلك الأيام من أهم سبل الترزق الُمبتز ولا تزال إلى اليوم.
وملمح آخر في تلك الفترة، وفي إثر انهزام الإمبراطورية البيزنطية الأرثوذكسية على يد السلاجقة المسلمين عام 1074م، أخذ خوف الأوربيين من انهيار تخوم حدودهم الجنوبية ليتشكل تعبئة تولتها البابوية، وسادت حينها موجة حماس ديني فازداد تدفق المتطوعين الفرنسيين والاوربيين على شمال الأندلس للمشاركة في الحرب ضد الأندلسيين.
فسقطت طليطلة عام 1085م، ثم مدينة سرقسطة الحصينة. ولم يقترب القرن الثالث عشر من نهايته حتى كانوا سيطروا على الوضع في الجنوب، وفرضوا الجزية على غرناطة مع وجود تناحر داخلي بين أمراء الإفرنجه شأنهم في ذلك شأن الأندلسيين. فماذا حدث للأندلس؟ نتابع في مقال لاحق.