الابتكار ليس خيارًا: من يقف يتراجع ويختفي!

| عبدالله سلمان

بصراحة، قد يكون أحد أكبر الأخطاء التي يقع فيها رواد الأعمال والشركات، في رأيي، هو الاعتقاد بأن مجرد الانتقال من مرحلة الفكرة إلى مشروع ناجح والبقاء للآن يكفي لضمان الاستمرارية. للأسف، الواقع يختلف تمامًا. هناك أمثلة في البحرين والخليج وحتى على الصعيد العالمي، حيث تألقت شركات في بداياتها، ثم اختفت لأنها لم تستطع الاستمرار في التطوير أو التأقلم مع تغيرات السوق.

التاريخ يعيد نفسه دعونا نعود قليلًا إلى الوراء، إلى أيام “نوكيا” و”بلاك بيري” و”كوداك”. هذه الشركات لم تكن مجرد لاعبين في السوق، بل كانت قادته. ومع ذلك، سقطت في فخ التقوقع والاكتفاء بالنجاح الموجود أو البقاء في منطقة الراحة، بينما كانت شركات مثل “أبل” و”سامسونج” تطور نفسها باستمرار. السوق لا يمنح ضمانات لأحد، والمنافسة لا تهدأ، وما يبدو اليوم ابتكارًا استثنائيًا قد يصبح غدًا مجرد أمر اعتيادي.

قطاعات أمام مفترق طرق إذا كنت تظن أن هذه الظاهرة محصورة بشركات التكنولوجيا، فعليك إعادة النظر مرة أخرى. القطاع المالي والمصرفي يعيش نفس التحدي. البنوك التقليدية التي لم تستوعب ثورة الفنتك (التكنولوجيا المالية) وجدت نفسها تفقد حصتها لصالح شركات قد تكون ناشئة تقدم خدمات دفع إلكتروني، وحلول مالية مبتكرة، وتجربة استخدام أكثر مرونة. انظر إلى صعود خدمات مثل “أبل باي” وغيرها، وكيف أنها غيرت شكل التعاملات المالية. في المقابل، هناك بنوك لم تدرك الخطر إلا بعد فوات الأوان، ففقدت ميزتها التنافسية أو اضطرت إلى تغيير استراتيجيتها بشكل متأخر. الأمر لا يتعلق فقط بالمصارف، بل بالشركات الكبرى التي اعتمدت لفترة طويلة على نماذج أعمال تقليدية دون تطوير. على سبيل المثال، بعض شركات الاتصالات التي ظنت أن احتكار السوق سيحميها، وجدت نفسها تواجه تهديدًا حقيقيًا من تطبيقات التواصل والاتصال عبر الإنترنت. كذلك، بعض المتاجر الكبرى لم تدرك أهمية التجارة الإلكترونية إلا بعد أن اجتاحتها شركات مثل “أمازون” و”علي بابا”.

لا تثق بنجاحك أبدًا هل تعتقد أن نجاحك الحالي هو ضمان استدامتك في المستقبل؟ إذا كانت إجابتك بنعم، فأنت في منطقة الخطر. الشركات التي حققت نجاحًا حقيقيًا لم تتوقف عند أول إنجاز، بل واصلت تطوير نفسها باستمرار. “أبل” لم تكتفِ بالآيفون، بل استثمرت في الخدمات السحابية والاشتراكات الرقمية والذكاء الاصطناعي.  “أمازون” لم تتوقف عند بيع الكتب، بل أصبحت قوة هائلة في التجارة الإلكترونية، والخدمات اللوجستية، والبنية التحتية السحابية. بكل صراحة أقولها: من لا يطور نفسه يتراجع، ومن يتراجع يختفي. وبتحديد تلك الشركات التي تستريح على أمجادها، فهي تحفر قبرها بنفسها وستجد نفسها في يوم من الأيام تقف على أطلالها، حتى لو لم تدرك ذلك في البداية.

البقاء للأقوى: التحالفات والاستحواذ طوق النجاة الشركات التي تعجز عن الانتقال إلى المرحلة التالية من التطور التكنولوجي، أو تفشل في توليد أفكار ابتكارية، أو لا تستطيع استقطاب عقول قيادية قادرة على التغيير، تجد نفسها في مواجهة خطر التراجع والاختفاء. في عالم سريع التغير، لا يكفي الاعتماد على النجاحات السابقة، بل يجب بناء تحالفات استراتيجية، وتطوير شراكات ذكية، وحتى التفكير في الاستحواذ على شركات تكنولوجية تمتلك القدرات التي تفتقدها. وعلى الشركات تبني استراتيجيات جريئة تضمن البقاء في قلب المنافسة، وليس على هامشها.

لا تدع التكنولوجيا تفاجئك سواء كنت تعمل في مجال التقنية، المال، الخدمات، أو حتى في الطب والصحة، لم تعد التكنولوجيا مجرد ميزة إضافية، بل أصبحت حجر الأساس للنجاح والاستدامة. لم يعد تبني ثقافة الابتكار خيارًا أو مجرد موضوع على طاولة النقاش، بل أصبح ضرورة استراتيجية يجب أن تكون جزءًا أساسيًا من رؤيتك للتعامل مع متغيرات السوق.

إذا كنت تقرأ لي للمرة الأولى، فأدعوك للاطلاع على مقالاتي السابقة مثل “الابتكار شجاعة” و”الاستثمار في الابتكار.. لا يقبل التأجيل!”، حيث ستجد رؤية أعمق حول مفهوم الابتكار وأهميته. ما كان يعد ابتكارًا اليوم قد يصبح مجرد أمر اعتيادي غدًا، والسوق لا يرحم من يظل واقفًا في مكانه. التاريخ مليء بقصص الشركات التي تجاهلت التطوير، اختفت وتلاشت. لذلك، لا تراهن على الحاضر فقط، بل استثمر في المستقبل قبل أن يسبقك الآخرون. في هذا المقال، حاولت أن أوضح وجهة نظري بشكل واضح: الابتكار والتكيف ليسا مجرد خيارات، بل هما ضرورة حتمية لضمان الاستمرارية والنجاح. الشركات التي تستثمر في التطوير وتبني ثقافة الابتكار هي التي تتصدر المشهد. لذلك، أدعو جميع رواد الأعمال والشركات إلى إعادة تقييم نماذج أعمالهم واستكشاف فرص جديدة للتحسين. استثمروا في الطاقات المبدعة واحتضنوا الأفكار الجديدة، لأن المستقبل يكافئ من يجرؤ على التغيير. تذكروا دائمًا أن النجاح ليس محطة وصول، بل رحلة مستمرة.