المنابر الدينية ورسائلها التنويرية

| زهير توفيقي

 تلعب المنابر الدينية دورًا مهمًّا ومحوريًّا في تشكيل وعي المجتمع وتوجيهه نحو القيم والمبادئ السامية، خصوصًا في ظل التحديات الفكرية والاجتماعية المعاصرة. ومع ذلك، فإن تأثير هذه المنابر يعتمد على كيفية استثمارها في تقديم الرسائل التنويرية التي تعزز التسامح، وقيم المواطنة، وتحفّز التفكير النقدي، بدلاً من الاكتفاء بالطرح التقليدي أو التكرار الوعظي. فقد تلقيت عبر وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لأحد شيوخ الدين في البحرين وهو يلقي خطبة خلال شهر رمضان المبارك، وهو للأمانة يستحق كل الشكر والتقدير لمحتوى موضوع الخطبة. فقد تطرق إلى أهمية المحافظة على البيئة والنظافة العامة في السواحل وضرورة الحفاظ على المرافق العامة في الحدائق، وكذلك تجنب تكسير أو تلف هذه المرافق والممتلكات التي أنشأتها الدولة للمواطنين والمقيمين، مؤكدًا أنه لا يجوز ذلك شرعًا. شخصيًّا طالبت مرارًا وتكرارًا في مقالات سابقة بضرورة طرح مثل هذه المواضيع التي تحسن الممارسات الخاطئة التي تحدث في المجتمع المحلي، وتوجيه رسالة واضحة إلى المواطنين والمقيمين عن تلك التصرفات غير الحضارية، فدور رجال الدين مكمل لدور الأسرة والمدرسة من خلال دورها التربوي، حيث إن التقصير واضح في هذا الجانب، فالكل مسؤول ومطالب بالعمل يدًا بيد على الارتقاء وتثقيف المجتمع بالقيم النبيلة والممارسات الصحيحة التي هي مذكورة في ديننا الحنيف، وبالتالي زرعها في نفوس الناس لتحقيق التنمية المستدامة، فرجال الدين لهم ثقل وتأثير قوي على أفراد المجتمع، فصوتهم مسموع ومطاع أكثر من غيرهم. 

لذا من الضروري استغلال هذا المنبر في إعطاء محاضرات وخطب لجميع القيم الإسلامية النبيلة بهدف زرعها في سلوك الناشئة، وحتما ستكون النتائج إيجابية ومثمرة.  ولا شك أن الخطب الدينية يجب أن تؤكد على أهمية قبول الآخر، ونبذ التعصب، وترسيخ ثقافة الحوار بدلاً من الصدام من خلال تفكيك خطاب الكراهية، وبيان تعاليم الدين الحقيقية التي تحث على الرحمة والعدل والتعايش السلمي، بالإضافة إلى تناول القضايا المجتمعية من منظور أخلاقي وإنساني، مثل حقوق الإنسان، مكافحة الفساد، وأهمية العمل والإنتاج، وكذلك من خلال التشجيع على طرح الأسئلة، وربط النصوص الدينية بالسياق التاريخي والمعاصر بدلاً من تفسيرها تفسيرًا جامدًا. وعلى النقيض، يأتي الجمود الفكري لبعض الخطباء واعتمادهم على أساليب تقليدية لا تتماشى مع العصر، وتكون من أكبر التحديات والعوائق لتقدم الأمم. ناهيك عن التوظيف السياسي لبعض المنابر، ما يحرفها عن دورها التنويري ويجعلها أداة استقطاب لبعض الأفكار المتشددة والسلبية التي تمثل معول هدم للقيم الإنسانية وإفساد المكون الاجتماعي للمجتمع. كما أن ضعف التأهيل العلمي لبعض الدعاة سيجعل الخطاب غير متزن وبعيدًا عن الاحتياجات الواقعية للمجتمع. والسؤال الذي يطرح نفسه.. كيف يمكننا تطوير دور المنابر الدينية؟ من وجهة نظري المتواضعة من خلال تأهيل الخطباء وتعزيز معرفتهم بالفكر الحديث، وعلوم الاجتماع والنفس، ليكون خطابهم أكثر تأثيرًا، وكذلك التركيز على القيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية المشتركة بدلاً من الخطاب الجدلي أو الفقهي الضيق، بالإضافة إلى استخدام وسائل التواصل الحديثة لنقل الرسائل التنويرية إلى جمهور أوسع. الخلاصة.. إذا تحولت المنابر إلى منصات تنويرية واعية، فإنها ستساهم حتمًا وبشكل كبير في بناء مجتمعات أكثر وعيًا وانفتاحًا، قادرة على مواجهة التحديات برؤية مستنيرة ومتجددة. أتمنى من كل قلبي المزيد من الخطب التنويرية الإيجابية في جميع دور العبادة وعلى مدار العام، حيث إن هذه المهمة ليست سهلة ولكنها ضرورية جدًّا إذا أردنا خلق مجتمع واع. والله من وراء القصد.

كاتب وإعلامي بحريني