بين المصالح والروحانية والعمل

| راشد خليفة البنزايد

 رمضان رحل، فهل رحل معه الكسل والتقصير؟ سؤال يتردد في أذهاننا ونحن نودع شهرًا كان مزيجًا من المشاعر واللحظات الجميلة، روائح العود والطيب وصلاة التراويح وقيام الليل، جلسات السمر التي طالت حتى الفجر، لكن أيضًا هناك ساعات ضائعة في المكاتب حيث تحوَّلت “جلسات الضحى” إلى طقس مقدس لا يُخترق حتى لو كانت هناك متطلبات لإنجاز عمل عاجل، فقد كان الشهر الكريم مرآة عكست تناقضاتنا بكل وضوح: فبينما انشغل البعض بالعبادات وأعمال الخير، كان آخرون في سبات عميق، وكأن شهر رمضان إجازة سنوية مُعتمدة من السماء! في عدد من المؤسسات كان المشهد أكثر إثارة للتأمل، فمع مبادرة الحكومة الموقرة لتخفيف ساعات العمل، والتي جاءت كبادرة إنسانية نبيلة لتخفيف الأعباء عن الموظفين وتمكينهم من التوفيق بين متطلبات العمل والعبادة، كان من المفترض أن تزداد الكفاءة ردًّا للجميل، إلا أن الواقع كشف بعض التحديات، فبينما استثمر الكثير من الموظفين هذا الوقت لإنجاز مهماتهم بكفاءة، انشغل الفريق الآخر بأمور أخرى تسببت بتراكم الأعمال، وتأخر المعاملات. هذا السلوك، الذي يمثل تحديا يعكس غياب ثقافة الولاء المؤسسي لدى البعض، والذين يجدون صعوبة في التكيف مع التغيرات في بيئة العمل خلال شهر رمضان. وعلى المستوى الدولي، لم يكن رمضان هذا العام أكثر رحمة من سابقه. فبينما كنا نستعد للإفطار في أمان، كانت غزة تفطر على دوي القنابل، والسودان يُقطع إربًا، واليمن يعاني تحت وطأة حرب لا تريد أن تنتهي. حتى الدبلوماسية العالمية تعاملت مع الشهر الكريم بازدواجية صارخة: خطابات تنادي بالسلام، وأخرى توقع على الأسلحة. 

حيث أصبح رمضان في العلاقات الدولية مجرد مناسبة للتصريحات الإعلامية، بينما تُدفن قيمه الحقيقية تحت سجاد المصالح.  والسؤال الذي يفرض نفسه الآن: ماذا بعد رمضان؟ هل سنعود إلى أعمالنا وكأن شيئًا لم يكن؟ أم سنستفيد من دروس هذا الشهر لنعيد ترتيب أولوياتنا؟، الحقيقة أن الخطر ليس في تقليل ساعات العمل، بل في تحويل الشهر الكريم إلى ذريعة للكسل الممنهج. فالإنجاز لا يتعارض مع الروحانيات، بل هو جزء منها. كيف نطلب البركة في الوقت ونحن نفسده بلا حساب؟ كيف نشتكي من تأخر معاملاتنا ثم نغلق المكاتب قبل نهاية مواعيد العمل؟ ربما كان رمضان هذا العام فرصة ضائعة للكثيرين، لكن الأيام القادمة تحمل بين طياتها فرصًا جديدة. فلنبدأ من حيث انتهينا: لنُحسن استغلال الوقت كما علمنا رمضان، ولنعط كل ذي حق حقه. فالعبرة ليست في الصوم عن الطعام، بل في الصوم عن الكسل والتقصير، رمضان قد مضى، فهل نتركه يذهب بكل إيجابياته أم نجعله نقطة انطلاق لعام أكثر إنتاجًا وإخلاصًا.

كاتب بحريني