قهوة الصباح بنكهة الحلول.. تشخيص الداء إلى الدواء

| راشد خليفة البنزايد

 في روتين الصباح الهادئ، وبين رشفات قهوتي الساخنة وتبادل أطراف الحديث مع زميل عزيز، تطرقنا لموضوع يشغل بال الكثيرين: فعالية الأصوات النشطة في فضائنا الإعلامي الرقمي. بدأ الحوار بشكل عابر حول التطور الهائل في أساليب الطرح الصحافي والإعلامي، وكيف أتاح التطور التكنولوجي منصات واسعة لأصحاب الرأي بمختلف مشاربهم. لكن سرعان ما تعمق النقاش ليلامس نقطة محورية أثارت فينا تساؤلات مشتركة. تحدثنا عن تلك الموجة من النشطاء الذين يمتلكون القدرة على تسليط الضوء على المشكلات والقضايا الملحة في مجتمعاتنا، منهم الطامح للتطوير، ومنهم - ربما عن غير قصد - المتصيد في الماء العكر، منهم الملم بالحدث، ومنهم من يكتفي بتوجيه النقد طمعًا في تفاعل واسع وشهرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ولا أخفيكم سرًّا بأنني في فترة ما ربما كنت أحد الأصوات التي تركز على إبراز المشكلة، وشهدت بنفسي التفاعل الكبير الذي تحظى به هذه النوعية من الطرح، ولكن هل كانت تنتهي بحل المشكلة؟ تلك المواضيع التي تشبه القنبلة الصوتية، تجذب حولها المهتمين بين ناقد، ومشجع، ومحرض، ومشاهد، ومع مرور الوقت والتأمل، بدأت أدرك أن هذا الزخم على أهميته في إثارة الوعي، قد لا يكون بالفعالية المرجوة على المدى الطويل. شعرت بأننا غالبًا ما نترك القارئ، بل والكاتب نفسه في حالة من الضبابية، كقارب عائم بلا وجهة واضحة ولا مرسى.

فمجرد طرح المشكلة وتركها معلقة في الهواء، دون اقتراح مسارات عملية لحلها لا يحقق الغاية المنشودة. هنا، وبين رشفة وأخرى من قهوتي، طرحت السؤال الذي يقلقني: هل يبحث القارئ حقًّا عن كاتب يكتفي بتشخيص الداء دون وصف الدواء؟ وهل يستفيد المعنيون في الجهات المقصودة بهذا النقد من عرض المشكلة دون تقديم حلول معقولة وقابلة للتنفيذ على أرض الواقع؟ لقد اتفقنا، أنا وزميلي محمد، على أن أوطاننا بأمسّ الحاجة إلى مساهماتنا في البناء، لا أن نكون مجرد عثرات في مسيرة تقدمها حيث لا ينهض أي وطن إلا بجهود صادقة من أبنائه في البناء والتقدم. لذا، نشأت في ذهني دعوة صامتة، أتشاركها معكم اليوم: وهي أن نتبنى ثقافة جديدة، ثقافة الطرح الهادف البناء، لا الهادم، دعوة لكل الأصوات النشطة والصفحات الإخبارية في عالمنا العربي، لأن يتفكروا مليًّا فيما يتم طرحه وأن يسألوا أنفسهم قبل النشر: هل سيساهم طرح هذا الموضوع في حل المشكلة، أم سيزيد الطين بلة؟ إنها دعوة للتفكير بعمق في أثر كلماتنا، وأن نسعى لأن تكون أصواتنا أدوات بناء لا مجرد أصداء لأوجاعنا.

كاتب بحريني