شركات الاتصالات!

| أسامة مهران

 لا أحد يشك في أن قطاع شركات الاتصالات شهد تطورًا نوعيًّا خلال العشرين سنة الماضية، وأصبح المهيمن على وسائل التواصل وأجهزة الهواتف الذكية، وتوفير شبكة إنترنت قوية تتعامل بها الحكومة والمصارف والمؤسسات والشركات الكبرى إلى جانب الأفراد والعائلات والجامعات وطلابها، وصولًا إلى أبسط البسطاء في مجتمعاتنا الإنسانية. قطاع شركات الاتصالات لم يعد يخفى على أحد أنه أصبح من القطاعات الاقتصادية المهمة التي تحدد مصير الأنشطة باختلاف أنواعها وعلى تباين مستويات أهميتها، بل إنه أصبح المسيطر على معدلات الحركة والنمو لأي نشاط اقتصادي وأية ملامح للحياة المعاصرة. لا أحد مثلًا يستطيع العيش ولو ليلة واحدة من دون أن يكون الهاتف النقال الذكي بين يديه، أو تحت وسادته، أو قريبًا منه، حتى داخل الاجتماعات لا مفر من أن يكون للهاتف الذكي دوره في إدارة ونقل الاجتماعات، في تسجيل محاضرها وتوثيق مناقشاتها، وإثبات وجوديتها. رغم ذلك، ورغم الانتشار الكاسح لتلك الشركات، إلا أنها تتعامل في عقودها مع زبائنها على أساس من عدم الوضوح، على سبيل المثال لا الحصر لا أحد يراجع تكلفة خدماتها من خلال الشبكة العنقودية، أو أسعار أجهزتها النقالة وطريقة السداد، فالعقود المبرمة تضم عشرات الأوراق والعقود والمستندات التي يتم التوقيع عليها “عمياني” من العميل “المحتاج” جدًا للجهاز أو الخدمة، والشركات تضع من الشروط والأحكام ما يضع صاحب التوقيع تحت طائلة القانون من دون أن يدري. مثلًا فكرة تحصيل المقدم النقدي الذي يناهز أربعة شهور من قيمة الجهاز المباع بالتقسيط من الشركة للعميل، ورغم ذلك فإن تاريخ “الفوترة” أو إرسال الفواتير يتم بعد شهر واحد من التعاقد، وكأن المقدم الذي تحمله العميل المسكين لا وجود له. الكارثة لو ضاعت الفاتورة التي ترسلها الشركة للمتعاملين معها وسط الكم الهائل من الرسائل النصية التي تصل لأي مستخدم للخدمة كل يوم، بل كل ثانية، الكارثة أنه مع الشهر التالي تقوم الشركة بتحصيل كامل ثمن الجهاز من العميل، وإلا فلا مجال أمام العميل إلا الوقوع تحت طائلة القانون، بل وتحت أحكامه الصارمة، والتي تدخل ضمن ما هو متعارف عليه “العقد شريعة المتعاقدين”، أي أن القانون لا يحمي المغفلين، وهو ما يجعلنا نعيدها على مسامعكم “أيها السيدات والسادة”، القانون لابد وأن يحمي المغفلين لأن غير المغفلين، أو هؤلاء المدركين، يعرفون جيدًا ما يمكن أن يصيبهم من شركة الاتصالات من حجوزات على الحسابات وبيع للمنقولات، ومنع للسفر في بعض الأحيان. أما الذين لم يكلفوا أنفسهم عناء قراءة بنود العقد الذي هو “شريعة المتعاقدين” بل وترجمته على يد محام محترف، فإن مصيره لن يكون أفضل من الذين واجهوا كوارث قانونية بالجملة، لأنهم وضعوا كامل ثقتهم في شركة الاتصالات، وصدقوا أن مقدم الثمن الكامل للأجهزة لم يكن سوى مبلغ مقطوع من كامل قيمة الجهاز وليس تأجيلًا لأقساط شهرية لاحقة. هيئة تنظيم الاتصالات بكل تأكيد لديها من التوضيح والحصافة ما يجعلها قادرة على القيام بحملات توعية للمتعاملين مع شركات الاتصالات، طالما أن هذه الشركات لم تكلف نفسها عناء التوضيح والإعلان عن كل ما يتعلق بخدماتها التي تقدمها للناس بعيدًا عن طرح جهاز جديد، أو خدمة جديدة. الوعي والتوعية شقا رحا لنظام “فوترة” يحتاج لمراجعة رجال القانون والهيئات الإشرافية، ومراعاة عدم الاستغلال لحاجة العميل عندما يذهب مجبرًا أو دون إرادته لشراء “نقال” جديد، إما هدية أو احتياجًا لخدمة هاتفية، وإما وفاءً بالتزامات ترتبط بعمل أو وظيفة، أو سفرة طارئة في الهواء.

كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية