القيادة على الطريقة اليابانية (3)

| د. المؤمن عبدالله

 على الرغم من عدم قناعتي في الآونة الأخيرة بجدوى أسلوب القيادة المتبع بالشركات اليابانية، إلا أن البروفسور إيكيغامي جوسكي - أستاذ علم الإدارة والاستراتيجيات الدولية - في كتابه المعنون “اليابان الحاسمة: القادة الذين يعيدون إحياء شركاتهم” يصف القادة اليابانيين على النحو التالي.. وجدنا أن القادة اليابانيين ذوي الإرادة القوية الذين التقيناهم يركزون على التخطيط طويل الأجل أكثر من نظرائهم الغربيين، وفي الوقت نفسه يجمعون بين تحديد الأهداف قصيرة الأجل ويركزون في نفس الوقت على عملائهم وكذلك مستثمريهم. من ناحية أخرى، يهيمن المستثمرون على الشركات الأميركية. فالقادة اليابانيون لا يخشون المخاطرة ويركزون على تدريب الشباب وإعطاء تعليمات مرنة. من خلال مراجعة مواردهم البشرية الخاصة بهم، يمكن وضع الموظفين الأفراد حيث يمكنهم إظهار مواهبهم ويمكن للشركة أن تستفيد أكثر. ومن هذا نفهم أن قادة الشركات الغربية والأجنبية الأخرى يميلون إلى التركيز على النتائج الفورية بدلًا من الأهداف البعيدة. وقد يكون هذا الأمر طبيعيًّا، حيث لا يمكن التنبؤ بالمستقبل وتريد الشركة تحقيق أرباح فورية، ومع ذلك، من الواضح أنه طالما أن الأمور منظمة بشكل جيد، فإن أسلوب العمل في الشركات اليابانية الذي يركز على الأهداف المستقبلية ويتصرف بحذر، يمكن أن يكون مربحًا للغاية في المستقبل.

 من ناحية أخرى، فإن إحدى خصائص منظومة العمل اليابانية أنها يمكن أن تعمل بشكل جيد دون قادة أقوياء، وذلك بفضل قيادة القائد الوسيط وحكمته، والذي ينسق المجال، إذ تعتمد آلية العمل بالمنظومة اليابانية على نوع من آليات الاتحاد أو التشابك الفكري بين القائد الأعلى وقائد طبقة المنظومة الوسطى، ويتم من خلال هذا الإجماع والتوافق المتبادل على المبدأ أو الفكرة بين القيادة العليا والقيادة المتوسطة للمنظومة وتحديد الاتجاه العام والأدوار الفردية لأعضاء المنظومة بأكملها. وحتى في أوقات الأزمات، مثل التي نمر بها الآن، حين يكون العالم مشتعلًا، فيمكنك أن تشاهد كثيرًا من المواقف التي تتجلى بها هذه الآلية والقوانين الخاصة بها. وهنا يأتي السؤال.. ما متطلبات القادة ليتمكنوا من إظهار القيادة ودورهم الفعال في إدارة الأمور؟ تعتمد الاختلافات في كيفية النظر إلى القادة من خلال تاريخ البلد وثقافته. فالأديب شيبا ريو تارو لم يحب أن يسأل قائدًا واحدًا عن كل شيء. فعند مواجهة الأزمات تجد أنماطًا مختلفة من القادة وأساليب إظهار القيادة، فمنهم من هو قادرٌ على التخاطب وطرح الأمور بشكل مباشر على الناس دون التحول عن مبادئه، ومنهم المعلم القادر على تحفيز الآخرين، ومنهم بيروقراطي الشخصية القادر على إيصال الرؤية للآخرين، وفي كل الأحوال لا يمكن الاستغناء عن شيء مهم لتتحقق القدرة على القيادة الرشيدة، ألا وهو وحدة الأفكار بين القائد وأعضاء المنظومة. ولكن الأهم من ذلك كله، هو أن يكون القائد قادرًا على الشعور بالآخرين والتعاطف معهم ليكونوا قريبين من الطاعة له، وأن تكون القيادة نتاج اتحاد فكر القائد مع أفراد منظومته، فتصبح القيادة قيادة فكرية وليست قيادة شخصية.