زيارة موسكو التاريخية.. والعلاقات المتنامية لمستقبل واعد
| د. احمد بن سالم باتميرا
تسير العلاقات العمانية الروسية للأمام، وتعززت في السنوات الخمس الأخيرة من خلال الزيارات المتبادلة التي أخذت منحى متزايدا بين كبار المسؤولين، واليوم يتمتع البلدان بعلاقات طيبة ومتنامية، حيث تحرص كل من سلطنة عمان وروسيا الاتحادية على الارتقاء بالعلاقات الثنائية لخدمة المصالح المشتركة للبلدين والشعبين الصديقين من خلال تعزيز التبادل التِجاري والاستثماري، بما يتماشى مع رؤية السلطنة 2040 وأهداف التنمية المستدامة التي يتولاها جلالة السلطان المعظم، حفظه الله ورعاه. وها هي روسيا الاتحادية تفتح ذراعيها وأجواءها لاستقبال سلطان عمان رجل السلام والانفتاح والرؤية الاقتصادية. فالعلاقات التاريخية بين مسقط وموسكو ممتدة لعقود من الزمن من خلال الامبراطورية العمانية والامبراطورية الروسية، حيث ذكر في كتاب بعنوان “سفن روسية في الخليج العربي” والذي تضمن وثائق مهمة لهذه العلاقات وبإيجاز شديد خلال العقود الثلاثة الأخيرة من خلال التواصل التجاري، حيث قامت بعض السفن الروسية بزيارة عدد من موانئ سلطنة عمان ومنها الرحلة الأولى للسفينة الروسية “كورنيلف” في مايو 1901 التي شملت زيارة ميناء السلطان قابوس حاليا. كما تشير بعض الوثائق إلى رحلة “السفينة فارياج” الروسية التي كانت قد زارت مسقط وكانت أولى محطاتها في المنطقة والتقى قائدها بالسلطان فيصل بن تركي آنذاك رحمه الله، وهي تعطي دلالة على الأهمية التي أولتها روسيا لسلطنة عمان وللمنطقة آنذاك. وفي عام 2023 صدرت الترجمة العربية لكتاب “الامبراطورية الروسية والجزيرة العربية والخليج” والذي احتوى على 15 فصلًا، حيث خصص الفصل الحادي عشر لـ “عُمان وعلاقات الامبراطورية الروسية”.
واليوم نتابع نمو هذه العلاقات بين عُمان وروسيا بعد الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وجلالة السلطان المعظم في مارس عام 2023، والذي وصف آنذاك بأنه “تاريخي”، لأنه أول اتصال من نوعه منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ثم لقاء الرئيس بوتين مع صاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد في ديسمبر من نفس العام، وكان بداية الانفتاح لنوافذ سياسية واقتصادية ولعلاقات محورية تمخضت اليوم عن هذه الزيارة التاريخية، خصوصا بعد أن أثبتت سلطنة عمان تميزها ومكانتها في إحلال السلام على الصعيدين الإقليمي والدولي من خلال استضافاتها العديد من المفاوضات المعلنة وغير المعلنة بين الدول المتنازعة ولمكانتها العالمية وموقعها الاستراتيجي. وها هو الميدان الأحمر وقصر الكرملين يستقبلان سلطان البلاد المفدى بحفاوة لا توصف “زيارة دولة” حيث أولت وسائل الإعلام الروسية تغطية خاصة لهذه الزيارة ولقاء الكبار بين السلطان هيثم وفخامة الرئيس بوتين. واليوم أصبحت روسيا تدرك يقينا أن سلطنة عُمان تحتل مكانة كبيرة في الاستراتيجيَّات العالَميَّة، كبلد محوري واستراتيجي؛ لذا فهذا التقارب سيكُونُ محلَّ أنظار العالم خلال الفترة القادمة، خصوصا أن موسكو ترغب بأن تكون مسقط محطة مهمة للتجارة الروسية. وزيارة جلالة السلطان المعظم لموسكو بداية حقيقية لهذا التعاون بما يلبّي طموحات الجانبين، عبر توسيع حزمة الاتفاقيات الثنائية، وإيمانا من قيادتي البلدين بأهمية تفعيل وتطوير العلاقات بينهما لآفاق أرحب في مختلف المجالات الثنائية والمضي قدما للأمام وتجاوز الماضي، فالزيارة ستفتح شراكة حقيقية بين مسقط وموسكو من خلال رؤية جلالة السلطان الثاقبة واستكشاف مجالات التعاون بين البلدين خلال المرحلة القادمة. فجلالة السلطان المعظم يسعى باستمرار إلى تحسين مناخ الاستثمار من خلال تقديم حوافز متعددة للمستثمرين خلال لقائه معهم في زياراته المتعددة والناجحة، بالإضافة إلى ضمانات متعددة، ما يجعل سلطنة عمان واحة ووجهة مثالية للاستثمارات العالمية الآمنة والمستدامة. زيارة تعد بداية لتدشين مرحلة تاريخية من التعاون الاستراتيجي والسياسي والتجاري بين مسقط وموسكو في شتى المجالات، وستعكس نتائجها خلال الفترة القادمة من خلال جهود البلدين لتوسيع العلاقات بينهما، وإرساء أسس الاستقرار والأمن في المنطقة والعالم وجهودهما المتميزة لحلحلة الأزمات وتقريب وجهات النظر في العديد من القضايا الدولية. وخلال هذا العام سيحتفل البلدان بالذكرى الأربعين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما، والترحيب الإعلامي الروسي الواسع بزيارة جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم لروسيا الاتحادية بلد التاريخ والحضارة يعكس مدى تقدير القيادة الروسية لجلالته ولسلطنة عمان ومكانتها وحضارتها ودورها البارز في تسوية الأزمات وتهدئة التوترات في المنطقة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والشعوب، وهو ما يعزز صورة سلطنة عمان كشريك سياسي واقتصادي موثوق به اليوم وغدا لروسيا وغيرها من الدول.. والله من وراء القصد. كاتب ومحلل سياسي عماني