+A
A-

تجربة ملحمية مع الشفة الأرنبية

إعداد: حسن فضل

ولدت‭ ‬زينب‭ ‬بشفة‭ ‬أرنبية،‭ ‬بدأت‭ ‬حياتها‭ ‬كأي‭ ‬طفلة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعكر‭ ‬هذا‭ ‬صفو‭ ‬طفولتها‭. ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تشعر‭ ‬بأي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬النقص‭ ‬أو‭ ‬الاختلاف‭ ‬مع‭ ‬إخوتها‭. ‬التحقت‭ ‬بالمدرسة‭ ‬واستمر‭ ‬هذا‭ ‬الهدوء‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تضايقها‭ ‬نظراتهم‭ ‬التائهة،‭ ‬فنظراتهم‭ ‬كانت‭ ‬أقصى‭ ‬ما‭ ‬يعبرون‭ ‬عنه،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬تدقق‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬أبدًا‭. ‬كلمة‭ ‬جارحة‭ ‬ضايقتها‭ ‬من‭ ‬طالبة‭ ‬وتسببت‭ ‬لها‭ ‬بصدمة‭ ‬حتى‭ ‬بعثرت‭ ‬ذلك‭ ‬الهدوء‭ ‬والسكينة‭ ‬وأحدثت‭ ‬الضجيج‭ ‬بداخلها،‭ ‬وبدأت‭ ‬تدرك‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬بدأوا‭ ‬ينظرون‭ ‬لها‭ ‬نظرة‭ ‬مختلفة‭ ‬تعاملها‭ ‬بطريقة‭ ‬مختلفة‭.‬

قررت‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬محرك‭ ‬البحث‭ ‬‮«‬غوغل‮»‬‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة‭ ‬حتى‭ ‬ظهرت‭ ‬لها‭ ‬الصور‭ ‬وكانت‭ ‬صادمة‭ ‬جدًا‭ ‬لحالات‭ ‬قبل‭ ‬العمليات‭ ‬الجراحية،‭ ‬وقالت‭ ‬في‭ ‬نفسها‭: ‬هل‭ ‬أنا‭ ‬فعلًا‭ ‬هكذا؟‭ ‬حتى‭ ‬دخلت‭ ‬في‭ ‬نوبة‭ ‬بكاء‭ ‬لمدة‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭. ‬رفضت‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬المدرسة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تفصح‭ ‬لأحد‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬ذلك،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تتضايق‭ ‬من‭ ‬الكلمة‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬أنها‭ ‬عرفت‭ ‬الحقيقة‭ ‬المفاجئة‭ ‬بنفسها‭ ‬بعد‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬‮«‬غوغل‮»‬‭.‬

‭ ‬بعد‭ ‬الصرخة‭ ‬الأولى‭ ‬وصدمة‭ ‬العبارة‭ ‬الجارحة‭ ‬بدأت‭ ‬رحلة‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬العلاج‭ ‬والأطباء،‭ ‬وكانت‭ ‬تتردد‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬الطبيب‭ ‬المناسب،‭ ‬فلم‭ ‬تكن‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬علاج‭ ‬مؤقت،‭ ‬وكذلك‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬إجراء‭ ‬يغير‭ ‬شكلها‭ ‬للأسوأ‭. ‬أجرت‭ ‬عملية‭ ‬سقف‭ ‬الحلق‭ ‬مع‭ ‬الاستشاري‭ ‬د‭. ‬عارف‭ ‬رجب‭ ‬الذي‭ ‬تعتبره‭ ‬مستشارها‭ ‬الأول،‭ ‬فهو‭ ‬طبيبها‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬طفلة‭ ‬يانعة،‭ ‬وأخرى‭ ‬تجميلية‭ ‬للأنف‭ ‬والشفة‭ ‬الأرنبية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استقرت‭ ‬مع‭ ‬د‭. ‬عبد‭ ‬الشهيد‭ ‬فضل،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬بمثابة‭ ‬هبة‭ ‬غيرت‭ ‬حياتها‭ ‬وعبرت‭ ‬بها‭ ‬معبرًا‭ ‬عظيمًا‭ ‬كما‭ ‬قالت،‭ ‬فهو‭ ‬منحها‭ ‬الشكل‭ ‬الطبيعي‭ ‬المناسب‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تطمح‭ ‬إليه‭. ‬

والدتها‭ ‬التي‭ ‬رافقتها‭ ‬في‭ ‬مشوارها‭ ‬منذ‭ ‬البداية،‭ ‬بطلة‭ ‬قصتها‭ ‬الأولى،‭ ‬وثاني‭ ‬الأبطال‭ ‬هم‭ ‬إخوتها‭ ‬والبيت‭ ‬الذي‭ ‬عاشت‭ ‬فيه‭. ‬زينب‭ ‬اليوم‭ ‬تواصل‭ ‬مشوار‭ ‬حياتها،‭ ‬فقد‭ ‬اعتادت‭ ‬وجهها‭ ‬الجديد‭ ‬ولكنها‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تحب‭ ‬شكلها‭ ‬القديم؛‭ ‬لأنه‭ ‬هويتها‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تخجل‭ ‬منها‭. ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬شهادة‭ ‬البكالوريوس‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬والعلاقات‭ ‬العامة‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬البحرين‭ ‬وتطمح‭ ‬لدراسة‭ ‬الماجستير‭. ‬تعشق‭ ‬الصحافة‭. ‬فهي‭ ‬تعتبرها‭ ‬رسالة‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬وظيفة‭. ‬أصدرت‭ ‬كتابها‭ ‬الأول‭ (‬جرعات‭ ‬من‭ ‬نور‭) ‬الذي‭ ‬يوثق‭ ‬تجارب‭ ‬المتعافين‭ ‬من‭ ‬مرض‭ ‬السرطان،‭ ‬وتخطط‭ ‬لكاتبة‭ ‬تجربتها‭ ‬مع‭ ‬الشفة‭ ‬الأرنبية‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬سيصدر‭ ‬قريبًا‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭.‬

 

البدايات‭ ‬والطفولة

في‭ ‬البداية‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬زينب‭ ‬صغيرة،‭ ‬لم‭ ‬توضح‭ ‬لها‭ ‬عائلتها‭ ‬موضوع‭ ‬مرضها‭ ‬بشكل‭ ‬دقيق‭ ‬وتفصيلي،‭ ‬كانت‭ ‬تشاهد‭ ‬وجهها‭ ‬في‭ ‬المرآة؛‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تشعر‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أمرًا‭ ‬غريبًا‭ ‬ومختلفًا؛‭ ‬لأن‭ ‬عائلتها‭ ‬لم‭ ‬تشعرها‭ ‬بهذا،‭ ‬فلم‭ ‬تكن‭ ‬والدتها‭ ‬تعاملها‭ ‬بطريقة‭ ‬مختلفة‭ ‬عن‭ ‬إخوتها،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬تقدم‭ ‬لها‭ ‬الرعاية‭ ‬الخاصة‭ ‬دونهم،‭ ‬فهذا‭ ‬ما‭ ‬جعلها‭ ‬تشعر‭ ‬أنها‭ ‬مثل‭ ‬إخوتها‭ ‬ابنة‭ ‬طبيعية،‭ ‬فنفسيًا‭ ‬لم‭ ‬تشعر‭ ‬بأي‭ ‬اختلاف‭ ‬عنهم،‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬جسمها‭ ‬مختلفا،‭ ‬لم‭ ‬يشعرها‭ ‬ذلك‭ ‬بأنها‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬نقص‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬شابه‭. ‬ففي‭ ‬فترة‭ ‬الطفولة‭ ‬لم‭ ‬تشعر‭ ‬بأي‭ ‬فرق‭ ‬عن‭ ‬الآخرين‭.‬

عند‭ ‬التحاقها‭ ‬بالمدرسة‭ ‬الابتدائية‭ ‬كانت‭ ‬زميلاتها‭ ‬مجرد‭ ‬أطفال‭ ‬لم‭ ‬تسمع‭ ‬منهن‭ ‬كلمة‭ ‬تضايقها‭ ‬أو‭ ‬تجرحها،‭ ‬كانت‭ ‬مجرد‭ ‬نظرات‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬طبيعيًا‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬طفل،‭ ‬حينها‭ ‬كانت‭ ‬معلمتها‭ ‬تراعي‭ ‬نفسيتها‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬فلم‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬مضايقات‭ ‬من‭ ‬الطالبات،‭ ‬وكن‭ ‬يعبرن‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬عبر‭ ‬نظراتهن،‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تتضايق‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬النظرات‭ ‬أبدًا‭ ‬ولم‭ ‬تدقق‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬حتى‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تزعجها،‭ ‬فمرت‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬مستقرة‭. ‬

‭ ‬

كلمة‭ ‬جارحة‭ ‬تبعثر‭ ‬الهدوء‭ ‬والسكينة

حين‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬مرحلتها‭ ‬الإعدادية،‭ ‬سمعت‭ ‬من‭ ‬إحدى‭ ‬الزميلات‭ ‬كلمة‭ ‬جارحة‭ ‬أزعجتها‭ ‬وجرحتها‭ ‬كثيرًا،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬تتحدث‭ ‬بهذا‭ ‬الأمر‭ ‬لأي‭ ‬شخص‭ ‬أبدًا‭ ‬حين‭ ‬رجوعها‭ ‬إلى‭ ‬المنزل‭. ‬بكت‭ ‬حينها‭ ‬كثيرًا؛‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬كان‭ ‬أشبه‭ ‬بالصدمة‭. ‬وتعبر‭ ‬زينب‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬بقولها‭: ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬أشعر‭ ‬أنني‭ ‬في‭ ‬مشكلة‭ ‬ما‭ ‬رغم‭ ‬جهلي‭ ‬عنها،‭ ‬وأنني‭ ‬مختلفة‭ ‬عن‭ ‬الناس،‭ ‬والناس‭ ‬يعاملوني‭ ‬كذلك‭ ‬بطريقة‭ ‬مختلفة،‭ ‬هذه‭ ‬الكلمة‭ ‬أشعرتني‭ ‬بصدمة‭ ‬عنيفة‭ ‬بعثرت‭ ‬كل‭ ‬الهدوء‭ ‬الذي‭ ‬كنت‭ ‬أعيشه،‭ ‬ما‭ ‬جعلني‭ ‬أبدأ‭ ‬بالبحث‭ ‬في‭ ‬محرك‭ ‬البحث‭ ‬‮«‬غوغل‮»‬‭ ‬عن‭ ‬حالتي‭ ‬الصحية‭ ‬وهي‭ ‬الشفة‭ ‬الأرنبية‭. ‬نظرت‭ ‬في‭ ‬الصور‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬محرك‭ ‬البحث‭ ‬لكنها‭ ‬كانت‭ ‬صادمة‭ ‬جدًا،‭ ‬صور‭ ‬لحالات‭ ‬قبل‭ ‬العمليات‭ ‬الجراحية‭ ‬وبعدها،‭ ‬فقلت‭ ‬في‭ ‬نفسي‭: ‬هل‭ ‬أنا‭ ‬فعلا‭ ‬هكذا؟‭ ‬

لم‭ ‬تتقبل‭ ‬زينب‭ ‬الموضوع‭ ‬ودخلت‭ ‬في‭ ‬نوبة‭ ‬بكاء‭ ‬تقريبًا‭ ‬لثلاثة‭ ‬أيام،‭ ‬ورفضت‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬المدرسة‭. ‬قلق‭ ‬أهلها‭ ‬على‭ ‬حالها،‭ ‬تدخلوا‭ ‬في‭ ‬الأمر،‭ ‬وسألتها‭ ‬والدتها‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬عدم‭ ‬رغبتها‭ ‬للذهاب‭ ‬إلى‭ ‬المدرسة‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬تلفظ‭ ‬عليها‭ ‬بكلمة‭ ‬غير‭ ‬لائقة،‭ ‬أو‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬المعلمة‭ ‬قد‭ ‬ضايقتها،‭ ‬لكنها‭ ‬كانت‭ ‬تجيبهم‭ ‬بالنفي‭.‬

لم‭ ‬تقتنع‭ ‬والدتها‭ ‬بما‭ ‬سمعت‭ ‬وذهبت‭ ‬إلى‭ ‬المدرسة،‭ ‬فأخبروها‭ ‬أنهم‭ ‬لم‭ ‬يلاحظوا‭ ‬أمرًا‭ ‬مريبًا‭ ‬حدث،‭ ‬وبعد‭ ‬إلحاح‭ ‬أخبرتهم‭ ‬بالحادثة‭ ‬التي‭ ‬جرت‭. ‬تقول‭ ‬زينب‭ ‬مبررة‭ ‬تصرفها‭: ‬لكنني‭ ‬لم‭ ‬أتضايق‭ ‬من‭ ‬الكلمة‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬أزعجتني‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬عرفت‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬حالتي‭ ‬الصحية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬‮«‬غوغل‮»‬،‭ ‬فقد‭ ‬عرفت‭ ‬عن‭ ‬نفسي‭ ‬من‭ ‬خلاله،‭ ‬وبدأت‭ ‬بالقراءة‭ ‬عني‭ ‬بشكل‭ ‬مفاجئ‭ ‬بين‭ ‬أسطر‭ ‬طبية‭ ‬طويلة‭. ‬

 

استيعاب‭ ‬الصدمة‭ ‬وقرار‭ ‬العلاج

بعد‭ ‬الصدمة‭ ‬استوعبت‭ ‬زينب‭ ‬أنها‭ ‬فعلًا‭ ‬مريضة‭ ‬بالشفة‭ ‬الأرنبية،‭ ‬ولكن‭ ‬الذي‭ ‬خفف‭ ‬عليها‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬مواعيد‭ ‬العلاج‭ ‬والمتابعة‭ ‬كانت‭ ‬مستمرة،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬تحدد‭ ‬لها‭ ‬موعد‭ ‬عملية‭ ‬لتجميل‭ ‬الشفة‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬بمجمع‭ ‬السلمانية‭ ‬الطبي‭. ‬التقت‭ ‬الطبيب‭ ‬وأخبرها‭ ‬أنه‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬يأخذ‭ ‬من‭ ‬الشفة‭ ‬السفلية‭ ‬ويضعها‭ ‬في‭ ‬الشفة‭ ‬العلوية‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬عملية‭ ‬جراحية،‭ ‬أو‭ ‬أنه‭ ‬يحقن‭ ‬الشفة‭ ‬العلوية‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬‮«‬الفيلر‮»‬‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬شفة‭ ‬في‭ ‬المنتصف،‭ ‬وهو‭ ‬إجراء‭ ‬مؤقت،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬تود‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬شكل‭ ‬دائم‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬خطة‭ ‬علاج‭ ‬نهائية،‭ ‬والنتيجة‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تقتنع‭ ‬بذلك‭ ‬ورفضت‭.‬

وتضيف‭ ‬زينب‭: ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬بروفيسور‭ ‬فرنسي‭ ‬مختص‭ ‬بالشفة‭ ‬الأرنبية‭ ‬يزور‭ ‬البحرين‭ ‬كل‭ ‬فترة‭ ‬ليعالج‭ ‬الحالات‭ ‬الموجودة،‭ ‬لا‭ ‬أقول‭ ‬لسوء‭ ‬حظي‭ ‬وإنما‭ ‬أقول‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬اختيار‭ ‬الله‭ ‬لي؛‭ ‬لأنه‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬كانت‭ ‬درجة‭ ‬حرارتي‭ ‬مرتفعة‭ ‬جدًا‭ ‬ولم‭ ‬أتمكن‭ ‬من‭ ‬إجراء‭ ‬العملية‭ ‬بسبب‭ ‬ذلك‭.‬

خيارات‭ ‬العلاج‭ ‬وحيرة‭ ‬القرار

بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬حيرة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬كانت‭ ‬تحتاج‭ ‬لعملية‭ ‬ثانية‭ ‬لفتحة‭ ‬سقف‭ ‬الحلق،‭ ‬والتي‭ ‬يستلزم‭ ‬لإجرائها‭ ‬عظم‭ ‬من‭ ‬الفخذ‭ ‬لزراعته‭ ‬أعلى‭ ‬سقف‭ ‬الحلق،‭ ‬وكانت‭ ‬تتابع‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬مع‭ ‬الاستشاري‭ ‬د‭. ‬عارف‭ ‬رجب،‭ ‬فقد‭ ‬أجرى‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬ثلاث‭ ‬مرات‭.‬

كان‭ ‬سقف‭ ‬الحلق‭ ‬مفتوحا‭ ‬بأكمله،‭ ‬وأجرت‭ ‬العملية‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬وانغلق‭ ‬الجزء‭ ‬الأيمن‭ ‬دون‭ ‬الأيسر،‭ ‬وفي‭ ‬المرة‭ ‬الثانية‭ ‬انغلق‭ ‬الجزء‭ ‬الأيسر‭ ‬بشكل‭ ‬جزئي،‭ ‬وفي‭ ‬المرة‭ ‬الأخيرة‭ ‬انغلق‭ ‬بأكمله‭ ‬وكانت‭ ‬هي‭ ‬المرة‭ ‬التي‭ ‬أجرتها‭ ‬مع‭ ‬عملية‭ ‬تجميل‭ ‬الشفة‭. ‬

في‭ ‬المرة‭ ‬الأخيرة‭ ‬كان‭ ‬د‭. ‬عارف‭ ‬قد‭ ‬أنهى‭ ‬سنوات‭ ‬عمله‭ ‬في‭ ‬مجمع‭ ‬السلمانية،‭ ‬فنقلوا‭ ‬حالتها‭ ‬إلى‭ ‬الطبيبة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعمل‭ ‬تحت‭ ‬إشرافه،‭ ‬ولأن‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬صعبة‭ ‬ودقيقة‭ ‬بالنسبة‭ ‬لها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تخاطر‭ ‬بكل‭ ‬صعوبات‭ ‬العملية‭ ‬ومشقاتها‭ ‬وتسلم‭ ‬نفسها‭ ‬لطبيب‭ ‬مجهول‭. ‬

قالت‭ ‬لها‭ ‬الطبيبة‭ ‬إنها‭ ‬لن‭ ‬تفتح‭ ‬لها‭ ‬الفخذ‭ ‬لأخد‭ ‬العظم،‭ ‬وإنما‭ ‬سوف‭ ‬تستخدم‭ ‬عظما‭ ‬صناعيا،‭ ‬معللة‭ ‬اختيارها‭ ‬لهذا‭ ‬العلاج‭ ‬بأنها‭ ‬تخشى‭ ‬أن‭ ‬تسبب‭ ‬لها‭ ‬جروحا‭ ‬وآثارا‭ ‬في‭ ‬جسدها،‭ ‬فأجابتها‭ ‬زينب‭ ‬‮«‬ليس‭ ‬لدي‭ ‬مشكلة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬خشيتك‭ ‬فيمكنك‭ ‬فتح‭ ‬الجهة‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬الفخذ‮»‬،‭ ‬لكن‭ ‬الطبيبة‭ ‬كانت‭ ‬متمسكة‭ ‬بقرارها‭ ‬وقالت‭ ‬‮«‬سوف‭ ‬نتواصل‭ ‬معك‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تزويدنا‭ ‬بالعظم‭ ‬الصناعي‭ ‬من‭ ‬الخارج‮»‬‭. ‬

كانت‭ ‬زينب‭ ‬غير‭ ‬مقتنعة‭ ‬بالإجراء‭ ‬الذي‭ ‬حدده‭ ‬لها‭ ‬طبيب‭ ‬التجميل‭ ‬للشفة،‭ ‬وكانت‭ ‬في‭ ‬قائمة‭ ‬الانتظار‭ ‬لعملية‭ ‬سقف‭ ‬الحلق،‭ ‬كانت‭ ‬تشعر‭ ‬بالتيه‭ ‬ولا‭ ‬تعلم‭ ‬إلى‭ ‬أين‭ ‬تذهب‭.. ‬

توقف‭ ‬علاجها‭ ‬لفترة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬2011‭ ‬‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬الإقرار‭ ‬بإجراء‭ ‬العملية‭ ‬في‭ ‬2020،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬كانت‭ ‬دائمة‭ ‬التفكير‭ ‬بكيفية‭ ‬إكمال‭ ‬العلاج،‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬إكمال‭ ‬العلاج‭ ‬في‭ ‬مجمع‭ ‬السلمانية‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أنها‭ ‬ستذهب‭ ‬للعلاج‭ ‬في‭ ‬المستشفى‭ ‬الخاص‭.‬

أرشدها‭ ‬من‭ ‬حولها‭ ‬بالذهاب‭ ‬إلى‭ ‬زيارات‭ ‬لمختلف‭ ‬الأطباء‭ ‬وتحديد‭ ‬الأنسب‭ ‬والأكفأ‭ ‬فيما‭ ‬بعد،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬ضمنهم‭ ‬د‭. ‬عبدالشهيد‭ ‬فضل،‭ ‬وعندما‭ ‬نزعت‭ ‬الكمامة‭ ‬وبمجرد‭ ‬أن‭ ‬رآها‭ ‬وتبادل‭ ‬معها‭ ‬الأسئلة‭ ‬بشأنها‭ ‬وكيف‭ ‬كانت‭ ‬تجري‭ ‬الأمور‭ ‬معها‭ ‬قبل‭ ‬زيارتها،‭ ‬أخبرها‭ ‬بخطة‭ ‬العلاج‭ ‬بالكامل‭ ‬وما‭ ‬تحتاجه‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬علاجها‭ ‬الجديدة‭. ‬

كانت‭ ‬زينب‭ ‬كلما‭ ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬طبيب‭ ‬تخرج‭ ‬منه‭ ‬منهارة‭ ‬لعدم‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬استيعاب‭ ‬كلامه،‭ ‬وكونه‭ ‬طبيبا‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يتكلم‭ ‬إلا‭ ‬بلغة‭ ‬الطب‭ ‬الخالية‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬مراعاة‭ ‬للجوانب‭ ‬النفسية‭. ‬

بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الزيارة‭ ‬طلبت‭ ‬منه‭ ‬تقريرا‭ ‬طبيا‭ ‬يشرح‭ ‬لها‭ ‬حالتها‭ ‬بالكامل،‭ ‬واستلمته‭ ‬بعد‭ ‬3‭ ‬أيام‭.‬

عند‭ ‬استلامها‭ ‬التقرير‭ ‬وقراءته‭ ‬لم‭ ‬تستوعب‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬وبكت‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬ولم‭ ‬ترغب‭ ‬بقراءته،‭ ‬ولم‭ ‬تفتحه‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭. ‬

أخبرت‭ ‬د‭. ‬عبدالشهيد‭ ‬بوجود‭ ‬فتحة‭ ‬في‭ ‬سقف‭ ‬الحلق‭ ‬وأنها‭ ‬كانت‭ ‬تتابع‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬مع‭ ‬د‭. ‬عارف‭ ‬رجب،‭ ‬وسألته‭ ‬عن‭ ‬إمكان‭ ‬إجراء‭ ‬العمليتين‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬وأنها‭ ‬تفضل‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬د‭. ‬عارف‭ ‬بهذه‭ ‬العملية؛‭ ‬لأنه‭ ‬على‭ ‬دراية‭ ‬دقيقة‭ ‬بحالتها‭ ‬الصحية‭.‬

ثم‭ ‬زارت‭ ‬د‭. ‬عارف‭ ‬رجب‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬8‭ ‬أو‭ ‬9‭ ‬سنوات‭ ‬منذ‭ ‬آخر‭ ‬زيارة‭ ‬له،‭ ‬فبدت‭ ‬على‭ ‬نظراته‭ ‬المفاجأة،‭ ‬فقد‭ ‬ظن‭ ‬أنها‭ ‬استمرت‭ ‬بالعلاج‭ ‬في‭ ‬مجمع‭ ‬السلمانية،‭ ‬فأخبرته‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬الكفاءة‭ ‬في‭ ‬غيره،‭ ‬كما‭ ‬أخبرته‭ ‬برغبتها‭ ‬في‭ ‬إجراء‭ ‬العمليتين‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته،‭ ‬فطلب‭ ‬منها‭ ‬الأشعة‭ ‬المقطعية‭ ‬ليعرف‭ ‬المستجد‭ ‬في‭ ‬حالتها‭ ‬الصحية‭. ‬

أجرت‭ ‬الأشعة‭ ‬المقطعية،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬تواصلت‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬مع‭ ‬د‭. ‬عبدالشهيد‭ ‬لإخباره‭ ‬بما‭ ‬جرى‭ ‬مع‭ ‬د‭. ‬عارف‭ ‬رجب‭.‬

بعد‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬أصبح‭ ‬لديها‭ ‬إلمام‭ ‬بكل‭ ‬العمليات‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬لإجرائها‭ ‬مع‭ ‬التكلفة‭ ‬الكاملة‭. ‬

 

هاجس‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬العملية

تم‭ ‬تحديد‭ ‬أول‭ ‬موعد‭ ‬للعملية‭ ‬في‭ ‬25‭ ‬شهر‭ ‬مارس،‭ ‬وعند‭ ‬ذهابها‭ ‬لعمل‭ ‬التحاليل‭ ‬اللازمة‭ ‬قبل‭ ‬إجراء‭ ‬العملية‭ ‬علموا‭ ‬أنها‭ ‬مريضة‭ ‬‮«‬سكلر‮»‬‭ ‬ولا‭ ‬يمكنها‭ ‬إجراء‭ ‬العملية‭ ‬إلا‭ ‬بتحاليل‭ ‬خاصة‭ ‬لمريض‭ ‬السكلر‭ ‬وتم‭ ‬تحويلها‭ ‬إلى‭ ‬استشاري‭ ‬دم‭.‬

بعد‭ ‬إجراء‭ ‬التحاليل‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬نتيجتها‭ ‬مبشرة،‭ ‬كان‭ ‬د‭. ‬عبدالشهيد‭ ‬على‭ ‬قلق‭ ‬لم‭ ‬يهدأ،‭ ‬ووجد‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬الأفضل‭ ‬اتباع‭ ‬إجراء‭ ‬نقل‭ ‬الدم،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭. ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬تم‭ ‬تحديد‭ ‬موعد‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬أبريل،‭ ‬وقبل‭ ‬دخولها‭ ‬إلى‭ ‬العملية‭ ‬كانت‭ ‬تقول‭ ‬‮«‬كنت‭ ‬مطمئنة‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬المعطيات‭ ‬كانت‭ ‬مخيفة،‭ ‬فدخول‭ ‬غرفة‭ ‬العمليات‭ ‬لإجراء‭ ‬عمليتين‭ ‬تستغرقان‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬6‭ ‬ساعات‭ ‬متواصلة‭ ‬هو‭ ‬أمر‭ ‬ليس‭ ‬بالهين‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يطمئنني‭ ‬أنني‭ ‬أرى‭ ‬مشاعر‭ ‬الفرح‭ ‬في‭ ‬أعين‭ ‬عائلتي،‭ ‬وأنني‭ ‬بين‭ ‬أيدي‭ ‬أطباء‭ ‬أكفاء‭ ‬بعد‭ ‬التوكل‭ ‬على‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭. ‬

 

انتهاء‭ ‬العملية‭ ‬والتساؤلات‭ ‬الحائرة

بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬العملية،‭ ‬فتحت‭ ‬عينيها‭ ‬من‭ ‬بعد‭ ‬التخدير‭ ‬وبدأت‭ ‬تتحسس‭ ‬وجهها‭ ‬بيديها،‭ ‬كانت‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تتأكد‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬أجريت‭ ‬العملية‭ ‬أم‭ ‬لا،‭ ‬وكانت‭ ‬تتساءل‭ ‬في‭ ‬نفسها‭: ‬‮«‬هل‭ ‬أجرى‭ ‬لي‭ ‬الطبيب‭ ‬عملية‭ ‬الأنف؟‭ ‬كيف‭ ‬ذلك‭ ‬وأنا‭ ‬لا‭ ‬أشعر‭ ‬بأي‭ ‬ألم‭ ‬في‭ ‬رجلي؟‮»‬‭.‬

كانت‭ ‬غير‭ ‬مستوعبة،‭ ‬‮«‬هل‭ ‬أجريت‭ ‬العملية‭ ‬حقًا؟‮»‬،‭ ‬كانت‭ ‬تريد‭ ‬لمس‭ ‬رجلها‭ ‬لتتأكد‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬أي‭ ‬آثار‭ ‬لعملية،‭ ‬حتى‭ ‬طمأنتها‭ ‬الممرضة‭ ‬وأزاحت‭ ‬يدها‭ ‬عن‭ ‬وجهها‭ ‬وأخبرتها‭ ‬أن‭ ‬ساعات‭ ‬العملية‭ ‬قد‭ ‬انتهت‭ ‬وأنها‭ ‬بخير‭ ‬وأن‭ ‬كل‭ ‬الأمور‭ ‬سارت‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يرام‭. ‬

ومن‭ ‬بعد‭ ‬خروجها‭ ‬من‭ ‬غرفة‭ ‬العمليات‭ ‬ودخولها‭ ‬غرفتها‭ ‬الخاصة،‭ ‬كان‭ ‬الأهل‭ ‬خائفين‭ ‬ويعيشون‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬القلق‭ ‬والتوتر،‭ ‬تقول‭ ‬زينب‭: ‬كانت‭ ‬أشاهد‭ ‬خوفهم‭ ‬وقلقهم‭ ‬في‭ ‬أعينهم،‭ ‬وكانوا‭ ‬قد‭ ‬أعطوني‭ ‬المرآة‭ ‬لأرى‭ ‬نفسي‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الرؤية‭ ‬واضحة‭ ‬بسبب‭ ‬وجود‭ ‬الغرز‭ ‬وبعض‭ ‬آثار‭ ‬الدم‭ ‬واللصقات‭. ‬كنت‭ ‬أخاطب‭ ‬نفسي‭: ‬‮«‬هل‭ ‬ستنجح‭ ‬عملية‭ ‬سقف‭ ‬الحلق‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬أم‭ ‬لا؟‭ ‬هل‭ ‬سأتعدى‭ ‬ذلك‭ ‬أم‭ ‬لا؟‭ ‬وهل‭ ‬سأحتاج‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬غرفة‭ ‬العمليات‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬أم‭ ‬لا؟‮»‬‭. ‬أثناء‭ ‬ذلك‭ ‬جاء‭ ‬د‭. ‬عبدالشهيد‭ ‬وأخبرها‭ ‬أن‭ ‬عملية‭ ‬الشفة،‭ ‬ولله‭ ‬الحمد،‭ ‬ناجحة،‭ ‬ولكنها‭ ‬لن‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬الشرب‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الأول،‭ ‬ولن‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬الأكل‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬أيام‭ ‬وبشكل‭ ‬تدريجي‭ ‬بسبب‭ ‬زراعة‭ ‬العظم‭ ‬في‭ ‬أعلى‭ ‬سقف‭ ‬الحلق‭. ‬

وتكمل‭ ‬زينب‭: ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬لم‭ ‬أشعر‭ ‬بأي‭ ‬آلام‭ ‬بسبب‭ ‬التخدير‭ ‬الكامل،‭ ‬ولكن‭ ‬باليوم‭ ‬الثاني‭ ‬بدأت‭ ‬أشعر‭ ‬بألم‭ ‬في‭ ‬المعدة‭ ‬وبارتجاع‭ ‬الدم‭ ‬بسبب‭ ‬وجود‭ ‬الغرز‭ ‬الداخلية،‭ ‬وبسبب‭ ‬الدم‭ ‬الذي‭ ‬ابتلعته‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬مرة،‭ ‬واستمر‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬لبضعة‭ ‬أيام‭. ‬

كنت‭ ‬أشعر‭ ‬بالضيق‭ ‬والتعب،‭ ‬ولا‭ ‬أستطيع‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬بالبكاء،‭ ‬فحينها‭ ‬كنت‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬الكلام‭ ‬بسبب‭ ‬العمليتين‭. ‬كنت‭ ‬دائمًا‭ ‬ما‭ ‬أكتب‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬الورق‭ ‬أو‭ ‬الهاتف‭ ‬ما‭ ‬أود‭ ‬إيصاله‭ ‬لهم‭ ‬وقوله‭ ‬إليهم،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬أتفادى‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬المرآة،‭ ‬فكانت‭ ‬المرة‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬نظرت‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬وجهي‭ ‬هي‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬العملية‭ ‬حين‭ ‬خروجي‭ ‬من‭ ‬العمليات‭ ‬مع‭ ‬إخوتي‭. ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬المستشفى‭ ‬بعد‭ ‬3‭ ‬أيام،‭ ‬وكانت‭ ‬الضمادات‭ ‬تخفي‭ ‬نتيجة‭ ‬العملية‭. ‬

 

لم‭ ‬تستوعب‭ ‬شكلها‭ ‬الجديد

كان‭ ‬موعدها‭ ‬مع‭ ‬د‭. ‬عبدالشهيد‭ ‬فضل‭ ‬بعد‭ ‬4‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬خروجها‭ ‬من‭ ‬المستشفى،‭ ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬ترى‭ ‬فيها‭ ‬وجهها‭ ‬بشكل‭ ‬جيد‭ ‬بعد‭ ‬العملية،‭ ‬إذ‭ ‬تم‭ ‬إزالة‭ ‬اللصقات‭ ‬والضمادات‭ ‬الموضوعة‭ ‬على‭ ‬الشفة‭ ‬لاستبدالها،‭ ‬ولكنها‭ ‬لم‭ ‬تعتد‭ ‬شكلها‭ ‬الجديد،‭ ‬ليس‭ ‬عيبًا‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬أو‭ ‬نقصًا‭ ‬من‭ ‬أداء‭ ‬الطبيب؛‭ ‬ولكن‭ ‬السبب‭ ‬هو‭ ‬فقط‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬كيف‭ ‬تعتاد‭ ‬هذا‭ ‬الوجه‭ ‬الآن‭. ‬

تأخر‭ ‬موضوع‭ ‬تقبلها‭ ‬لشكلها‭ ‬الجديد،‭ ‬كما‭ ‬تعبر،‭ ‬كانت‭ ‬لا‭ ‬تحب‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬أحدا‭ ‬إلا‭ ‬المقربين‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬التشافي‭ ‬من‭ ‬العملية،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬شكل‭ ‬الشفة‭ ‬كان‭ ‬يحتاج‭ ‬وقته‭ ‬ليكون‭ ‬طبيعيًا‭ ‬أكثر،‭ ‬أما‭ ‬موضوع‭ ‬تقبل‭ ‬الشكل‭ ‬الجديد‭ ‬فكان‭ ‬صعبا‭ ‬بالنسبة‭ ‬لها،‭ ‬فهي‭ ‬لم‭ ‬تستوعبه‭ ‬سريعًا،‭ ‬وكان‭ ‬العامل‭ ‬المساعد‭ ‬حينذاك‭ ‬‮«‬الكمامة‮»‬‭.‬

زينب‭ ‬تتقبل‭ ‬التغير‭ ‬مع‭ ‬حنين‭ ‬للوجه‭ ‬القديم

بعد‭ ‬شهرين‭ ‬من‭ ‬العملية‭ ‬تجاوزت‭ ‬زينب‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المشاعر،‭ ‬بدأت‭ ‬تعتاد‭ ‬الشكل‭ ‬الجديد،‭ ‬لكنها‭ ‬تشتاق‭ ‬إلى‭ ‬شفتها‭ ‬المشقوقة‭ ‬وصورها‭ ‬حين‭ ‬ذلك‭. ‬تتحدث‭ ‬زينب‭ ‬بصوت‭ ‬حزين‭ ‬وتقول‭: ‬عند‭ ‬حديثي‭ ‬مع‭ ‬أمهات‭ ‬أطفال‭ ‬الشفة‭ ‬الأرنبية‭ ‬أرى‭ ‬أنهم‭ ‬يشتاقون‭ ‬إلى‭ ‬شكل‭ ‬شفاه‭ ‬أبنائهم‭ ‬المشقوقة‭ ‬رغم‭ ‬أنهن‭ ‬أجروا‭ ‬العمليات‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬مبكر،‭ ‬أي‭ ‬بعد‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬ولادتهم،‭ ‬فكيف‭ ‬بي‭ ‬لا‭ ‬أشتاق‭ ‬إلى‭ ‬شكل‭ ‬شفتي‭ ‬المشقوقة‭ ‬وأنا‭ ‬أجريت‭ ‬العملية‭ ‬في‭ ‬عمر‭ ‬الرابعة‭ ‬والعشرين؟‭ ‬فأنا‭ ‬أحبها‭.. ‬وكثيرًا‭.‬

 

متابعات‭ ‬مع‭ ‬الأطباء‭ ‬ونجاح‭ ‬العمليات

كان‭ ‬لديها‭ ‬متابعات‭ ‬مع‭ ‬د‭. ‬عبدالشهيد‭ ‬لتحديد‭ ‬موعد‭ ‬آخر‭ ‬لإجراء‭ ‬عملية‭ ‬الأنف،‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬تحديد‭ ‬موعدها‭ ‬في‭ ‬24‭ ‬أغسطس،‭ ‬أي‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬4‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬العملية‭ ‬الأولى‭. ‬

وتقول‭ ‬زينب‭: ‬‮«‬أما‭ ‬مع‭ ‬د‭. ‬عارف‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬المعطيات‭ ‬ممتازة‭ ‬بشكل‭ ‬مبدئي‭ ‬بشأن‭ ‬عملية‭ ‬سقف‭ ‬الحلق،‭ ‬لكنه‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يحدد‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬العملية‭ ‬ناجحة‭ ‬أم‭ ‬لا‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬عام‭ ‬كامل،‭ ‬وعرفت‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬موعدي‭ ‬الأخير‭ ‬28‭ ‬مايو‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬2022‭. ‬جاء‭ ‬موعد‭ ‬عملية‭ ‬الأنف‭ ‬وكنت‭ ‬مشاعر‭ ‬الخوف‭ ‬والرهبة‭ ‬تحيطني‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬العملية‭ ‬الأولى،‭ ‬فكل‭ ‬ما‭ ‬أشعر‭ ‬به‭ ‬هو‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أنس‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬ما‭ ‬مررت‭ ‬به‭ ‬بعد‭ ‬العملية‭ ‬السابقة،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬أمضيت‭ ‬4‭ ‬ساعات‭ ‬في‭ ‬العمليات‭ ‬خرجت‭ ‬منها،‭ ‬وتم‭ ‬إخراجي‭ ‬من‭ ‬المستشفى‭ ‬بعد‭ ‬ليلة‭ ‬واحدة‭. ‬

كانت‭ ‬تبعات‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬مختلفة‭ ‬تمامًا،‭ ‬صداع‭ ‬دائم،‭ ‬تلون‭ ‬وانتفاخ‭ ‬في‭ ‬العين‭ ‬تحديدًا‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬الوجه،‭ ‬فقد‭ ‬كنت‭ ‬أحتاج‭ ‬إلى‭ ‬أيام‭ ‬حتى‭ ‬يتشافى‭ ‬وجهي‭ ‬ويعود‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬عليه‮»‬‭.‬

 

أن‭ ‬أجد‭ ‬صوتي‭.. ‬

وتكمل‭ ‬زينب‭: ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أخجل،‭ ‬كانت‭ ‬إحدى‭ ‬تبعات‭ ‬الشفة‭ ‬الأرنبية‭ ‬عدم‭ ‬وضوح‭ ‬الصوت‭ ‬بسبب‭ ‬انفتاح‭ ‬سقف‭ ‬الحلق‭ ‬وتسرب‭ ‬الهواء‭ ‬من‭ ‬خلاله،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬ضعف‭ ‬بعض‭ ‬العضلات‭ ‬بسبب‭ ‬كثرة‭ ‬الجراحة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬تتيح‭ ‬كذلك‭ ‬إمكان‭ ‬تسرب‭ ‬الهواء‭. ‬

بعد‭ ‬أن‭ ‬أجريت‭ ‬عملية‭ ‬سقف‭ ‬الحلق‭ ‬احتجت‭ ‬إلى‭ ‬زيارة‭ ‬استشاري‭ ‬أذن‭ ‬وأنف‭ ‬وحنجرة،‭ ‬وكان‭ ‬أمامي‭ ‬من‭ ‬الخيارات‭ ‬اثنان،‭ ‬عملية‭ ‬جراحية‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬أبدأ‭ ‬في‭ ‬تمارين‭ ‬متعلقة‭ ‬بالصوت‭ ‬لتعمل‭ ‬على‭ ‬تحسينه،‭ ‬وكان‭ ‬الخيار‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬رأي‭ ‬الطبيب‭ ‬هو‭ ‬الأنسب‭. ‬

تم‭ ‬تحويلي‭ ‬إلى‭ ‬اختصاصي‭ ‬نطق‭ ‬بعد‭ ‬زيارة‭ ‬الاستشاري،‭ ‬وبدأت‭ ‬في‭ ‬التمارين،‭ ‬لا‭ ‬أقول‭ ‬إن‭ ‬الأمر‭ ‬كان‭ ‬سهلا،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الصعوبة‭ ‬وبشكل‭ ‬بالغ‭ ‬جدًا،‭ ‬الأمر‭ ‬أشبه‭ ‬بتحد‭ ‬مع‭ ‬شيء‭ ‬لا‭ ‬تراه،‭ ‬بل‭ ‬تعلم‭ ‬عنه‭ ‬فقط‭. ‬

وكما‭ ‬كل‭ ‬مرة،‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬غرفة‭ ‬الاختصاصي‭ ‬بمشاعر‭ ‬حزن‭ ‬وبكاء‭ ‬شديدين،‭ ‬رفضت‭ ‬زيارته،‭ ‬ورفضت‭ ‬كل‭ ‬التمارين‭ ‬التي‭ ‬وصفها‭ ‬وأسهب‭ ‬في‭ ‬شرحها،‭ ‬وفضلت‭ ‬أن‭ ‬أختار‭ ‬العملية‭! ‬

ربما‭ ‬كنت‭ ‬أحتاج‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬ليس‭ ‬إلا‭ ‬لأتقبل‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬الجديد،‭ ‬وبالفعل‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬حصل،‭ ‬فمؤشر‭ ‬إغلاق‭ ‬الفتحة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تقوية‭ ‬العضلة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التمارين‭ ‬هو‭ ‬مؤشر‭ ‬إيجابي‭. ‬

بعد‭ ‬وقت‭ ‬طويل‭ ‬أدركت‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬مقيد‭ ‬بالجدران‭ ‬التي‭ ‬يبنيها‭ ‬لنفسه،‭ ‬فاليوم‭ ‬وبعد‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬6‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬التمارين‭ ‬المكثفة‭ ‬اليومية‭ ‬استطعت‭ ‬أن‭ ‬أغلق‭ ‬هذا‭ ‬الثقب‭ ‬أيضًا‭! ‬

في‭ ‬فترة‭ ‬التشافي‭ ‬من‭ ‬عملية‭ ‬الأنف،‭ ‬كنت‭ ‬أواظب‭ ‬على‭ ‬التمارين‭ ‬الصوتية‭ ‬بشكل‭ ‬يومي،‭ ‬وفي‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬انتهيت‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬التمارين‭ ‬كنت‭ ‬انتهيت‭ ‬من‭ ‬فترة‭ ‬التشافي‭ ‬ووصلت‭ ‬إلى‭ ‬النتيجة‭ ‬النهائية‭ ‬لأنفي،‭ ‬وأقول‭ ‬اليوم‭ ‬بكل‭ ‬نشوة‭ ‬وغبطة‭: ‬كنت‭ ‬سعيدة‭ ‬فيه‭ ‬وبه‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬رأيته‭ ‬متورمًا‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬بعد‭ ‬العملية،‭ ‬كنت‭ ‬أراه‭ ‬جميلًا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬واليوم‭ ‬أراه‭ ‬أجمل‭. ‬

وتضيف‭: ‬عندما‭ ‬عرفت‭ ‬عن‭ ‬نجاح‭ ‬عملية‭ ‬سقف‭ ‬الحلق‭ ‬منذ‭ ‬شهرين‭ ‬أصبحت‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أتابع‭ ‬مع‭ ‬تقويم‭ ‬الأسنان،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أتابعه‭ ‬حاليًا‭. ‬

 

أبطال‭ ‬قصة‭ ‬زينب

تعتبر‭ ‬زينب‭ ‬الأشخاص‭ ‬القريبين‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬هم‭ ‬أبطال‭ ‬قصتها‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬والدتها،‭ ‬التي‭ ‬رافقتها‭ ‬في‭ ‬مشوارها‭ ‬منذ‭ ‬البداية،‭ ‬منذ‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬فتصف‭ ‬دور‭ ‬أمها‭ ‬بالقول‭: ‬لو‭ ‬لم‭ ‬تعاملني‭ ‬بهذه‭ ‬الطريقة‭ ‬لكنت‭ ‬مختلفة‭ ‬تمامًا،‭ ‬هي‭ ‬صاحبة‭ ‬الفضل‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬وفي‭ ‬تجاوز‭ ‬كل‭ ‬العمليات‭ ‬التي‭ ‬دخلتها‭ ‬منذ‭ ‬صغري،‭ ‬أمي‭ ‬حقًا‭ ‬هي‭ ‬البطلة‭ ‬الأولى،‭ ‬أما‭ ‬ثاني‭ ‬الأبطال‭ ‬هم‭ ‬إخوتي‭ ‬والبيت‭ ‬الذي‭ ‬عشت‭ ‬فيه‭.‬

 

دكتور‭ ‬عبدالشهيد‭ ‬عبر‭ ‬بي‭ ‬معبرا‭ ‬عظيما‭ ‬وكلمات‭ ‬الشكر‭ ‬لا‭ ‬تجزيه

وعن‭ ‬الطبيب‭ ‬الذي‭ ‬غير‭ ‬حياتها‭ ‬تقول‭ ‬بعبارات‭ ‬كلها‭ ‬عرفان‭ ‬وتقدير‭: ‬دكتور‭ ‬عبدالشهيد‭ ‬فضل‭ ‬عبر‭ ‬بي‭ ‬معبرا‭ ‬عظيما‭ ‬وأخذ‭ ‬بيدي،‭ ‬فوجهي‭ ‬اليوم‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬الفضل‭ ‬فيه،‭ ‬منحني‭ ‬الشكل‭ ‬الذي‭ ‬أتمناه،‭ ‬الشكل‭ ‬الطبيعي‭ ‬والمناسب‭ ‬لملامح‭ ‬وجهي،‭ ‬فمن‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬صاحبة‭ ‬شق‭ ‬شفة‭ ‬مسبقًا‭ ‬لا‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭. ‬وتضيف‭: ‬كان‭ ‬متفانيًا‭ ‬في‭ ‬متابعته‭ ‬لحالتي،‭ ‬والتكلفة‭ ‬المادية‭ ‬كانت‭ ‬أقل‭ ‬مما‭ ‬يستحقه،‭ ‬راعاني‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬النفسية‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬أوده‭. ‬

 

دكتور‭ ‬عارف‭ ‬رجب‭ ‬مستشاري‭ ‬الأول

تستطرد‭ ‬زينب‭ ‬وجيش‭ ‬من‭ ‬المشاعر‭ ‬يطوق‭ ‬عيناها‭ ‬فتقول‭: ‬لا‭ ‬أملك‭ ‬عبارات‭ ‬تفي‭ ‬شكري‭ ‬للدكتور‭ ‬عارف‭ ‬رجب،‭ ‬فعبارة‭ (‬شكرًا‭ ‬كثيرًا‭) ‬قليلة‭ ‬في‭ ‬حقه،‭ ‬فأن‭ ‬تسلم‭ ‬نفسك‭ ‬لطبيب‭ ‬داخل‭ ‬غرفة‭ ‬العمليات‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬6‭ ‬ساعات‭ ‬لإجراء‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬الدقيقة‭ ‬يحتاج‭ ‬من‭ ‬الشجاعة‭ ‬كثيرًا،‭ ‬فمن‭ ‬المؤكد‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬واثقة‭ ‬به‭ ‬تمام‭ ‬الثقة‭ ‬وهو‭ ‬أهل‭ ‬لها‭ ‬بالتأكيد،‭ ‬فهو‭ ‬إنسان‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬طبيبا‭. ‬

وتكمل‭: ‬هو‭ ‬طبيبي‭ ‬منذ‭ ‬يومي‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬كبرت‭ ‬وأنا‭ ‬أعود‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬متعلقًا‭ ‬بتخصصه‭ ‬أو‭ ‬لا،‭ ‬كان‭ ‬يعلمني‭ ‬ويرشدني،‭ ‬فعلًا‭ ‬هو‭ ‬مستشاري‭ ‬الأول‭. ‬

 

لم‭ ‬تعد‭ ‬تهرب‭ ‬من‭ ‬عدسات‭ ‬الكاميرات

تعبر‭ ‬زينب‭: ‬كنت‭ ‬لا‭ ‬أحب‭ ‬التصوير‭ ‬وأتحاشاه‭ ‬ليس‭ ‬نقصًا‭ ‬في‭ ‬تقبلي‭ ‬لشقي‭ ‬لشفتي،‭ ‬لكنني‭ ‬الآن‭ ‬أحب‭ ‬أن‭ ‬أرى‭ ‬وجهي‭ ‬وتحديدًا‭ ‬أثر‭ ‬شفتي‭ ‬المشقوقة‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬أرغب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يختفي،‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أحتفظ‭ ‬به‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬استطعت،‭ ‬فهو‭ ‬الشيء‭ ‬الوحيد‭ ‬الباقي‭ ‬الذي‭ ‬يذكرني‭ ‬بشق‭ ‬الشفة‭. ‬

 

الشفة‭ ‬الأرنبية‭ ‬عامل‭ ‬محفز

تتحدث‭ ‬زينب‭ ‬بكل‭ ‬عنفوان‭ ‬وكبرياء‭ ‬حديث‭ ‬المنتصر‭ ‬على‭ ‬ظروف‭ ‬قاهرة‭ ‬وبلغة‭ ‬يملأها‭ ‬التحدي‭ ‬والرضا‭ ‬بقضاء‭ ‬الله‭ ‬وقدره‭ ‬وتقول‭: ‬لم‭ ‬أصل‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬أنا‭ ‬عليه‭ ‬الآن‭ ‬إلا‭ ‬لأنني‭ ‬صاحبة‭ ‬شفة‭ ‬أرنبية،‭ ‬الشفة‭ ‬الأرنبية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬عاملا‭ ‬محبطا‭ ‬بل‭ ‬عاملا‭ ‬محفزا،‭ ‬فهذا‭ ‬ليس‭ ‬نقصا،‭ ‬إنما‭ ‬أراه‭ ‬اختلافا‭. ‬

لا‭ ‬تعاملوا‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأشياء‭ ‬كنقص،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬هي‭ ‬اختلاف،‭ ‬وتقبلوا‭ ‬هذا‭ ‬الاختلاف،‭ ‬وعاملوا‭ ‬أنفسكم‭ ‬كأشخاص‭ ‬طبيعيين،‭ ‬فكما‭ ‬تعاملون‭ ‬أنفسكم‭ ‬سيعاملكم‭ ‬الناس‭.‬

وعن‭ ‬مستقبلها‭ ‬تقول‭: ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أفكر‭ ‬بالمستقبل‭ ‬أبدًا،‭ ‬فلو‭ ‬سألتني‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬وصلت‭ ‬لها‭ ‬هل‭ ‬كنت‭ ‬أخطط‭ ‬لها،‭ ‬سأجيبك‭: ‬لا،‭ ‬بل‭ ‬ولم‭ ‬أكن‭ ‬أتوقعها‭. ‬

هذه‭ ‬تفسيرات‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬سبحانه،‭ ‬فقد‭ ‬كنت‭ ‬دائمًا‭ ‬على‭ ‬ثقة‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬سيمنحني‭ ‬ما‭ ‬يرضيني‭ ‬وينسيني‭ ‬ما‭ ‬مررت‭ ‬به،‭ ‬وبقدر‭ ‬ما‭ ‬أرضاني‭ ‬الله‭ ‬اليوم‭ ‬بعطاياه‭ ‬لا‭ ‬أذكر‭ ‬أي‭ ‬ألم‭ ‬مررت‭ ‬فيه‭ ‬سابقًا،‭ ‬فالله‭ ‬عوضني‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تألمت‭ ‬وصبرت‭.‬

 

طموح‭ ‬الماجستير‭ ‬ومشروع‭ ‬الكتاب‭ ‬المؤجل

وعن‭ ‬طموحاتها‭ ‬تقول‭: ‬طموحي‭ ‬أن‭ ‬أنال‭ ‬الماجستير،‭ ‬ليست‭ ‬لدي‭ ‬خطة‭ ‬واضحة‭ ‬ولكن‭ ‬اشتقت‭ ‬لمقاعد‭ ‬الدراسة‭.. ‬وزينب‭ ‬تعشق‭ ‬الصحافة‭ ‬ولكنها‭ ‬تقول‭: ‬أنا‭ ‬لست‭ ‬صحافية‭ ‬ولكنني‭ ‬أتعامل‭ ‬معها‭ ‬كرسالة‭ ‬وليست‭ ‬وظيفة‭ ‬فحسب‭.‬

وأخطط‭ ‬أن‭ ‬أنشر‭ ‬كتابا‭ ‬آخر‭ ‬يروي‭ ‬تجربتي‭ ‬الخاصة‭ ‬بي‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬مثلي‭ ‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تتضح‭ ‬الرؤية‭ ‬بشأن‭ ‬وضعي‭ ‬الصحي‭ ‬وتكتمل‭ ‬فصول‭ ‬العلاج‭. ‬