زينب الخباز الأشياء التي تجعلنا مختلفين هي نفسها التي تجعلنا جميلين
تجربة ملحمية مع الشفة الأرنبية
إعداد: حسن فضل
ولدت زينب بشفة أرنبية، بدأت حياتها كأي طفلة من دون أن يعكر هذا صفو طفولتها. لم تكن تشعر بأي نوع من النقص أو الاختلاف مع إخوتها. التحقت بالمدرسة واستمر هذا الهدوء دون أن تضايقها نظراتهم التائهة، فنظراتهم كانت أقصى ما يعبرون عنه، ولم تكن تدقق في هذا الموضوع أبدًا. كلمة جارحة ضايقتها من طالبة وتسببت لها بصدمة حتى بعثرت ذلك الهدوء والسكينة وأحدثت الضجيج بداخلها، وبدأت تدرك أن الناس بدأوا ينظرون لها نظرة مختلفة تعاملها بطريقة مختلفة.
قررت البحث في محرك البحث «غوغل» عن الحقيقة حتى ظهرت لها الصور وكانت صادمة جدًا لحالات قبل العمليات الجراحية، وقالت في نفسها: هل أنا فعلًا هكذا؟ حتى دخلت في نوبة بكاء لمدة ثلاثة أيام. رفضت الذهاب إلى المدرسة من دون أن تفصح لأحد عن سبب ذلك، على الرغم من أنها لم تتضايق من الكلمة بقدر ما أنها عرفت الحقيقة المفاجئة بنفسها بعد البحث في «غوغل».
بعد الصرخة الأولى وصدمة العبارة الجارحة بدأت رحلة البحث عن العلاج والأطباء، وكانت تتردد في اختيار الطبيب المناسب، فلم تكن تبحث عن علاج مؤقت، وكذلك لم تكن تبحث عن إجراء يغير شكلها للأسوأ. أجرت عملية سقف الحلق مع الاستشاري د. عارف رجب الذي تعتبره مستشارها الأول، فهو طبيبها منذ أن كانت طفلة يانعة، وأخرى تجميلية للأنف والشفة الأرنبية بعد أن استقرت مع د. عبد الشهيد فضل، الذي كان لها بمثابة هبة غيرت حياتها وعبرت بها معبرًا عظيمًا كما قالت، فهو منحها الشكل الطبيعي المناسب الذي كانت تطمح إليه.
والدتها التي رافقتها في مشوارها منذ البداية، بطلة قصتها الأولى، وثاني الأبطال هم إخوتها والبيت الذي عاشت فيه. زينب اليوم تواصل مشوار حياتها، فقد اعتادت وجهها الجديد ولكنها ما زالت تحب شكلها القديم؛ لأنه هويتها التي لم تخجل منها. حصلت على شهادة البكالوريوس في الإعلام والعلاقات العامة من جامعة البحرين وتطمح لدراسة الماجستير. تعشق الصحافة. فهي تعتبرها رسالة على أنها وظيفة. أصدرت كتابها الأول (جرعات من نور) الذي يوثق تجارب المتعافين من مرض السرطان، وتخطط لكاتبة تجربتها مع الشفة الأرنبية في كتاب سيصدر قريبًا إن شاء الله.
البدايات والطفولة
في البداية عندما كانت زينب صغيرة، لم توضح لها عائلتها موضوع مرضها بشكل دقيق وتفصيلي، كانت تشاهد وجهها في المرآة؛ لكنها لم تكن تشعر أن هناك أمرًا غريبًا ومختلفًا؛ لأن عائلتها لم تشعرها بهذا، فلم تكن والدتها تعاملها بطريقة مختلفة عن إخوتها، ولم تكن تقدم لها الرعاية الخاصة دونهم، فهذا ما جعلها تشعر أنها مثل إخوتها ابنة طبيعية، فنفسيًا لم تشعر بأي اختلاف عنهم، حتى ولو كان جسمها مختلفا، لم يشعرها ذلك بأنها تعاني من نقص أو ما شابه. ففي فترة الطفولة لم تشعر بأي فرق عن الآخرين.
عند التحاقها بالمدرسة الابتدائية كانت زميلاتها مجرد أطفال لم تسمع منهن كلمة تضايقها أو تجرحها، كانت مجرد نظرات وكان هذا طبيعيًا من أي طفل، حينها كانت معلمتها تراعي نفسيتها بشكل خاص، فلم تحصل على أي مضايقات من الطالبات، وكن يعبرن عن هذا الموضوع عبر نظراتهن، في المقابل لم تكن تتضايق من تلك النظرات أبدًا ولم تدقق في هذا الموضوع حتى أنها لم تكن تزعجها، فمرت هذه المرحلة مستقرة.
كلمة جارحة تبعثر الهدوء والسكينة
حين كانت في مرحلتها الإعدادية، سمعت من إحدى الزميلات كلمة جارحة أزعجتها وجرحتها كثيرًا، على الرغم من ذلك لم تتحدث بهذا الأمر لأي شخص أبدًا حين رجوعها إلى المنزل. بكت حينها كثيرًا؛ لأن هذا الموضوع كان أشبه بالصدمة. وتعبر زينب عن تلك اللحظة بقولها: لأول مرة أشعر أنني في مشكلة ما رغم جهلي عنها، وأنني مختلفة عن الناس، والناس يعاملوني كذلك بطريقة مختلفة، هذه الكلمة أشعرتني بصدمة عنيفة بعثرت كل الهدوء الذي كنت أعيشه، ما جعلني أبدأ بالبحث في محرك البحث «غوغل» عن حالتي الصحية وهي الشفة الأرنبية. نظرت في الصور التي ظهرت في محرك البحث لكنها كانت صادمة جدًا، صور لحالات قبل العمليات الجراحية وبعدها، فقلت في نفسي: هل أنا فعلا هكذا؟
لم تتقبل زينب الموضوع ودخلت في نوبة بكاء تقريبًا لثلاثة أيام، ورفضت الذهاب إلى المدرسة. قلق أهلها على حالها، تدخلوا في الأمر، وسألتها والدتها عن سبب عدم رغبتها للذهاب إلى المدرسة وإذا كان هناك من تلفظ عليها بكلمة غير لائقة، أو إذا كانت المعلمة قد ضايقتها، لكنها كانت تجيبهم بالنفي.
لم تقتنع والدتها بما سمعت وذهبت إلى المدرسة، فأخبروها أنهم لم يلاحظوا أمرًا مريبًا حدث، وبعد إلحاح أخبرتهم بالحادثة التي جرت. تقول زينب مبررة تصرفها: لكنني لم أتضايق من الكلمة بقدر ما أزعجتني الطريقة التي عرفت فيها عن حالتي الصحية من خلال البحث في «غوغل»، فقد عرفت عن نفسي من خلاله، وبدأت بالقراءة عني بشكل مفاجئ بين أسطر طبية طويلة.
استيعاب الصدمة وقرار العلاج
بعد الصدمة استوعبت زينب أنها فعلًا مريضة بالشفة الأرنبية، ولكن الذي خفف عليها هذا الأمر هو أن مواعيد العلاج والمتابعة كانت مستمرة، وفي هذا الوقت تحدد لها موعد عملية لتجميل الشفة لأول مرة بمجمع السلمانية الطبي. التقت الطبيب وأخبرها أنه إما أن يأخذ من الشفة السفلية ويضعها في الشفة العلوية عن طريق عملية جراحية، أو أنه يحقن الشفة العلوية عن طريق «الفيلر» بسبب عدم وجود شفة في المنتصف، وهو إجراء مؤقت، في حين أنها كانت تود الوصول إلى شكل دائم عن طريق خطة علاج نهائية، والنتيجة أنها لم تقتنع بذلك ورفضت.
وتضيف زينب: قبل ذلك كان هناك بروفيسور فرنسي مختص بالشفة الأرنبية يزور البحرين كل فترة ليعالج الحالات الموجودة، لا أقول لسوء حظي وإنما أقول كان ذلك اختيار الله لي؛ لأنه في ذلك الوقت كانت درجة حرارتي مرتفعة جدًا ولم أتمكن من إجراء العملية بسبب ذلك.
خيارات العلاج وحيرة القرار
بعد أن كانت في حيرة في ذلك الوقت، كانت تحتاج لعملية ثانية لفتحة سقف الحلق، والتي يستلزم لإجرائها عظم من الفخذ لزراعته أعلى سقف الحلق، وكانت تتابع هذا الأمر مع الاستشاري د. عارف رجب، فقد أجرى مثل هذه العملية ثلاث مرات.
كان سقف الحلق مفتوحا بأكمله، وأجرت العملية للمرة الأولى وانغلق الجزء الأيمن دون الأيسر، وفي المرة الثانية انغلق الجزء الأيسر بشكل جزئي، وفي المرة الأخيرة انغلق بأكمله وكانت هي المرة التي أجرتها مع عملية تجميل الشفة.
في المرة الأخيرة كان د. عارف قد أنهى سنوات عمله في مجمع السلمانية، فنقلوا حالتها إلى الطبيبة التي كانت تعمل تحت إشرافه، ولأن هذه العملية صعبة ودقيقة بالنسبة لها لم تكن تريد أن تخاطر بكل صعوبات العملية ومشقاتها وتسلم نفسها لطبيب مجهول.
قالت لها الطبيبة إنها لن تفتح لها الفخذ لأخد العظم، وإنما سوف تستخدم عظما صناعيا، معللة اختيارها لهذا العلاج بأنها تخشى أن تسبب لها جروحا وآثارا في جسدها، فأجابتها زينب «ليس لدي مشكلة في هذا الأمر، وإذا كانت هذه خشيتك فيمكنك فتح الجهة الأخرى من الفخذ»، لكن الطبيبة كانت متمسكة بقرارها وقالت «سوف نتواصل معك إلى أن يتم تزويدنا بالعظم الصناعي من الخارج».
كانت زينب غير مقتنعة بالإجراء الذي حدده لها طبيب التجميل للشفة، وكانت في قائمة الانتظار لعملية سقف الحلق، كانت تشعر بالتيه ولا تعلم إلى أين تذهب..
توقف علاجها لفترة من الزمن منذ العام 2011 إلى حين الإقرار بإجراء العملية في 2020، في هذا الوقت كانت دائمة التفكير بكيفية إكمال العلاج، لم تستطع إكمال العلاج في مجمع السلمانية وهذا يعني أنها ستذهب للعلاج في المستشفى الخاص.
أرشدها من حولها بالذهاب إلى زيارات لمختلف الأطباء وتحديد الأنسب والأكفأ فيما بعد، وكان من ضمنهم د. عبدالشهيد فضل، وعندما نزعت الكمامة وبمجرد أن رآها وتبادل معها الأسئلة بشأنها وكيف كانت تجري الأمور معها قبل زيارتها، أخبرها بخطة العلاج بالكامل وما تحتاجه في رحلة علاجها الجديدة.
كانت زينب كلما ذهبت إلى أي طبيب تخرج منه منهارة لعدم قدرتها على استيعاب كلامه، وكونه طبيبا فهو لا يتكلم إلا بلغة الطب الخالية من أي مراعاة للجوانب النفسية.
بعد انتهاء الزيارة طلبت منه تقريرا طبيا يشرح لها حالتها بالكامل، واستلمته بعد 3 أيام.
عند استلامها التقرير وقراءته لم تستوعب ما فيه وبكت مرة أخرى ولم ترغب بقراءته، ولم تفتحه مرة أخرى.
أخبرت د. عبدالشهيد بوجود فتحة في سقف الحلق وأنها كانت تتابع هذه الحالة مع د. عارف رجب، وسألته عن إمكان إجراء العمليتين في الوقت ذاته وأنها تفضل أن يقوم د. عارف بهذه العملية؛ لأنه على دراية دقيقة بحالتها الصحية.
ثم زارت د. عارف رجب بعد ما يقارب 8 أو 9 سنوات منذ آخر زيارة له، فبدت على نظراته المفاجأة، فقد ظن أنها استمرت بالعلاج في مجمع السلمانية، فأخبرته أنها لم تجد الكفاءة في غيره، كما أخبرته برغبتها في إجراء العمليتين في الوقت ذاته، فطلب منها الأشعة المقطعية ليعرف المستجد في حالتها الصحية.
أجرت الأشعة المقطعية، وبعد ذلك تواصلت مرة أخرى مع د. عبدالشهيد لإخباره بما جرى مع د. عارف رجب.
بعد كل ذلك أصبح لديها إلمام بكل العمليات التي تحتاج لإجرائها مع التكلفة الكاملة.
هاجس ما قبل العملية
تم تحديد أول موعد للعملية في 25 شهر مارس، وعند ذهابها لعمل التحاليل اللازمة قبل إجراء العملية علموا أنها مريضة «سكلر» ولا يمكنها إجراء العملية إلا بتحاليل خاصة لمريض السكلر وتم تحويلها إلى استشاري دم.
بعد إجراء التحاليل التي كانت نتيجتها مبشرة، كان د. عبدالشهيد على قلق لم يهدأ، ووجد أن من الأفضل اتباع إجراء نقل الدم، وهذا ما حدث. وبعد ذلك تم تحديد موعد آخر في شهر أبريل، وقبل دخولها إلى العملية كانت تقول «كنت مطمئنة على الرغم من أن المعطيات كانت مخيفة، فدخول غرفة العمليات لإجراء عمليتين تستغرقان من الوقت 6 ساعات متواصلة هو أمر ليس بالهين على الإطلاق، لكن ما كان يطمئنني أنني أرى مشاعر الفرح في أعين عائلتي، وأنني بين أيدي أطباء أكفاء بعد التوكل على الله سبحانه وتعالى.
انتهاء العملية والتساؤلات الحائرة
بعد انتهاء العملية، فتحت عينيها من بعد التخدير وبدأت تتحسس وجهها بيديها، كانت تريد أن تتأكد إن كانت قد أجريت العملية أم لا، وكانت تتساءل في نفسها: «هل أجرى لي الطبيب عملية الأنف؟ كيف ذلك وأنا لا أشعر بأي ألم في رجلي؟».
كانت غير مستوعبة، «هل أجريت العملية حقًا؟»، كانت تريد لمس رجلها لتتأكد من وجود أي آثار لعملية، حتى طمأنتها الممرضة وأزاحت يدها عن وجهها وأخبرتها أن ساعات العملية قد انتهت وأنها بخير وأن كل الأمور سارت على ما يرام.
ومن بعد خروجها من غرفة العمليات ودخولها غرفتها الخاصة، كان الأهل خائفين ويعيشون حالة من القلق والتوتر، تقول زينب: كانت أشاهد خوفهم وقلقهم في أعينهم، وكانوا قد أعطوني المرآة لأرى نفسي ولكن لم تكن الرؤية واضحة بسبب وجود الغرز وبعض آثار الدم واللصقات. كنت أخاطب نفسي: «هل ستنجح عملية سقف الحلق هذه المرة أم لا؟ هل سأتعدى ذلك أم لا؟ وهل سأحتاج الدخول إلى غرفة العمليات مرة أخرى أم لا؟». أثناء ذلك جاء د. عبدالشهيد وأخبرها أن عملية الشفة، ولله الحمد، ناجحة، ولكنها لن تتمكن من الشرب في اليوم الأول، ولن تتمكن من الأكل إلا بعد مرور أيام وبشكل تدريجي بسبب زراعة العظم في أعلى سقف الحلق.
وتكمل زينب: في اليوم الأول لم أشعر بأي آلام بسبب التخدير الكامل، ولكن باليوم الثاني بدأت أشعر بألم في المعدة وبارتجاع الدم بسبب وجود الغرز الداخلية، وبسبب الدم الذي ابتلعته لأكثر من مرة، واستمر هذا الوضع لبضعة أيام.
كنت أشعر بالضيق والتعب، ولا أستطيع التعبير عن ذلك إلا بالبكاء، فحينها كنت لا أستطيع الكلام بسبب العمليتين. كنت دائمًا ما أكتب لهم في الورق أو الهاتف ما أود إيصاله لهم وقوله إليهم، إلى جانب أنني كنت أتفادى النظر إلى المرآة، فكانت المرة الأخيرة التي نظرت فيها إلى وجهي هي اليوم الأول من العملية حين خروجي من العمليات مع إخوتي. خرجت من المستشفى بعد 3 أيام، وكانت الضمادات تخفي نتيجة العملية.
لم تستوعب شكلها الجديد
كان موعدها مع د. عبدالشهيد فضل بعد 4 أيام من خروجها من المستشفى، وكانت هذه هي المرة الأولى التي ترى فيها وجهها بشكل جيد بعد العملية، إذ تم إزالة اللصقات والضمادات الموضوعة على الشفة لاستبدالها، ولكنها لم تعتد شكلها الجديد، ليس عيبًا في العملية أو نقصًا من أداء الطبيب؛ ولكن السبب هو فقط أنها لا تعرف كيف تعتاد هذا الوجه الآن.
تأخر موضوع تقبلها لشكلها الجديد، كما تعبر، كانت لا تحب أن ترى أحدا إلا المقربين في فترة التشافي من العملية، كما أن شكل الشفة كان يحتاج وقته ليكون طبيعيًا أكثر، أما موضوع تقبل الشكل الجديد فكان صعبا بالنسبة لها، فهي لم تستوعبه سريعًا، وكان العامل المساعد حينذاك «الكمامة».
زينب تتقبل التغير مع حنين للوجه القديم
بعد شهرين من العملية تجاوزت زينب كل هذه المشاعر، بدأت تعتاد الشكل الجديد، لكنها تشتاق إلى شفتها المشقوقة وصورها حين ذلك. تتحدث زينب بصوت حزين وتقول: عند حديثي مع أمهات أطفال الشفة الأرنبية أرى أنهم يشتاقون إلى شكل شفاه أبنائهم المشقوقة رغم أنهن أجروا العمليات في وقت مبكر، أي بعد أشهر من ولادتهم، فكيف بي لا أشتاق إلى شكل شفتي المشقوقة وأنا أجريت العملية في عمر الرابعة والعشرين؟ فأنا أحبها.. وكثيرًا.
متابعات مع الأطباء ونجاح العمليات
كان لديها متابعات مع د. عبدالشهيد لتحديد موعد آخر لإجراء عملية الأنف، وقد تم تحديد موعدها في 24 أغسطس، أي بعد ما يقارب 4 أشهر من العملية الأولى.
وتقول زينب: «أما مع د. عارف فقد كانت المعطيات ممتازة بشكل مبدئي بشأن عملية سقف الحلق، لكنه لا يستطيع أن يحدد ما إن كانت العملية ناجحة أم لا إلا بعد مرور عام كامل، وعرفت ذلك في موعدي الأخير 28 مايو من العام 2022. جاء موعد عملية الأنف وكنت مشاعر الخوف والرهبة تحيطني على عكس العملية الأولى، فكل ما أشعر به هو أنني لم أنس حتى الآن ما مررت به بعد العملية السابقة، وبعد أن أمضيت 4 ساعات في العمليات خرجت منها، وتم إخراجي من المستشفى بعد ليلة واحدة.
كانت تبعات هذه العملية مختلفة تمامًا، صداع دائم، تلون وانتفاخ في العين تحديدًا مع كل الوجه، فقد كنت أحتاج إلى أيام حتى يتشافى وجهي ويعود إلى ما كان عليه».
أن أجد صوتي..
وتكمل زينب: من دون أن أخجل، كانت إحدى تبعات الشفة الأرنبية عدم وضوح الصوت بسبب انفتاح سقف الحلق وتسرب الهواء من خلاله، ومن ثم ضعف بعض العضلات بسبب كثرة الجراحة في هذه المنطقة التي تتيح كذلك إمكان تسرب الهواء.
بعد أن أجريت عملية سقف الحلق احتجت إلى زيارة استشاري أذن وأنف وحنجرة، وكان أمامي من الخيارات اثنان، عملية جراحية أو أن أبدأ في تمارين متعلقة بالصوت لتعمل على تحسينه، وكان الخيار الثاني من رأي الطبيب هو الأنسب.
تم تحويلي إلى اختصاصي نطق بعد زيارة الاستشاري، وبدأت في التمارين، لا أقول إن الأمر كان سهلا، بل في غاية الصعوبة وبشكل بالغ جدًا، الأمر أشبه بتحد مع شيء لا تراه، بل تعلم عنه فقط.
وكما كل مرة، خرجت من غرفة الاختصاصي بمشاعر حزن وبكاء شديدين، رفضت زيارته، ورفضت كل التمارين التي وصفها وأسهب في شرحها، وفضلت أن أختار العملية!
ربما كنت أحتاج فترة من الوقت ليس إلا لأتقبل هذا الوضع الجديد، وبالفعل هذا ما حصل، فمؤشر إغلاق الفتحة عن طريق تقوية العضلة عن طريق التمارين هو مؤشر إيجابي.
بعد وقت طويل أدركت أن الإنسان مقيد بالجدران التي يبنيها لنفسه، فاليوم وبعد ما يقارب 6 أشهر من التمارين المكثفة اليومية استطعت أن أغلق هذا الثقب أيضًا!
في فترة التشافي من عملية الأنف، كنت أواظب على التمارين الصوتية بشكل يومي، وفي الفترة التي انتهيت فيها من التمارين كنت انتهيت من فترة التشافي ووصلت إلى النتيجة النهائية لأنفي، وأقول اليوم بكل نشوة وغبطة: كنت سعيدة فيه وبه منذ أن رأيته متورمًا لأول مرة بعد العملية، كنت أراه جميلًا من قبل واليوم أراه أجمل.
وتضيف: عندما عرفت عن نجاح عملية سقف الحلق منذ شهرين أصبحت أستطيع أن أتابع مع تقويم الأسنان، وهذا ما أتابعه حاليًا.
أبطال قصة زينب
تعتبر زينب الأشخاص القريبين منها في هذه الرحلة هم أبطال قصتها وعلى رأسهم والدتها، التي رافقتها في مشوارها منذ البداية، منذ اليوم الأول لها في الحياة، فتصف دور أمها بالقول: لو لم تعاملني بهذه الطريقة لكنت مختلفة تمامًا، هي صاحبة الفضل في حياتي وفي تجاوز كل العمليات التي دخلتها منذ صغري، أمي حقًا هي البطلة الأولى، أما ثاني الأبطال هم إخوتي والبيت الذي عشت فيه.
دكتور عبدالشهيد عبر بي معبرا عظيما وكلمات الشكر لا تجزيه
وعن الطبيب الذي غير حياتها تقول بعبارات كلها عرفان وتقدير: دكتور عبدالشهيد فضل عبر بي معبرا عظيما وأخذ بيدي، فوجهي اليوم له من الفضل فيه، منحني الشكل الذي أتمناه، الشكل الطبيعي والمناسب لملامح وجهي، فمن لا يعرف أنني كنت صاحبة شق شفة مسبقًا لا يمكنه أن يعرف ذلك اليوم. وتضيف: كان متفانيًا في متابعته لحالتي، والتكلفة المادية كانت أقل مما يستحقه، راعاني كثيرًا من الناحية النفسية وهذا هو كل ما كنت أوده.
دكتور عارف رجب مستشاري الأول
تستطرد زينب وجيش من المشاعر يطوق عيناها فتقول: لا أملك عبارات تفي شكري للدكتور عارف رجب، فعبارة (شكرًا كثيرًا) قليلة في حقه، فأن تسلم نفسك لطبيب داخل غرفة العمليات لأكثر من 6 ساعات لإجراء مثل هذه العملية الدقيقة يحتاج من الشجاعة كثيرًا، فمن المؤكد قبل ذلك أنني كنت واثقة به تمام الثقة وهو أهل لها بالتأكيد، فهو إنسان قبل أن يكون طبيبا.
وتكمل: هو طبيبي منذ يومي الأول في الحياة، كبرت وأنا أعود إليه في كل شيء سواء كان الأمر متعلقًا بتخصصه أو لا، كان يعلمني ويرشدني، فعلًا هو مستشاري الأول.
لم تعد تهرب من عدسات الكاميرات
تعبر زينب: كنت لا أحب التصوير وأتحاشاه ليس نقصًا في تقبلي لشقي لشفتي، لكنني الآن أحب أن أرى وجهي وتحديدًا أثر شفتي المشقوقة الذي لا أرغب في أن يختفي، أريد أن أحتفظ به بكل ما استطعت، فهو الشيء الوحيد الباقي الذي يذكرني بشق الشفة.
الشفة الأرنبية عامل محفز
تتحدث زينب بكل عنفوان وكبرياء حديث المنتصر على ظروف قاهرة وبلغة يملأها التحدي والرضا بقضاء الله وقدره وتقول: لم أصل إلى ما أنا عليه الآن إلا لأنني صاحبة شفة أرنبية، الشفة الأرنبية التي لم تكن عاملا محبطا بل عاملا محفزا، فهذا ليس نقصا، إنما أراه اختلافا.
لا تعاملوا مثل هذه الأشياء كنقص، بل على العكس هي اختلاف، وتقبلوا هذا الاختلاف، وعاملوا أنفسكم كأشخاص طبيعيين، فكما تعاملون أنفسكم سيعاملكم الناس.
وعن مستقبلها تقول: أنا لا أفكر بالمستقبل أبدًا، فلو سألتني عن كل الأمور التي وصلت لها هل كنت أخطط لها، سأجيبك: لا، بل ولم أكن أتوقعها.
هذه تفسيرات من الله سبحانه، فقد كنت دائمًا على ثقة أن الله سيمنحني ما يرضيني وينسيني ما مررت به، وبقدر ما أرضاني الله اليوم بعطاياه لا أذكر أي ألم مررت فيه سابقًا، فالله عوضني بقدر ما تألمت وصبرت.
طموح الماجستير ومشروع الكتاب المؤجل
وعن طموحاتها تقول: طموحي أن أنال الماجستير، ليست لدي خطة واضحة ولكن اشتقت لمقاعد الدراسة.. وزينب تعشق الصحافة ولكنها تقول: أنا لست صحافية ولكنني أتعامل معها كرسالة وليست وظيفة فحسب.
وأخطط أن أنشر كتابا آخر يروي تجربتي الخاصة بي مع من هم مثلي ولكن بعد أن تتضح الرؤية بشأن وضعي الصحي وتكتمل فصول العلاج.