+A
A-

الفارس الذي تعرفه بطولات قفز الحواجز عباس الغريفي

من‭ ‬حسن‭ ‬الطالع‭ ‬أن‭ ‬نحظى‭ ‬بهذا‭ ‬الحوار‭ ‬مع‭ ‬أحد‭ ‬الفرسان‭ ‬البحرينيين‭ ‬الذين‭ ‬حققوا‭ ‬شهرة‭ ‬محلية‭ ‬وخليجية‭ ‬ودولية‭ ‬وهو‭ ‬الفارس‭ ‬عباس‭ ‬الغريفي؛‭ ‬فالحوار‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬صعب؛‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نجا‭ ‬الفارس‭ ‬الغريفي‭ ‬من‭ ‬الموت‭ ‬بعجوبة‭ ‬حينما‭ ‬سقط‭ ‬هو‭ ‬وجواده‭ ‬في‭ ‬بطولة‭ ‬لقفز‭ ‬الحواجز‭ ‬نظمت‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬الموافق‭ ‬5‭ ‬مايو‭ ‬2023‭.‬

ولأن‭ ‬لكل‭ ‬حصان‭ "‬كبوة‭" ‬ولكل‭ ‬فارس‭ "‬غفوة‭ ‬أو‭ ‬هفوة‭"‬،‭ ‬مضى‭ ‬الحادث‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تعرض‭ ‬الغريفي‭ ‬لكسور‭ ‬في‭ ‬اليد‭ ‬والرجل‭ ‬اليسرى،‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬فترة‭ ‬حتى‭ ‬يعود‭ ‬فيها‭ ‬فارسنا‭ ‬إلى‭ ‬ميادين‭ ‬الفروسية‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬فقد‭ ‬طمأن‭ ‬جمهوره‭ ‬في‭ ‬مقطع‭ ‬فيديو‭ ‬أنه‭ ‬بخير،‭ ‬وسيعود‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬بعون‭ ‬الله‭.‬

بداية،‭ ‬أردنا‭ ‬الاطمئنان‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬ضيفنا‭ ‬فأبلغنا‭ ‬أنه‭ ‬بالفعل‭ ‬نجا‭ ‬بفضل‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى،‭ ‬فحينما‭ ‬استرجع‭ ‬تصوير‭ ‬الفيديو‭ ‬رأى‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬الحصان‭ ‬كبا‭ ‬وتسبب‭ ‬في‭ ‬سقوطه‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬ظهره‭ ‬بل‭ ‬وسقط‭ ‬الحصان‭ ‬عليه‭ ‬أثناء‭ ‬الوقوع‭ ‬على‭ ‬الأرض‭. ‬

ويقول‭ ‬ضيفنا "قال‭ ‬الطبيب‭ ‬إنني‭ ‬نجوت‭ ‬لأن‭ ‬سقوط‭ ‬الحصان‭ ‬عليّ‭ ‬كاد‭ ‬يودي‭ ‬بحياتي‭. ‬لكن‭ ‬أمرا‭ ‬واحدا‭ ‬حز‭ ‬في‭ ‬نفسي،‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأصدقاء،‭ ‬من‭ ‬مسؤولين‭ ‬ومعارف‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬دول‭ ‬الخليج،‭ ‬اتصلوا‭ ‬للاطمئنان‭ ‬عليّ‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬علموا‭ ‬بما‭ ‬جرى،‭ ‬ولكني‭ ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬أحدا‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬هنا‭ ‬يتصل‭! ‬على‭ ‬العموم،‭ ‬أنا‭ ‬متعود‭ ‬على‭ ‬السقوط‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬يحدث‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬الفرسان‭ ‬في‭ ‬قفز‭ ‬الحواجز،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬اللائق‭ ‬ألا‭ ‬تجد‭ ‬مسؤولًا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الرياضة‭ ‬اتصل‭ ‬ولو‭ ‬هاتفيًا‭ ‬ليسأل‭ ‬ويطمئن"‭.‬

ولكن،‭ ‬عاهل‭ ‬البلاد‭ ‬المعظم‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬يكن‭ ‬لفرسان‭ ‬البحرين‭ ‬كل‭ ‬التقدير‭ ‬والاحترام؟

أنعم وأكرم، صواب ما قلت، فجلالته حفظه الله ورعاه يحب كل أبناء البحرين، وأتذكر أنه في أحد اللقاءات مع جلالته قال لي كلمة لا أنساها، فبكل تقدير ومحبة وتشجيع قال لي: "يا ولدي، كل ما تحتاجه أبشر به"، وكم هي عظيمة هذه المشاعر من قائد فذ ووالد يحب كل أبناء بلده، وحتى الآن، أتمنى أمنية وهي أن ألتقي بجلالته وأتشرف بالاستماع إلى توجيهاته وإرشاداته، فهو فارس عظيم، ويقدر مكانة الفرسان.

الفارس الغريفي من مواليد قرية البلاد القديم في العام 1962، لكنه ترعرع في منطقة جدحفص مع أن أصل والده من قرية الغريفة بالجفير، ويقول "السبب في ذلك أن والدي كان يتنقل من منطقة إلى أخرى.. لقد عشنا، بالإضافة إلى جدحفص، في السنابس والنعيم، حتى حينما أراد والدي الانتقال من جدحفص إلى منطقة أخرى، رفضت والدتي فبقينا واستقررنا في جدحفص".

 

ومرحلة‭ ‬المدرسة‭ ‬الابتدائية،‭ ‬هل‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬جدحفص؟‭ ‬ومن‭ ‬تتذكر‭ ‬من‭ ‬أصدقاء‭ ‬الطفولة؟

نعم، درست في جدحفص، والمرحلة الإعدادية كانت في مدرسة الصادق، وكان من بين أعز أصدقائي كل من أنور الطويل وسعود عبدالعزيز ولم تنقطع صداقتنا حتى الآن، وفي طفولتي أصبت بمرض أثر على صحتي كثيرًا، لأنه يتسبب في إغمائي المفاجئ حتى وأنا أمشي، وفي العام 1979 تقرر إجراء عملية لي لكن أهلي سافروا بي إلى الهند.. على فكرة، ذلك المرض الغريب كما أتذكر، يتسبب في إغمائي حتى حين أشم بعض الروائح، وكنت في العاشرة من عمري، وفي الهند، قال الطبيب إنني لن أحتاج إلى أي عملية جراحية، فهناك بعض الأدوية وسأكون في خير حال، وبالفعل تحسنت حالتي كثيرًا بتلك الأدوية.

 

المعلم‭ ‬جبر‭ ‬الدوسري‭ ‬أطال‭ ‬الله‭ ‬عمره‭.. ‬هو‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬الذين‭ ‬دائمًا‭ ‬ما‭ ‬يفاخرون‭ ‬بأنك‭ ‬من‭ ‬تلامذتهم،‭ ‬أليس‭ ‬كذلك؟

هذا صحيح، وكان معلمي في مدرسة الصادق، وأتذكر من المعلمين الذين أحببتهم أيضًا المرحومين المعلم نبيل والمعلم عدنان، والمعلم محمد باقر، كانوا بالنسبة لي كأصدقاء وأكن لهم كل الاحترام، وهم أيضًا أحبوني على الرغم من أنني مشاكس وكثير المزاح، وكما قلت، فإن الأستاذ جبر حفظه الله حين يلقاني مع أولاده فإنه يفتخر بي أمامهم ويقول هذا البطل تلميذي.. يحمل اسم البحرين في كل بلد يشارك فيه.

 

على‭ ‬ذكر‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭.. ‬ما‭ ‬علاقتك‭ ‬بأستراليا،‭ ‬يقولون‭ ‬إنك‭ ‬كثير‭ ‬السفر‭ ‬إليها،‭ ‬هل‭ ‬تحبها‭ ‬فعلًا؟

أستراليا من أجمل البلدان التي أحببتها، ولذلك أسفر إليها كثيرًا لاختيار واستيراد الخيول، وقد زرتها أكثر من 20 مرة، وفي الغالب، أتوجه إلى مدينة "بيرث" غربًا وهي تتطلب السفر الداخلي من كانبيرا العاصمة لنحو 3 ساعات بالطيران الداخلي، ولدي هناك الكثير من الأصدقاء، وعموما فإن سكان "بيرت" وأستراليا ودودون وطيبون.

 

وما‭ ‬قصة‭ ‬وصفك‭ ‬بالإرهابي؟

حدث ذلك في العام 2001، وكما تعلم فإن أحداث سبتمبر من ذلك العالم كانت عصيبة، وكانت المرة الأولى التي أزور فيها أستراليا، وبسبب اسمي وديانتي تعرضت لمعاملة سيئة للغاية، فقد منعت إحدى الموظفات دخولي بعد أن سحبوا جواز سفري، وقالت لي هي وبعض من معها "أنت عربي.. فأنت إرهابي؟"، وتشاجرت معها ولم أسكت، وارتفع الصراخ في المطار وطلبت منهم جواز سفري لأعود أدراجي، وكان هذا في الصباح، وأبقوني في المطار حتى الليل، ثم استدعاني مدير المطار في المساء وأدخلني مكتبه ورحب بي، ومن خلال ملفي وما فيه من صور وشخصيات مرموقة في الفروسية اعتذر لي واستدعى الموظفة وأبلغها أمامي بأنها مفصولة من العمل، فقلت له لا داعي لفصلها، فأنا لم أتوقع هذه الخطوة، وكل ما في الأمر هو أن خلافًا حدث بيننا، لكن المدير قال لي إنها عرضتنا للحرج ولابد من فصلها فلدينا نظام صارم.

ثم استضافوني في أحد الفنادق لمدة أسبوع، بل وخصصوا لي حارسين شخصين.. مكثت يومين وأكملت رحلتي، حيث كان يتوجب عليّ اختيار 51 حصانًا لأحد الإسطبلات في دولة قطر الشقيقة.. وعموما لدي أصدقاء كثر في أستراليا وأتواصل معهم حتى اليوم.

 

كانت‭ ‬لك‭ ‬مع‭ ‬عميد‭ ‬الفرسان‭ ‬المرحوم‭ ‬محمد‭ ‬جعفر‭ ‬غزوان‭ ‬رحلة‭ ‬مثيرة‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬الحصان‭ ‬العربي‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا،‭ ‬حدثنا‭ ‬عنها؟

وثقنا كل تفاصيل الرحلة في كتاب حمل عنوان "في رحلة من البحرين إلى أوروبا.. عدت الخيل العربية"، وهي الرحلة الخليجية والعربية الوحيدة التي يسافر فيها رحالان على ظهور الخيل العربية إلى أوروبا وذلك في شهر مارس من العام 1990.

ولأهمية هذه الرحلة، وحتى لا تندثر ولكي ننقلها للأجيال، جاءت فكرة الصديق الفارس سامي غزوان لإصدار هذا الكتاب، فقد كانت الرحلة تحمل الكثير من المعاني، لا لنعرف الغربيين بقوة وجمال الخيل العربي، بل لنحمل المحبة والتعارف والتلاقي كرسالة من شعب البحرين خصوصًا والخليج العربي عمومًا إلى العالم.

لقد وضعنا آنذاك، مع المرحوم "أبو سامي"، الخط الجغرافي للرحلة من البداية إلى النهاية، واستمرت 6 أشهر من البحرين وانتهت في فرنسا ثم سوريا وعودة إلى الكويت ثم السعودية ثم البحرين.

ولأهمية هذه الرحلة التي مثلت إنجازًا بحرينيًا عربيًا حمل رسالة السلام والمحبة والقيم البحرينية والخليجية والعربية، إضافة إلى تعريف الشعوب بالفروسية والخيل العربية والتراث الأصيل، وحفظًا لها من الضياع، صدر الكتاب بمباركة من ممثل جلالة الملك للأعمال الخيرية وشؤون الشباب رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة رئيس اللجنة الأولمبية البحرينية سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، وهو يمثل بلا شك إضافة للمكتبة البحرينية تحمل إنجازات أبنائها.

 

وما‭ ‬الذي‭ ‬تعلمته‭ ‬من‭ ‬الفروسية‭ ‬ومن‭ ‬علاقتك‭ ‬بالخيل؟

الفروسية علمتني أعلى قيم الصبر والاحترام، وأريد أن أقول كلمة هنا للفرسان الشباب، ألا وهي أن الفارس ليس من ركب الخيل، بل هو ذلك الذي يتقلد قيم الإنسانية والاحترام ومحبة الآخرين، ولا يليق بالفارس أن يكون مغرورًا كما نرى من بعض الفرسان الشباب، وكما عرف عنا نحن العرب، فإن كل القيم العربية الكريمة يلزم أن تتوافر في الفارس، وإلا فالمسألة ليست قدرة على امتطاء ظهر الخيل والانطلاق.

 

هل‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬الأبناء‭ ‬أو‭ ‬أبناء‭ ‬العائلة‭ ‬أو‭ ‬المعارف‭ ‬من‭ ‬يطلب‭ ‬منك‭ ‬أن‭ ‬تعلمه‭ ‬الفروسية؟

كثير من الأهل والأصدقاء والمعارف، لكنني لا أقبل.

 

لماذا؟‭ ‬

حين يأتي أقاربي وأصدقائي يطلبون تدريب أبنائهم وبناتهم لدخول عالم الفروسية أقول لهم ألا يضيعوا وقتهم.. لقد تعلقت بالفروسية منذ سن الثانية عشرة، كنت حينها أملك حصانًا وأنا في ذلك العمر، ولم يقصر والدي وخالي في شراء الحصان لي على الرغم من فقرهما؛ لأنهما كانا يريدان أن يريا فارسًا بحرينيًا متميزًا، وقد بلغت اليوم من العمر 63 عامًا، لكني لا أرى مستقبلًا، والأبواب مقفلة في وجه كثير من الفرسان.

 

وماذا‭ ‬عن‭ ‬خطوتك‭ ‬المقبلة؟

بعد أن أتشافى، سأعود إلى ميادين الفروسية.. ليس من السهل يا صاحبي أن تقضي عمرك في الفروسية ثم تنزوي يومًا ما في لحظة ما.. على الرغم من عدم التقدير الذي يحز في نفسي وفي نفوس آخرين من أبناء البحرين المتميزين، إلا أن شرف حمل اسم مملكة البحرين في المحافل فخر كبير وشرف عظيم لكل بحريني.