+A
A-

أزهار عبدالحسين

إعداد: حسن فضل

الذئبة الحمراء أو الفراشة الحمراء اسمان مختلفان لمرض واحد، قد يختلفان ولكنهما يجسدان المرض ذاته، فهو إما أن يكون فراشة حمراء وديعة إذا كان كامنًا، أو ذئبًا يفترس جسد الضحية وينهشه دون رحمة إذا كان نشطًا. والقرار بيد المريض، هو من يمكنه أن يحدد هوية المرض. 

أزهار عبد الحسين هي إحدى هؤلاء الذين قرروا أن يتحدّوا هذا المرض ببسالة منقطعة النظير، والتمرد على سياطه التي لا ترحم، وترويض هذا الذئب المتوحش الذي كان ينهش جسدها الضعيف، بصبرها وإيمانها وعنفوانها، ليكون بوداعة فراشة جميلة، لتكون أيقونة من أيقونات التعايش مع مرض الفراشة الحمراء ومحاربة شرسة ترفض الإذعان لسطوته وأقداره، هي تفضل دائما أن تطلق عليه اسم الفراشة الحمراء. وتقول: الفراشة الحمراء أخذ مني كل ما هو مزيف وأعطاني كل ما هو حقيقي.

سنواتها الأولى في الحياة
سنواتها الأولى كانت تضج بالحياة، حيث كانت تمارس كل طقوسها المتنوعة بكل سعادة وحيوية ونشاط وبتطلعات وأمنيات لا حدود لها. حياة تملؤها المغامرات الصغيرة مع أفراد العائلة والأصدقاء وعالم المدرسة وما يضمه من مختلف الفعاليات. شخصيتها كانت فريدة بعالمها الخاص، وحب التطلع والاستكشاف والاندماج الكامل في تفاصيل المجتمع مع باقة من الأنشطة الترفيهية وكل متطلبات سن المراهقة وما يميزه من نشاط متدفق وطاقة ليس لها حدود.

ألم الركبة رسالة التحذير
كانت تؤدي فروض الحياة بكل سعادة واستقرار، حتى بعثر هذا الهدوء ألم عابر في الركبة وهي تصعد درج المدرسة الإعدادية بعد انتهاء الطابور الصباحي، والذي كان مثل ضوء ساطع أغشى عينيها وكأنه يعبئ أحداقها الحالمة برسائل تحذير مشبعة بشعور غريب لا تدرك هويته. فتقول: رغم أن الألم مر وانتهى لكني توقفت لثوان وكأني أصبحت في عالم بمفردي رغم ضجة عبور الطالبات والتزاحم! حينها كان شعورا لا يُوصف، فهو جديد على مفاهيمي فكيف لي بشرحه للغير. بدأت طاقتها ونشاطها يبهتان ويتضاءلان مع شعور إرهاق، ونوبات الصداع بدأت تجتاحها. 

كائن غريب بلا ملامح
أنهت مرحلة الأول الاعدادي دون أعراض إضافية، ولكن مع بداية انتقالها إلى الصف الثاني الإعدادي بدأت الأعراض المزمنة تراودها، وبدأت تفقد الوزن بشكل ملحوظ، وآلام المفاصل تزداد بشكل تدريجي، وازدادت فترات غيابها عن المدرسة حتى أصبحت مقعدة وملازمة للسرير لشهور عدة، لا تستطيع المشي لأشهر ولا تذهب للمدرسة. كانت تشعر وكأنها تلازم كائنا غريبا بلا ملامح، مع شعور الغرابة الذي كان يتضخم ولا تجد كلمات تستطيع وصفه حتى لنفسها، وفقط كانت تدركها وتعيشها. 

حيرة الأطباء ورحلة التشخيص
وبدأت رحلة النضال لمعرفة الحقيقة. فترددت على أكثر من طبيب ولم يفهموا وضعها، فتقول إنه ربما بسبب شعور الغرابة وصغر سنها لم تستطع الوصف جيدا، إلى أن زارت طبيبة معروفة في مركزهم الصحي وقررت عمل فحص دم لها؛ لأن وضعها أصبح سيئًا للغاية وتبين من النتيجة وجود نقص حاد بالدم، وكما تذكر كان 5 أو أقل، وتقول: بعدها بدأت رحلة التشخيص الفعلي في مجمع السلمانية بعد إمدادي بأكياس الدم ومعرفة أسباب النقص من خلال الكثير من الفحوصات، وتقريبا في أقل من أسبوع تم معرفة التشخيص بعد طرح أسئلة تفصيلية عن أمور لم أكن أدرك وجودها، مثل وجود شعر متساقط بكمية على وسادة النوم أو وجود طفح الفراشة في الوجه أو فقدان الشهية. وعن شعورها بعد معرفة مرضها تقول إنها كانت صغيرة السن، وجل يقينها أنه وضع صحي عابر وسوف تعود لوضعها السابق، وأنها يوميًا كانت تسأل عن موعد عودتها إلى المنزل، وهي كانت تعني عودتها إلى الحياة السابقة.

 تقاوم الاعتراف
لم تتقبل وضعها الجديد، وقاومت محاولات إقناعها بأنها مريضة فتقول: دخلت الطبيبة ذلك اليوم وكانت والدتي معي، فشرعت بتمثيل أنني نائمة وغير متاحة؛ لأنني لا أريد سماع المزيد لعدم تقبلي هذا الوضع، وكانت الطبيبة قد أدركت أنني أمثل النوم، فلم تضغط عليّ وطلبت من والدتي الاستماع إليها، لكنها في الحقيقة كانت تطلب مني الاشتراك أيضًا في عملية الاستماع، سمعي متوجه إليها؛ لكن دون إعارة أهمية أو قبول وقد شرعت في إخبار أمي عن المرض وأعطتها كتيبا مبسطا لفهم الوضع أكثر، كان شيئًا جديدًا لدرجة أنني لم أهتم ببذل جهد لفهمه، لم أفهمه ولم أكن أريد الفهم أصلًا. رفضت الاعتراف بوجوده ولأكثر من سنة، ولم تكن تقبل تناول الدواء، وكانت ترى تعب من حولها من الكادر الطبيعي وعائلتها بسبب خوفهم عليها حتى انتكست حالتها بشكل سيئ وظهر المرض بشكله البشع ذئبًا مفترسًا. 

قبول المرض
بعد هذه الانتكاسة القوية بدأت قبوله بشكل تدريجي وبدأت الالتزام بالأدوية والبحث عنه أكثر ومعرفته، ورأت تحسن وضعها بشكل تام وكأنها عادت لسابق حياتها مع تغييرات طفيفة لمصلحة جسدها، وتقول: أستطيع القول من بعد التقبل إنني كونت صداقة واتحادًا مع الذئبة الحمراء وجهازي المناعي، تقبلت وتفهمت وعطفت وساندت وأنا اليوم أكثر قوة ورضا وتقديرا على جوانب كثيرة، ليس جانب الصحة فقط.

خيارات العلاج 
خيارات العلاج الأساسية كانت ذاتها في كل بلد؛ ولكن بفعل التطور يتم استخدام العلاج البيولوجي عندما يصبح المرض نشطا لفترة طويلة ولا يستجيب للعلاجات الأساسية، ومن وجهة نظرها تقول: خلال أكثر من 12 سنة مع الذئبة الحمراء كان التحكم في الغذاء والنفسية عاملين بفاعلية إيجابية كبيرة في السيطرة على مدى النشاط، حتى الوصول لمرحلة الحياة بشكل طبيعي دون أعراض سنوات طويلة.

تأثير المرض أسريًا واجتماعيًا
وعن تأثيرات المرض تشير إلى أنه من الناحية الأسرية قويت الروابط بشكل كبير مع عامل المساندة والدعم والحب، لكن هذا لا ينفي أنه ليس الجميع سيفهم أصل شعورك دون شرحه، فتعلمت أن تكون واضحة وتشرح وتعبر عن ما يزعجها أو يريحها، وأما من الناحية الاجتماعية والمحيط فتضيف أنها لن تقول إنها أصبحت أقل تفاعلًا، إنما الطريقة اختلفت في التفاعل من أجل تحقيق راحتهم المختلفة وغير المتبادرة إلى أذهان الوعي المجتمعي العام، خصوصا أن المظهر الخارجي لها قد يكون جدا طبيعي وصحي، لذا لا يتقبل الآخرون حقيقة شعورك بالتعب والإرهاق غير المبرر، فيعتقدون أنك تتخاذل لعدم مشاركتهم مثلًا أو أن التعب قد ينشأ فجأة دون توقع منها مثلًا، مسبقا كانت تلوم نفسها لكنها الآن أصبحت واضحة وترسم حدودها الصحية التي تحميها من تأثيرات الغير وتكشف لها صدق نياتهم، تشارك مجتمعيًا فيما يتمازج مع شكل راحتها وبشكل يحدث لها إيجابية داعمة.

الفراشة الحمراء متلازمة وليس مرض
وعن شعور الخوف وقلق تمرده مجددا تقول: الذئبة الحمراء أعتبره متلازمة وليس مرضا، لأن طبيعة جسدي أصبحت متحدة ومتعايشة ومتقبلة مع الذئبة الحمراء، وأصل لسنوات طويلة دون وجود أعراض مزمنة، لذا فهو يلازمني بشكل أصبح طبيعيا وأنا كل سنة أزداد فهمًا إلى ما يستجيب له ويحقق خموله وهدوءه، وتضيف أنه يصبح مرضا في حالات النشاط والتهيج بفعل عوامل نفسية والضغوطات أو التعرض المفرط للشمس والإنهاك فوق طاقة الجسد، عندها يسمى مرضا لوجود حالة النشاط التي تتطلب السيطرة بإدخال أدوية جديدة لحين فترة خمول الأعراض، لذا هو متلازمة باقية وعلينا التكيف معها وفهمها وتقبل أوقات نشاط الأعراض واستغلال أوقات خمول الأعراض.

المرض رسالة أدت لتكاملها
حين سألناها ماذا أضاف لها المرض وماذا أخذ كانت تتحدث بعنفوان وإباء والحروف تتدفق منها وكأنها سيوف أشهرت في وجه كل سياط المرض وأقداره غير المتوقعة فتقول ونبرات التحدي تخضب كلماتها: فهمت أنه رسالة أدت لتكاملي بشكل لم أكن سأصل له من دون وجوده، الصحة ثمينة، وهو ما جعلني أثمنها أكثر، لا أدري إن كان هذا الحس سيكون لدي بهذا القدر من دون المرض، جوانب القوة والحماس على مختلف الأصعدة أصبحت مختلفة وكأنها ذات مناعة عالية، أستطيع القول إن الذئبة الحمراء أخذ مني كل ما هو مزيف وأعطاني كل ما هو حقيقي، دائمًا ما يجعلني ألمس المعنى الحقيقي للقبول والتقبل سواء على صعيد الأشخاص أو القرارات والمواقف، وهذا ما جعل حياتي أكثر حقيقية وأعمق معنى وأوفر طمأنينة.

عوامل تجاوز المحنة
فلسفتها في تخطي الأزمة كانت عندما عرفت أن أول مساند لوضعها هي نفسها أولًا، وأنها لا تستطيع استقبال مساندة الغير دون استطاعة تقديمها لنفسها أولًا، عندما ساندت نفسها بنفسها وقوتها أصبحت أكثر مرونة، وتلقت توفيقات إلهية مختلفة الأهداف، مارست التنفس البطيء أثناء الألم الحاد عوضًا عن التذمر، كل وضع سلبي كانت تستخرج منه الأمر الإيجابي وتتمسك فيه وكانت كل مرحلة سلبية تنتهي مهما طالت، فهذه النتيجة التي وضعتها نصب عينها بشكل يقين تام، كانت تسمح لمشاعرها بالخروج دون كتمها مع الأقربون لها، وتقوم بتغيير الجو العام كل فترة مع الالتزام بالعلاج.

اللحظات الصعبة مؤلمة لكن لا تضعفني
رحلتها من المرض لم تكن نزهة عابرة، فقد كانت تسير على حقل من الألغام وكانت يمكن أن تفقد حياتها ووجودها في كل لحظة واحتاجت لمخزون هائل من الصبر لكي تتحمل سياط المرض التي لا ترحم ووحشيته المبالغة، فتتحدث عن الصعاب فتقول إنها تمثلت في الكثير من المشاعر جراء تحمل أعراض الأدوية جنبًا الى جنب مع الأعراض المرضية ذاتها، ورؤية جسدها وهو يفقد الوزن بمعدل سريع وهي لا تقوى حتى على شعور اشتهاء الأكل، والشعور بنفاد الطاقة لدرجة أن الاستلقاء لا يحسن الوضع سريعًا، وتكرار تساقط الشعر وانتظار نموه بعد كل انتكاسة أمر يحتاج لصبر وحب، ومرارة الدواء يوميًا، وتقرحات الفم المؤلمة التي تعوق عملية أكلك لأشهر، زيادة معدل القلق غير المبرر، والآلام الشبيهة بالانقطاعات السريعة المتكررة مع أي حركة، وعادة لا يظهر مدى التعب الفعلي على الشكل الخارجي فيعتقد المحيط أنها بخير أو أن الغريب يعتقد أنها لا تعاني من مرض أبدا وهذا ما ينتج عنه عدم إحاطة وتفهم للوضع الفعلي سواء عند التحدث عن الألم لقريب أو في محيط الدراسة والعمل ومدى الحاجة لأخذ إجازات متكررة، معظم ذلك يتم تفهمه بشكل محدود. وعن لحظات الضعف واللحظات الصعبة فتقول: كانت تمضي بمساندة الأهل والأصدقاء واستلهام القوة الداخلية للروح عوضًا عن ضعف الجسد في هذه اللحظات، التعبير عن الضعف والسماح لنفسي بعيشه بتقبل ورضا لكي أتخلص من كل تأثيراته حتى تتشكل لي قوة ذات مناعة عالية، ورغم ضعف مناعتي الجسدية أو العضوية، الانشغال بالأمور الإيجابية واستغلال مساحة ممارسة الهوايات، والاتصال بالطبيعة وممارسة التأمل، عمومًا كانت اللحظات الصعبة مؤلمة لكنها لم تضعفني بقدر ما شكلت وطورت نواحي قوتي واستكشاف ذاتي وأنا من بعد الله ممتنة لذلك.

رسالتها لضحايا الذئبة الحمراء
وجهت زهراء رسالة لضحايا الذئبة الحمراء تختصر فيها كل تجربتها الفريدة بما فيها من ألم وأمل، والتي هي خلاصة كل رحلتها مع الفراشة الحمراء، حيث دعت ضحاياه إلى تقبل الوضع برحابة وتحقيق أفضل سبل التعايش بشكل متحد مع الحالة، والمحافظة على النفسية وموازنة الغذاء، وممارسة التأمل وسماع التوكيدات المحفزة والإيجابية اليومية، وممارسة الرياضة والحركة بمقدار يتناسب مع الحالة والوضع، والالتزام بالعلاج وعدم التهاون فيه، ووضع حدود صحية، وممارسة الهوايات في فترات متقاربة.