+A
A-

علي المصاب بالتوحد.. لا حدود لشغفه ويثقف نفسه بنفسه

إعداد: حسن فضل

علي حسين الشهابي، ذو العشرين ربيعًا والمصاب باضطراب طيف التوحد، شاب ذكي وموهوب، يتمتع بقدرات ذكاء ومهارات عالية، ويمتلك مخزونا كبيرا من المعلومات في شتى المجالات، فيعرف عن الأقمار والنجوم والكواكب والأشياء المتعلقة فيها والفضاء، وكذلك عن الحيوانات وفصائلها، وأين تعيش، إضافة إلى اللغات، فيتقن اللغة الإنجليزية وقليلا من الفرنسية والصينية والإسبانية واليابانية، ويجيد التعليق الصوتي والتعامل مع برامج الحاسوب.

لا حدود لشغفه، ويثقف نفسه بنفسه ولا يتوقف عن البحث في شتى المجالات. وفي هذا الصدد كان لنا لقاء مع والده حسين الشهابي:

كيف كانت سنواته الأولى قبل التشخيص؟
في سنواته الأولى كانت تصرفاته طبيعية، من حيث الملاحظة والتركيز والتثقيف والحفظ ونطقه لبعض الكلمات البسيطة، وكان لديه مخزون من الكلمات التي كنا نرددها إليه، ولكن بدأ بشكل تدريجي يتحول من التعبير بالكلام إلى التعبير بالإشارة، وعدم القدرة على استخدام الأصابع بالطريقة الصحيحة، ورفرفة خفيفة، وضحك في بعض الأحيان من دون سبب.

كيف كان التشخيص؟
التشخيص في البحرين أخذ فترة طويلة، واحتجنا لوقت، وكان التشخيص الأول في الكويت عن طريقة د. عبير عوض، وهناك حصلنا على تشخيص منها، وكان التشخيص الأولي هو فرط نشاط، وفعليا لم يكن توحدا، ولكن مع زيادة الأعراض مثل عدم وجود تواصل بصري والنطق المعدوم وعدم وجود استجابة لأي توجيه، تم تشخيصه بتوحد بدرجة متوسطة الشدة في مستشفى الطب النفسي، وآخر تشخيص أنه مصاب بطيف التوحد دون ذكر أي مستوى.


وكيف كان شعورك بعد أن علمت أن ابنك مصاب بالتوحد؟
كنا نسمع عن التوحد، وأنه مشكلة تصيب بعض الأولاد؛ ولكن المفهوم الحقيقي لم يكن واضحا بالنسبة لنا. وفي مرحلة قبل التشخيص النهائي بدأنا نقتنع أنه توحد بالدرجة الكبيرة بناء على ما قرأناه.


في البداية بدأنا حالة إنكار وعدم تقبل، وكنا نحاول تغيير المفهوم بالنسبة لنا، ولكن وجدنا أنه لا حل إلا أن نبدأ، وإذا لم نخرج من حالة الصدمة سنضيع علي ونضيع معه. كانت حالة ضياع وتيه ولا نعرف متى نبدأ ومع من نبدأ، فعلي كان أول طفل.

ماذا بعد التشخيص؟
بعد التشخيص تابعنا مع الطبيبة المختصة بدرية بوزبون، التي كان لها الدور الكبير في أن مستوى علي في التركيز والجانب اللغوي يتحسن، ويطلب الأمور بمسماها، بدل استخدام الإشارة أو الأصوات غير المفهومة، وهذا كان بفضل الله سبحانه وتعالى أولًا ثم الطبيبة ووالدته التي كانت تعطيه بعض المهام وتدربه عليها، وساعدنا هذا في تحسين الأمور، وكنا نحاول توفير البيئة المناسبة والتأهيل الصحيح، فدور والدته كان مكملا لدور الطبيبة.

 ما نظرة المجتمع لمريض التوحد، وكيف تعاملت مع المجتمع؟
نظرة المجتمع مختلفة، ففي بعض الأوقات تجد أن المجتمع ظالم لهذه الفئة، وفي أوقات أخرى يتعامل معها بطريقة تفسد تعبك وتعطي نصائح خاطئة ومدمرة، وهناك حالة من عدم التقبل والرغبة في اندماجهم، وتكون نظرتهم أنه شخص يحتاج لمساعدة في كل شيء. ولمواجهة هذا الموضوع ولخلق جانب من الاستقرار ركزنا على البيئة الداخلية في البيت، باحتضان العائلة الصغيرة والكبيرة وتقبلهم لعلي، فالتعويل في الأساس على العائلة وترتيبها داخل البيت قبل الخروج إلى المجتمع؛ لأن المجتمع في بعض الأوقات لا يتقبل، وحدثت لنا العديد من المواقف، فالمجتمع يجد أن هذه ليست مشكلته، أن يتأخر أو ينزعج بسبب أحد لديه مشكلة لوجود شخص معوق أو يعاني من تخلف أو توحد.

ما أهم الصعوبات التي واجهتك كونك والد مريض توحد؟
الصعوبات الأساسية هي بطء خطوات وبرتوكولات التشخيص الصحيح، والأماكن المستعدة لاحتضان الشاب. ولطفل التوحد الحق في أن يتعلم ويتأهل ويتدرب مثل أي إنسان عادي، فلابد من وجود أحقية له في التعليم والتدريب بعيدًا عن المخصصات المالية وأي شي آخر، فإذا كان قادرا على التعلم نؤهله وندربه، وفي أبسط الأمور نعمل على تنمية المهارات الحياتية الأساسية. فحق التعلم مكفول، والمكافآت لا تلغي حقه في التعلم.

ابنك موهوب.. كيف اكتشفت هذه الطاقات فيه؟ حدثنا عن إنجازاته..
علي يمتلك بعض المهارات، مثلًا يعرف عن الأقمار والنجوم والكواكب والأشياء المتعلقة فيها والفضاء، وكذلك عن الحيوانات وفصائلها وأين تعيش، إضافة إلى اللغات، وكان يحب أن يعرف كثيرا من اللغات ويتعلم كلمات كثيرة منها، فهو يجيد التحدث باللغة الإنجليزية وقليلا من الفرنسية والصينية والإسبانية واليابانية، لكن هذه الأمور تحتاج إلى ممارسة دائمة؛ لكي يحافظ عليها، وتحتاج متابعة دائمة، علي بالمجمل يثقف نفسه بنفسه ودائما يبحث، وكان دورنا توفير الأدوات التي تساعده من خلال الكتب والمجلات والموسوعات، والبرامج والفيديوهات التعليمية والآيباد والكمبيوتر، وكنا نساعده على الانتقال من مرحلة إلى أخرى؛ لكي يكتسب مهارات جديدة وألا يقتصر على مهارة واحدة.

كيف ترى مستقبله
مستقبل علي كمستقبل كثيرين من ذوي الاحتياجات الخاصة، خصوصًا التوحد، فهو مستقبل غامض وغير معروف، فنحن نسعى للوصول لشيء ولكن الأبواب موصدة بالرغم من أنه يمتلك مهارات وقدرات عديدة، إذ بإمكانه أن يكون منتجا وطاقة إيجابية إلى المكان الذي يكون فيه، مثلًا يمكنه المساهمة في الدعايات بخصوص العمل، والأمور البسيطة في الإلقاء والتعليق الصوتي والترجمة، ويمتلك مهارات في برامج الكمبيوتر. ويمكن أن يكون مرشدا عن الحيوانات في حديقة حيوانات. فأتمنى أن يكون هناك احتضان لعلي من مؤسسة تحافظ عليه وتحاول تحسين قدراته ومهاراته؛ ليكون نافعًا إلى المجتمع.


وحاليًا هو يتابع مع أحد المراكز لكي يتعلم مهاراته؛ نظرًا لأن الوضع لم يسمح له بمواصلة الدراسة الأكاديمية، ونتعاون مع اختصاصية في أحد المراكز على المهارات العملية.

رسالة إلى العوائل
دورنا في العائلة أن ندخل لعالمهم الغامض ونفهمهم، ونخرجهم من هذا العالم والعزلة، وليس دورنا أن نكون شركاء في العزلة.

رسالتك إلى المجتمع؟
أي إعاقة كانت موجودة هي خارج عن إرادتنا، وعلينا أن نتقبل الناس باختلافاتهم واختلاف قدراتهم، ونحافظ على أحقيتهم في المشاركة معنا في أي مكان، فإذا أزعجك سلوكه في مكان ما فالعائلة تتأذى أكثر منك، ولابد أن تقدم لهم المساعدة بكف الأذى عنه وعدم التنمر.