+A
A-

والدة طفل مصاب بحساسية الطعام: المكسرات.. العــــدو الأكبـــر لابني

ربما سمعتم عن حساسية الطعام بمختلف أنواعه، كحساسية الألبان والفول السوداني والمكسرات وغيرها، سواء في وسائل الإعلام، أو قرأتم عنه كتحذير خلف أحد المنتجات الغذائية، ومر هذا مرور الكرام؛ فما يتبادر إلى الأذهان أن أعراضه بسيطة: طفح جلدي ومغص وينتهي الأمر، ويمكن تجنبه بتجنب المؤثرات بكل بساطة، لكنه في الواقع عالم كبير مليء بالمعاناة والتحديات، ويمكن أن يهدد حياة الشخص.. هكذا بدأت حديثها زهراء العفو، أم الطفل يونس، الذي يعاني من حساسية المكسرات، وهي تسرد جانبًا من قصتها وتجربة ابنها لـ “صحتنا”؛ لتوصل صوتها وصوت عوائل أطفال حساسية الطعام للمجتمع والمسؤولين.

يونس، ابنها الذي بدأت قصته في عمر التسعة أشهر مع قطعة بسيطة من البقلاوة، أدخلته في نوبة تحسس شديدة؛ ليبدأ أول فصول قصة معاناته في عالم حساسية الطعام، وتكون المكسرات، التي يعشق تناولها البعض وتقدم كهدايا للأطفال، هي العدو الأول ليونس، إذ أصبحت تهدد حياته.


كيف كانت بدايات التشخيص؟
في عمر الستة أشهر، واستنادًا لنصيحة الأطباء بإدخال الطعام بالتدريج، بدأت بالفواكه ثم الألبان ثم القمح دون ملاحظات تذكر، حتى جاء اليوم الذي طلب فيه بقلاوة كانت قريبة منه، فأعطيته قطعة صغيرة جدًا، وما إن تناولها حتى بدأت الأعراض مباشرة، وهي انتفاخ في اللثة وتحت الفم وأصبح وجهه أحمر مع اختناق، وأثار استغرابي أنها كانت مجرد قطعة صغيرة ومطحونة، فكيف علقت في حلقه؟ كنت أظن أنها علقت في حلقه حتى تقيأ، وبدأ بالبكاء، وبدأ يتنفس، وانتهت الأزمة ورجع طبيعيا، واستمر هذا لمدة 10 دقائق.. لم أكن مستوعبة ما حدث، كنت أريد أن أعرف حقيقة ما جرى، لم أذهب لقسم الطوارئ؛ لأن وضعه عاد طبيعيًا، فقررت البحث في الإنترنت، فوجدت الأعراض مشابهة لحساسية الطعام واقتنعت أنها حساسية المكسرات.


ما خطواتك بعد معرفة مشكلته مع حساسية المكسرات؟
كان يونس طفلا صغيرا وكثير الحركة، لذا كان لابد أن يكون تحت ملاحظتي قدر الإمكان، فهناك أطفال يأكلون الشوكولاته ويصابون بردّ فعل، خصوصًا أن بعض الأنواع تكون مختلطة بالمكسرات، وكانت المتابعة تقتصر على مراقبتي، إذ لم أذهب به إلى المستشفى واكتفيت بمراقبته؛ لأنني قرأت أن الطفل إذا تجاوز السنتين يمكن أن يتخلص من هذا النوع من الحساسية.


ماذا بخصوص العلاج؟
بعد أن تجاوز السنة والنصف، لم يتحسن وضعه، فبحثت عن اختصاصي، وبعد الفحوصات الطبية والتحاليل شُخّص بحساسية مكسرات بنسبة عالية جدًا، ونصحوني بمنعه عن المكسرات. كان الموضوع صادمًا، فلا علاج لهذه الحساسية الشديدة سوى الامتناع عن المسبب، مع حقنة تعطى إذا إصابته نوبة الحساسية.


ما الخطوات بعد تأكيد التشخيص؟
لم يكن أمامي، بعد أن أصبحت حساسية المكسرات واقعًا لا مفر منه، إلا مواصلة المراقبة وإبعاد المكسرات عنه، فهي العدو الأول له، ووجدت أنني لا أستطيع فعل هذا لوحدي، فلابد من توعية الأهل، ولابد أن يدركون خطورة الأمر.

بعدها قررت فتح حساب في الإنستغرام للتوعية بحساسية المكسرات. وفتحت مجموعة على وسائل التواصل الاجتماعي لتبادل التجارب والخبرات، وكانت الصدمة أن وضع بعضهم أسوأ من حالة يونس، فهناك من يتحسسون حتى بالشم، ولا يذهبون إلى المدارس.


كيف كانت مرحلة التعليم في الروضة والمدرسة؟
عندما وصل إلى مرحلة الروضة بدأ الخوف يتعاظم، إذ إن احتمالات النوبة تكون أكثر نتيجة الاختلاط بالأطفال، فكانت مهمة أن أجد روضة مناسبة له صعبة؛ إذ لم تقبله معظم الروضات، وبعد بحث مطول استطعنا الحصول على روضة مناسبة، لكن تكاليف الدراسة عالية وتصل إلى 800 دينار في الفصل. وكانت الأمور مستقرة، لكن بعد فترة بدأت البحث عن روضة أخرى أقل من ناحية التكاليف، فوضعنا المادي لا يتحمل هذه التكاليف، وتم العثور على واحدة، لكن بعد 4 أيام فقط تفاجأت بإصابته بنوبة الحساسية في الروضة، ما استدعى نقله للمستشفى حتى استقرار وضعه. ثم عاد بعد ذلك إلى روضته السابقة؛ إلى أن التحق بمدرسة متخصصة في الحساسية ومازال فيها.


ماذا بعد حادثة الروضة؟
هاجس أن يونس يتناول مكسرات يبقى يرافقنا طوال أوقاتنا، ونكون حذرين ويقظين، تخلينا عن أشياء نحبها لأجله. وإيصال الرسالة له وتوعيته كانت صعبة؛ لأنه طفل، ومن الصعب أن يستجيب في بادئ الأمر، إلا أنه بعد إصابته بالنوبة في الروضة أصبح حذرًا جدًا، وأصبح لديه وعي أكثر.


ما الصعوبات في رحلتكم مع حساسية المكسرات؟
الصعوبات عديدة والتحديات كبيرة، وأكبر تحد هو كيف تحمي ابنك، لأن أكبر عدو له هو المكسرات، والحماية جدًا صعبة، والمشكلة لا تنحصر في المكسرات فقط، فحتى الأطعمة المختلطة بالمسكرات تكون خطرا يهدده. والتحدي الآخر مع التعليم، إذ لا تتوافر مدارس حكومية آمنة وصديقة للحساسية؛ ولا يكون لديهم الوعي بخطورة حساسية الغذاء وكيفية التعامل مع هذه الحالات، وفي المقابل أسعار المدارس الآمنة غالية ولا يستطيع تحمل تكاليفها الجميع. ومن الصعوبات التي نواجهها عدم القدرة على الذهاب للمناسبات العائلية والتجمعات وأعياد الميلاد؛ بسبب وجود الطعام المحسس في كل زاوية. وأخيرًا من المشكلات التي نعاني منها عدم توافر الابرة في المستشفيات الحكومية وفي صيدليات البحرين، وصعوبة الحصول على طبيب مختص.


ما هي مطالباتكم؟
نتمنى معاملة أطفال حساسية الطعام مثل الدول المجاورة في التعليم والتوعية، مع تدريب الطاقم التعليمي في المدارس على كيفية التعامل مع الأطفال. ونتمنى توفير طبيب في مستشفى السلمانية متخصص في المناعة وأمراض الحساسية، وتوفير الابرة المنقذة، وصرفها بشكل دوري، مع توافر الفحوصات الخاصة أسوة بأقراننا في دول الخليج العربي.


كما نطالب بتوفير معونة شهرية لمرضى الحساسية؛ لاضطرارهم للانضمام الى مدارس خاصة غالية صديقة للحساسية.


ما رسالتك لعوائل أطفال حساسية الطعام؟
رسالة لكل ولي أمر يعاني، عليه معرفة أن الطريق في البداية صعب؛ إلا أنه مع مرور الوقت سيتم التغلب على المصاعب خطوة بخطوة. كما يجب على المجتمع مراعاة أطفال حساسية الطعام، فهذا من شأنه أن يخفف من العبء الكبير على الأمهات، فبعض المناسبات فرحة للبعض، إلا أنها بالنسبة لنا تكون مقلقة.


كيف هو يونس الآن ومستقبله؟
أصبح يونس الآن يدرك أهمية أن يسأل قبل أن يأكل، ويتأكد أن الطعام آمن، وتأقلم أنه ليس كباقي الأطفال. يونس تعلم من حساسيته كيف يكون قنوعا ويتقبل اختلافه، وعنده من الصبر والثقة ما يتحدث به مع الناس. ونتمنى في المستقبل أن نجد علاجا لحساسية الطعام، خصوصًا أن العلم يتطور.