+A
A-

فضيلة المدني: الهروب من واقع سرطان الثدي لا يلغي وجوده

إعداد‭ ‬حسن‭ ‬فضل:

فضيلة المدني هي إحدى المتعافيات من سرطان الثدي. امرأة مكافحة وعصامية تتقن مواجهة الصعوبات وخوض غمار التحديات. بابتسامتها التي لا تفارقها تلقن الحياة طقوس الإيجابية، وبإرادة صبرها يخضع المستحيل لها. دهمها سرطان الثدي في ذروة انغماسها في الحياة وتفاصيلها، كان خبر إصابتها مرعبًا ومخيفًا جدًا، فصدمته هزت كل كيانها وأحدثت ضجيجًا هائلًا في داخلها، فبكت بحرقة لوحدها بدموع كانت قد صمدت كثيرا مع كل صعوبات الحياة وكمية الألم فيها، ولكنها تمكنت من استيعاب الصدمة وأخذ زمام المبادرة، فقررت مواجهته بكل بأس وعزة نفس ولم تهرب من واقع وجوده. وكان قرار الفحص المبكر عن سرطان الثدي أعظم قرار اتخذته في حياتها، فقد جنبها العلاج الكيماوي واحتاجت فقط لعملية جراحية، لكون المرض في مراحله الأولى، وفي لقاء معها سردت لنا قصتها الملهمة كأنموذج يحتذى به لمحاربي السرطان. 


حياة مستقرة تزخر بالإيجابية قبل السرطان
كانت فضيلة المدني تعيش حياتها بهدوء وسكينة واستقرار، وتؤدي واجباتها ومسؤولياتها لأبنائها، فمنحتهم كل ذاتها ووقتها وجهدها، فكانت الملهم والسند والمعلم الأول، ووجودها يمثل لهم القنديل الذي يضيء لهم دروب الحياة ويرسم ملامح مستقبلهم، إضافة إلى ذلك كانت تعتني بابنها صالح المصاب بالشلل الدماغي الرباعي، وهو يعتمد كليًا عليها. ولها أوقاتها الخاصة التي تستثمرها في ممارسة الرياضة ولقاء الصديقات، وفي العمل التطوعي، فهي ناشطة في فريق هايبوبارا بحرين التطوعي لمساعدة مرضى الهايبوباراثايرويد. 


أعراض غريبة تقود للتشخيص
دهمتها أعراض غريبة تتمثل في عدم انتظام الدورة وحرارة بالجسم وتعرق ليلًا، فقررت البحث في الإنترنت، فوجدت حزمة احتمالات وكان منها الأورام السرطانية. وأشارت إلى أن مجرد قراءة حروفها أثارت الرعب داخلها؛ إلا أنها استبعدت إصابتها بهذا المرض، فكان احتمال الورم آخر الاحتمالات، ولكن لأن هناك تاريخا عائليا للسرطان، إذ فقدت عائلتها بعض أفرادها بسبب هذا المرض، قررت الفحص، وبعد الفحص اليدوي تبين عدم وجود شيء، لكنها بسبب القلق قامت بفحص الماموغرام، وهنا كانت النتيجة صادمة.


الصدمة
تحدثت الطبيبة بصوت يملؤه الحزن وقالت: مع الأسف الورم خبيث. وتصف فضيلة تلك اللحظات فتقول: كان وقع الخبر عنيفًا لدرجة أنني بكيت، على الرغم من أنني وقت انتظار النتيجة كنت أحدث نفسي بأنني مصابة بالمرض بنسبة 95 %، لكي لا ينتابني الحزن والضيق، ولكن بمجرد أن نطقت الطبيبة بحروفه وأصبح واقعا، بكيت بحرقة لشعوري بالمصاعب التي واجهتني وستواجهني، بكيت لوحدتي ولقلة حيلتي، وتبادر إلى ذهني أخواني وأخواتي وأولادي الذين كانوا ينتظرون النتيجة مني. خيارات العلاج كانت واحدة لا غير وهي العملية الجراحية للاستئصال، وكان القرار أن تكون بالمنظار لإزالة الورم، ولكن قبل العملية بنصف ساعة أخبرتها الطبيبة بأنه لابد من إزالة الثدي بأكمله للاطمئنان أكثر من إزالة الأورام بشكل كلي. 


أثر السرطان في حياتها
وعن أثر السرطان في حياتها، ألمحت إلى أنه لم يؤثر على حياتها الأسرية مع أولادها الذين أبدوا تعاونًا كبيرًا معها، ولكنه على الصعيد الاجتماعي ترك أثره، فقد قلصت الظهور في بادئ الأمر بسبب التعاطي معها بشكل غير لائق كونها مريضة، أثناء ظهورها في المجتمع مع بعض الناس غير المتفهمين لهذا المرض، ولا كيفية التعامل مع مرضى السرطان، وهربًا من الأسئلة الفضولية التي تلاحقها أينما ذهبت، كأن يسأل أحدهم عن سبب عدم سقوط الشعر، وآخر يستغرب من كونها مريضة وبشرتها نضرة، ولا يبدو عليها أنها مريضة سرطان، وبعضهم يسأل عن موعد بدء العلاج الكيماوي حتى قبل ظهور نتائج العملية، وهذا حدا بها لاعتزال الناس وعدم الظهور.


السرطان قربها من الله أكثر 
وعما أخذه المرض منها، أوضحت أن السرطان أخذ منها فقط المرض ذاته حينما انتزعته من أحشاء صدرها، ولكنه منحها أشياء يصعب شرحها أو توضيحها، فقد أعطاها القرب من الله أكثر، والابتعاد عن من يؤذيها ويسبب لها الضيق، ومنحها متسعا أكثر للاهتمام بنفسها وتغذيتها، وأوضح لها حب من يحبها وجحد من يجحدها، فكثيرون سقطوا في امتحان المحبة وخذلوها، ويكفيها عطايا الله وألطافه. اليوم فضيلة تجاوزت المحنة بالتوكل على الله، ويقينها الراسخ بقدرة الله، وتسليمها بما قدره الله لها، وعدم الاعتراض على قضائه وقدره لها. وبينت أن الخوف من عودته وارد، ولكنها ليست قلقة طالما تتابع علاجها في مستشفى الملك حمد بشكل دوري، متسلحة بيقينها وتوكلها على الله.


رسالة إلى المرضى والمجتمع
وختمت اللقاء بكلمة وجهتها للمرضى وكل امرأة: رسالتي إلى جميع مرضى السرطان أن الله معنا، وهو حامينا وراعينا وعليه التوكل والاعتماد. فلنتفاءل بالخير والصحة وستأتي، ولا نفكر بالمرض كثيرًا أو نجعله يأخذ مساحة كبيرة من تفكيرنا، بل نعيش حياتنا كما نحب ويرضا الله. ولكل امرأة، أشدد على ضرورة الفحص المبكر عن سرطان الثدي وألا يكتفين بالفحص الذاتي، ففي مراحله المبكرة قد يصعب تشخيصه بالفحص الذاتي. فالفحص المبكر الشامل أنقذني من العلاج الكيماوي، فلم أحتج له لأن المرض كان في بداياته.