+A
A-

ندى الفردان

 

إعداد: حسن فضل

عاش علي سنيه الأولى في الحياة كأي طفل، حياة هانئة مستقرة وهادئة يملأها الفرح والسعادة. كان مفعمًا بالحيوية والنشاط ويقضي أوقاتًا جميلة من اللعب، ويمارس كل طقوس الطفولة بأمن وأمان وسكينة، ولا يعكر صفوه أي عارض أو مرض. كانت الحياة تبتسم له وتخضع لأحلامه وضحكاته التي تملأ المكان. لكن هذا الاستقرار لم يدم طويلًا؛ فقد دهمته أعراض غريبة بدأت تُقلق والدته، ندى الفردان، من قلة التركيز والتعب في منتصف النهار، لكن أعراضا مثل التعب ونقص التركيز لم تكن دليلًا كافيًا على إصابته. إلى أن جاء العام 2018، حين بدأت الأعراض القوية بالظهور، مثل: نقص الوزن، الشحوب، الشعور الدائم بالعطش، الرغبة في تناول السكريات، الجوع المستمر، أما العارض الأقوى، فقد كان التبول اللاإرادي ليلًا. وبعد إجراء فحوصات عدة، تبين أن مستوى السكر مرتفع 3 أضعاف عن المستوى الطبيعي. وبعد التأكد من إصابته بالسكري النوع الأول انقلبت حياة علي وحياة الأسرة رأسًا على عقب، وهكذا بقيت.

العلاج‭ ‬من‭ ‬إبر‭ ‬الانسولين‭ ‬إلى‭ ‬المضخة

أصيب‭ ‬علي‭ ‬بالسكري‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الأول،‭ ‬والعلاج‭ ‬كان‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬إبر‭ ‬الأنسولين‭ ‬بالسنتين‭ ‬الأوليين،‭ ‬وتقول‭ ‬والدته‭ ‬إنها‭ ‬أخذت‭ ‬هي‭ ‬ووالد‭ ‬علي‭ ‬حصصًا‭ ‬من‭ ‬خبيرة‭ ‬التغذية‭ ‬لمعرفة‭ ‬طريقة‭ ‬حساب‭ ‬الكربوهيدرات‭ ‬وحساسية‭ ‬الأنسولين،‭ ‬وحاولا‭ ‬أن‭ ‬يشركا‭ ‬ابنهما‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬الحسابية؛‭ ‬حتى‭ ‬يكون‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬نفسه،‭ ‬مع‭ ‬مراقبة‭ ‬السكر‭ ‬بانتظام‭. ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬وفرت‭ ‬وزارة‭ ‬الصحة‭ ‬مضخة‭ ‬أنسولين‭ (‬G640‭) ‬من‭ ‬شركة‭ ‬ميد‭ ‬الكترونيك،‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬نقلة‭ ‬نوعية‭ ‬في‭ ‬التحكم‭ ‬بهذا‭ ‬المرض؛‭ ‬لقدرتها‭ ‬على‭ ‬حمايته‭ ‬من‭ ‬الهبوط‭ ‬المفاجئ،‭ ‬وبالتالي‭ ‬من‭ ‬الغيبوبة،‭ ‬فهي‭ ‬تعمل‭ ‬وتنبه‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬ارتفاع‭ ‬السكر‭ ‬أيضا؛‭ ‬ليتم‭ ‬التصحيح‭ ‬والتعامل‭ ‬بشكل‭ ‬أسرع‭ ‬وأفضل‭ ‬مع‭ ‬تقلبات‭ ‬السكر،‭ ‬كما‭ ‬تقدم‭ ‬التقارير‭ ‬اللازمة‭ ‬لمتابعة‭ ‬حثيثة‭ ‬لحالة‭ ‬المريض‭.‬

الصعوبات‭ ‬وتجاوزها

وعن‭ ‬أبرز‭ ‬الصعوبات‭ ‬التي‭ ‬واجهتها،‭ ‬ألمحت‭ ‬ندى‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أصعب‭ ‬معضلة‭ ‬هي‭ ‬كانت‭ ‬محاولة‭ ‬جعل‭ ‬ابنها‭ ‬يتقبل‭ ‬وضعه‭ ‬الجديد،‭ ‬ويتحمل‭ ‬الضغط‭ ‬النفسي‭ ‬الذي‭ ‬يسببه‭ ‬هذا‭ ‬المرض‭ ‬من‭ ‬القلق‭ ‬من‭ ‬الهبوط‭ ‬والارتفاع‭ ‬لسكر‭ ‬الدم‭. ‬فنوبات‭ ‬الغضب‭ ‬كانت‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الأيام،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬استطاع‭ ‬السيطرة‭ ‬عليها‭. ‬وتضيف‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬الصعوبات‭ ‬أيضًا‭ ‬كانت‭ ‬القيود‭ ‬التي‭ ‬تحاصر‭ ‬علي،‭ ‬مثل‭ ‬رغبته‭ ‬في‭ ‬تناول‭ ‬الحلوى‭ ‬وقت‭ ‬ارتفاع‭ ‬السكري،‭ ‬أو‭ ‬حين‭ ‬تمنعه‭ ‬من‭ ‬النشاط‭ ‬البدني‭ ‬واللعب‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬انخفاض‭ ‬السكر،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يشعره‭ ‬بالضيق‭ ‬والغضب،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬تغير‭ ‬السكر‭ ‬في‭ ‬الدم‭ ‬يسبب‭ ‬تقلبات‭ ‬في‭ ‬المزاج،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬البيئة‭ ‬المحيطة‭ ‬به‭ ‬تسيء‭ ‬فهمه،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬العائلة‭ ‬باتت‭ ‬أكثر‭ ‬تفهمًا‭ ‬لوضعه‭.‬

وأشارت‭ ‬الفردان‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أم‭ ‬طفل‭ ‬السكري‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الأول،‭ ‬كونها‭ ‬تقوم‭ ‬برعاية‭ ‬طفل‭ ‬السكري‭ ‬من‭ ‬فحص‭ ‬سكر‭ ‬وقياس‭ ‬كربوهيدرات‭ ‬وزيارة‭ ‬الطبيب،‭ ‬ومعالجة‭ ‬الهبوط‭ ‬والارتفاع‭ ‬في‭ ‬سكر‭ ‬الدم،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأمور،‭ ‬تصبح‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنها‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ ‬مريضة‭ ‬سكر‭! ‬لذلك‭ ‬أطلق‭ ‬بعضهم‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬أب‭ ‬وأم‭ ‬لطفل‭ ‬سكري‭ ‬لقب‭: ‬السكري‭ ‬النوع‭ ‬الثالث‭! ‬فأكثر‭ ‬كابوس‭ ‬يقلق‭ ‬الأهل‭ ‬هو‭ ‬حصول‭ ‬هبوط‭ ‬لطفلهم‭ ‬أثناء‭ ‬الليل،‭ ‬ما‭ ‬يجعلهم‭ ‬في‭ ‬قلق‭ ‬دائم‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬نوبات‭ ‬الهبوط‭ ‬والارتفاع‭ ‬في‭ ‬سكر‭ ‬الدم‭ ‬وتصحيحها‭ ‬تحرم‭ ‬الأهل‭  ‬من‭ ‬النوم‭ ‬بشكل‭ ‬متواصل‭. ‬أما‭ ‬عن‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬واجهها‭ ‬في‭ ‬المدرسة،‭ ‬فقد‭ ‬استطاعت‭ ‬الفردان‭ ‬حلها‭ ‬بنصائح‭ ‬بسيطة‭ ‬تكتب‭ ‬على‭ ‬ورقة؛‭ ‬لتشد‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬أزره،‭ ‬وتعبر‭ ‬فيها‭ ‬أحيانًا‭ ‬عن‭ ‬حبها‭ ‬له،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬الممرضة‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬تقوم‭ ‬بحقن‭ ‬علي‭ ‬بجرعة‭ ‬الأنسولين‭ ‬المطلوبة،‭ ‬أصبح‭ ‬هو‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬إعطاء‭ ‬الجرعة‭ ‬بنفسه‭ ‬عبر‭ ‬مضخة‭ ‬الأنسولين‭.‬

بالرضا‭ ‬والقبول‭ ‬والتسليم‭ ‬تجاوزت‭ ‬المحنة

وأشارت‭ ‬ندى‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الشهور‭ ‬الأولى‭ ‬كانت‭ ‬صعبة‭ ‬جدًا،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬أثلج‭ ‬صدرها‭ ‬هو‭ ‬رؤيتها‭ ‬ثمار‭ ‬هذه‭ ‬الرعاية،‭ ‬بتحسن‭ ‬سكر‭ ‬علي،‭ ‬وعودته‭ ‬لطبيعته‭ ‬المرحة‭ ‬والنشيطة،‭ ‬وازداد‭ ‬يقينها‭ ‬بقدرتهما‭ ‬على‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المرض‭. ‬فابنها‭ ‬علي‭ ‬الآن‭ ‬متفوق‭ ‬في‭ ‬دراسته،‭ ‬وحاصل‭ ‬على‭ ‬جوائز‭ ‬في‭ ‬مسابقات‭ ‬الخطابة،‭ ‬ويمارس‭ ‬الرياضة‭ ‬مثل‭ ‬سياقة‭ ‬سيارات‭ ‬الكارتينغ،‭ ‬تسلق‭ ‬الجدران،‭ ‬لعب‭ ‬كرة‭ ‬القدم،‭ ‬فالسكري‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬منعه‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬كما‭ ‬يرغب‭ ‬ويحب‭. ‬أما‭ ‬عن‭ ‬كيفية‭ ‬تجاوزها‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬فهو‭ ‬بوقوف‭ ‬الكثيرين‭ ‬حولها‭ ‬وحول‭ ‬علي،‭ ‬والأهم‭ ‬أنها‭ ‬قررت‭ ‬بداخلها‭ ‬أن‭ ‬تتجاوز‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬عبر‭ ‬ملء‭ ‬نفسه‭ ‬بالرضا‭ ‬والقبول‭ ‬والتسليم‭. ‬وتؤكد‭ ‬أنها‭ ‬تؤمن‭ ‬بأن‭ ‬الإنسان‭ ‬القوي،‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يحوّل‭ ‬المشكلة‭ ‬إلى‭ ‬فرصة،‭ ‬وهكذا‭ ‬كان‭ ‬مع‭ ‬علي‭. ‬وتضيف‭ ‬أن‭ ‬التعايش‭ ‬مع‭ ‬المرض‭ ‬هو‭ ‬المفتاح‭ ‬الرئيس‭ ‬للتغلب‭ ‬عليه،‭ ‬فهناك‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬شجعت‭ ‬علي‭ ‬كثيرًا،‭ ‬وحمّسته‭ ‬على‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬نفسه‭. ‬والأهم‭ ‬أنها‭ ‬استطاعت‭ ‬إيصال‭ ‬الرسالة‭ ‬له،‭ ‬بأن‭ ‬مريض‭ ‬السكر‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬يجعل‭ ‬مرضه‭ ‬عائقًا‭ ‬عن‭ ‬ممارسة‭ ‬حياته‭ ‬بشكل‭ ‬طبيعي،‭ ‬وألا‭ ‬يجعله‭ ‬حجةً‭ ‬ليتكاسل‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬أحلامه،‭ ‬مهما‭ ‬بلغت‭ ‬صعوبتها‭.‬

كلمة‭ ‬لابنها‭ ‬علي

وفي‭ ‬كلمة‭ ‬وجهتها‭ ‬لابنها‭ ‬قالت‭: ‬“علي‭ ‬حبيبي‭.. ‬أنا‭ ‬فخورة‭ ‬بك‭ ‬جدا‭! ‬أنت‭ ‬بطل‭ ‬قوي‭ ‬وشجاع‭. ‬لقد‭ ‬واجهت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الصعوبات‭ ‬ولم‭ ‬تستسلم‭. ‬وحينما‭ ‬أرى‭ ‬ابتسامتك‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تمر‭ ‬به،‭ ‬أشعر‭ ‬بأنني‭ ‬ربيت‭ ‬ولدًا‭ ‬كبر‭ ‬سريعًا‭ ‬ليصبح‭ ‬رجلًا‭ ‬قويًا‭ ‬بتحمله‭ ‬المسؤولية‭ ‬وبسالته‭ ‬وعدم‭ ‬استسلامه‭ ‬لآلام‭ ‬السكري”‭.‬

رسالة‭ ‬إلى‭ ‬المجتمع

وفي‭ ‬كلمة‭ ‬وجهتها‭ ‬ندى‭ ‬الفردان‭ ‬لكل‭ ‬فرد‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬بينت‭ ‬أن‭ ‬الكلمة‭ ‬الطيبة‭ ‬صدقة،‭ ‬فإن‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬الفرد‭ ‬فهم‭ ‬صعوبة‭ ‬المرض،‭ ‬فلا‭ ‬يستهن‭ ‬بآلام‭ ‬الناس‭. ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬يتحمل‭ ‬مسؤوليته‭ ‬في‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬أطياف‭ ‬المجتمع،‭ ‬فمريض‭ ‬السكري‭ ‬النوع‭ ‬الأول‭ ‬أو‭ ‬الثاني‭ ‬هو‭ ‬إنسان‭ ‬له‭ ‬الحقوق‭ ‬كاملة،‭ ‬ويستطيع‭ ‬أن‭ ‬يمارس‭ ‬حياته‭ ‬بشكل‭ ‬طبيعي،‭ ‬وإن‭ ‬احتياجه‭ ‬للأنسولين‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬عجزه‭ ‬عن‭ ‬القيام‭ ‬بواجباته‭ ‬تجاه‭ ‬مجتمعه‭. ‬وأضافت‭ ‬“فلنكن‭ ‬أكثر‭ ‬تقبلًا‭ ‬للاختلاف،‭ ‬وأكثر‭ ‬حكمة‭ ‬ورحمة‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬ذوي‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الخاصة”‭.‬

رسالة‭ ‬إلى‭ ‬عوائل‭ ‬مرضى‭ ‬السكري

وفي‭ ‬كلمة‭ ‬لعوائل‭ ‬مرضى‭ ‬السكري‭ ‬قالت‭: ‬كونوا‭ ‬أقوياء‭ ‬وعلى‭ ‬قدر‭ ‬المسؤولية،‭ ‬ولا‭ ‬تتهاونوا‭ ‬أبدًا‭ ‬في‭ ‬التحكم‭ ‬بالسكر،‭ ‬فأنتم‭ ‬الصخرة‭ ‬التي‭ ‬يستند‭ ‬عليها‭ ‬أبناؤكم،‭ ‬لأنهم‭ ‬غير‭ ‬مدركين‭ ‬بعد‭ ‬خطورة‭ ‬هذا‭ ‬المرض‭ ‬وانعكاسات‭ ‬الممارسة‭ ‬المستهترة‭.‬

وأضافت‭ ‬“كونوا‭ ‬لهم‭ ‬أيضًا‭ ‬الحضن‭ ‬الدافئ‭ ‬الذي‭ ‬يلجأون‭ ‬إليه‭ ‬كلما‭ ‬قسى‭ ‬عليهم‭ ‬هذا‭ ‬المرض،‭ ‬ولكن‭ ‬إياكم‭ ‬أن‭ ‬تنسوا‭ ‬أنفسكم،‭ ‬فهي‭ ‬لها‭ ‬حق‭ ‬أيضا‭. ‬فخصصوا‭ ‬وقتًا‭ ‬محددًا‭ ‬تبعدون‭ ‬فيه‭ ‬تفكيركم‭ ‬عن‭ ‬العناية‭ ‬بطفلكم‭ ‬السكري،‭ ‬وتهتمون‭ ‬به‭ ‬بأنفسكم؛‭ ‬لتعيدوا‭ ‬شحن‭ ‬طاقاتكم”‭.‬