+A
A-

علي الصايغ

 

إعداد: حسن فضل

علي‭ ‬الصايغ‭ ‬ذو‭ ‬الـ‭ ‬22‭ ‬ربيعًا،‭ ‬شاب‭ ‬جامعي‭ ‬طموح،‭ ‬وطالب‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬البحرين‭ ‬بتخصص‭ ‬بكالوريوس‭ ‬علوم‭ ‬الأحياء،‭ ‬ويعاني‭ ‬من‭ ‬مرض‭ ‬الصرع‭ ‬المزمن‭. ‬كانت‭ ‬حياته‭ ‬طبيعية‭ ‬كأي‭ ‬شاب‭ ‬مراهق،‭ ‬مليئة‭ ‬بالأحداث‭ ‬والنشاط،‭ ‬وكان‭ ‬يملك‭ ‬حرية‭ ‬ذاته،‭ ‬ويستطيع‭ ‬إتمام‭ ‬أمور‭ ‬كثيرة‭.. ‬يسافر‭ ‬ويخرج‭ ‬مع‭ ‬الأصحاب،‭ ‬ويمارس‭ ‬هوايته‭ (‬كرة‭ ‬القدم‭) ‬وكل‭ ‬طقوس‭ ‬الحياة،‭ ‬فالحياة‭ ‬كانت‭ ‬متاحة‭ ‬له‭ ‬بكل‭ ‬تفاصيلها،‭ ‬ولكن‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬تغير‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬تشخيصه‭ ‬بمرض‭ ‬الصرع‭ ‬المزمن،‭ ‬فأصبحت‭ ‬حياته‭ ‬مكبلة‭ ‬بقيود‭ ‬والتزامات،‭ ‬وفرضت‭ ‬عليه‭ ‬واجبات‭ ‬جديدة‭ ‬وقائمة‭ ‬ممنوعات‭. ‬علي‭ ‬لم‭ ‬يستسلم‭ ‬لقوانين‭ ‬وفروض‭ ‬الصرع‭ ‬الجديدة،‭ ‬ويقول‭ ‬بكل‭ ‬عنفوان‭ ‬وتحدٍ‭ ‬“إن‭ ‬الصرع‭ ‬أخذ‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬سعادتي‭ ‬لكنه‭ ‬لا‭ ‬يمنع‭ ‬من‭ ‬مواصلة‭ ‬الحياة”،‭ ‬لذلك‭ ‬قرر‭ ‬أن‭ ‬يحاربه‭ ‬ويتعايش‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت،‭ ‬ويتخذ‭ ‬منه‭ ‬صديقا،‭ ‬وتخلص‭ ‬من‭ ‬هاجس‭ ‬وقلق‭ ‬حدوث‭ ‬نوبات‭ ‬الصرع‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يلاحقه‭ ‬مثل‭ ‬الكابوس،‭ ‬بالتحرز‭ ‬بالله‭ ‬والابتعاد‭ ‬عن‭ ‬محفزات‭ ‬نوبات‭ ‬الصرع‭.‬

نوبة صرع في المدرسة وبداية التشخيص
كانت بدايات الصرع معه في العام 2017، حينما سقط على وجهه في مقصف المدرسة، وكان لا يتحرك، فتقدم له أحد الطلاب ليحمله؛ ظنًا منه أنه كان يشعر بالخجل من النهوض بعد سقوطه؛ ولكن بعد أن رفع يده لاحظ عدم تحركه إطلاقًا، وبعد ثوانٍ قليلة بدأ جسمه كاملا بالارتعاش والتصلب، وعينيه بالارتفاع، وبعدها خرج من فمه شيء أشبه بالسائل والرغوة وغطى ملابسه بالكامل، حينها ذهب أحد الطلاب إلى المشرف الأكاديمي وتم الاتصال بالإسعاف، وبعد أن تم إدخاله إلى المستشفى أجروا له بعض الفحوصات والأشعة، وبعد يومين تقريبًا أتى الطبيب ليخبره بأن الشحنات الكهربائية في مخه أصبحت أقوى وأكثر، ما يعني أنه مصاب بالصرع؛ ولكنه يعتبر جزئيا أي في منطقة واحدة.

الصرع أصبح واقعا
كان شعوره في البداية شعورًا طبيعيًا؛ لأنه كان يعتقد أن الأمر يمكن أن يرجع اعتياديًا بمجرد تناوله للأدوية؛ ولكن بعد فترة زمنية تيقن أن المرض سيطول معه، حتى أخبره الطبيب أن مرض الصرع أصبح كليًا، أي أنه غطى المخ بأكمله، وأنه سيصاحبه إلى أن يكبر. كان هذا الخبر صادمًا له. ويستعيد تلك اللحظات بقوله: في البداية شعرت بالحزن الشديد وبدأت بالتفكير كثيرًا؛ ولكن تيقنت أن هذه الدنيا أعدت لبلاء الإنسان، والحمد لله أنها لم تكن بخسارة أحد أعضائي، أو شخص يعز علي، أو مستقبلي. 

نوبة الصداع وأعراضها
وأوضح أن هناك أعراضا تصيبه قبل أن يحدث التشنج، وتبدأ عنده بتشوش في الرؤية، فلا يستطيع التركيز بشكل صحيح، ويصاحبه ألم خفيف في الرأس، إلى أن يدخل في نوبة الصرع، التي هي عبارة عن صراخ بقوة، ثم تصلب شديد بالجسم، وتتحرك العيون للأعلى، ويتشنج، إلى أن ينتهي بتفريغ المعدة، ثم يبدأ الوعي يعود له شيئا فشيئا. ويواجه تقلبات المزاج التي تحدث له كأحد الأعراض الجانبية للأدوية، وآلام الرأس، وصعوبة الكلام الناتجة عن التلعثم والتأتأة. 

لحظات الضعف
وألمح إلى أنه شعر بلحظات ضعف في محطات كثيرة؛ كونه أصيب في فترة المراهقة، ففي بداية إصابته بالمرض كانت أمه تشعر بالخوف كثيرًا وتبكي حينما يصيبه التشنج، فشعور الأسف والحزن الذي كان لدى عائلته نحوه يولد في داخله إحساس الضعف؛ ولكن مع مرور السنوات أصبحت عائلته قوية؛ لأنها تأقلمت على مرضه، إضافة لذلك أصبح أصدقاؤه يعلمون بمرضه، فأصبح قويًا لأنه لم يضطر لإخفاء مرضه عن الجميع، وتجاوز تحدي التأتأة، وعلى الرغم من صعوبة النطق إلا أنه يتحدث كثيرًا في الجامعة، ويعرض عمله أمام الطلاب، ويحاول جاهدًا ألا يكتم كلماته لكي تخرج ويرتاح، ويتعامل مع المرض كصديق.

هاجس حدوث نوبات الصرع يلاحقه
ولفت إلى أن هاجس حدوث نوبات الصرع يلاحقه، خصوصًا أن عدد مرات التشنجات التي تصيبه كثيرة، لذلك يخاف أن تصيبه في أماكن وظروف صعبة؛ ولكنه دائمًا يحترز بالله أولًا، ثم يواظب على تناول الأدوية، ويحاول دائما أخذ قسط كافٍ من النوم، ويتجنب عدوه اللدود، ولكن القلق يجتاحه حين يفكر في مرحلة الزواج، فكيف سيتعامل، ويتمنى أن يكون قد تخلص من المرض وقت الزواج. 

السهر.. العدو اللدود للصرع
وعن محفزات الصرع، أشار إلى أنها أمور كثيرة؛ ولكن العدو اللدود هو السهر، ويستذكر نوبة صرع عنيفة أصابته؛ بسبب الأرق، إذ لم يستطع النوم حتى ظُهر اليوم التالي، وبعدها نام، ولكن حين استيقظ شعر بتشوش في عينيه، فعرف أن التشنج سيصيبه لا محالة، وبعد ساعات أصيب بنوبة الصرع في صالة المنزل. وأضاف أن الصرع هو مرض مزمن، بمعنى ربما يزيد ويقل في فترات الحياة، على حسب الظروف التي لا يعرفها إلا المرضى، وربما حسب أجواء المنزل أو الطقس أو حتى الضغوطات في الحياة.

كلمة لمرضى الصرع وعوائلهم
ووجه علي كلمة إلى كل مريض صرع قائلا: رسالتي لك هو أنك تملك قوة وعنفوانا؛ لأنك تتحدى مرضا مزمنا، وتحاول أن تحاربه وتتعايش معه في نفس الوقت، وهذا الأمر قد يكون صعبًا؛ لأنه ربما تكون لديك ظروف أخرى تتعبك؛ ولكن هذه هي الدنيا، فتذكر أن الله لا يبتليك إلا لأنه يحبك، والصرع لا يمنع من مواصلة الحياة. 
ونصح عوائل مرضى الصرع بألا يجهدوهم؛ لأن الجهد يعد سببا من أسباب التشنجات، فهم يحتاجون إلى رعاية واهتمام، وأن هذا الإنسان المبتلى هو النور في المنزل؛ لأن رب العالمين يحبه.