+A
A-

حوراء البخيت: لا إعاقة مع الإرادة.. ويداي هما قدماي

“لا إعاقة مع الإرادة واعتمدوا على نفسكم مثلي”.. كلمات بريئة رددتها عبر “صحتنا” الطفلة حوراء البخيت من السعودية، ذات التسعة أعوام، والتي ولدت بلا يدين. كلمات لم تكن مجرد شعار، بل تجسد واقعًا في تجربة ملهمة أشبه بالمعجزة، فقد تحدت حوراء إعاقتها الجسدية بسلاح الإرادة والعزيمة والإصرار والرضا بقضاء الله وقدره، وخاضت المستحيل بشجاعة منقطعة النظير؛ حتى أذعن لها وأصبح ممكنًا، وأصبحت قدماها هما يداها اللتان تنجز بهما كل أمور الحياة. حوراء تقوم بكل الأعمال بواسطة قدميها، فهي تأكل وتشرب وتكتب وترسم بمهارة بواسطة قدميها. ليس هناك حدود لطموحاتها، فتواصل مشوار التحدي؛ لتطمح أن تكون مدرسة رسم، وتفتتح معرضا لرسوماتها، فالرسم تعده أسهل هواية في الحياة. حوراء تعيش حالة تسليم ورضا مذهلة، فهي لا تشعر بالخجل والإحراج من وضعها والظهور أمام الناس، بل تفتخر بذاتها، وتقول إنها لو كان عندها يدان لما أحبها الناس بهذا القدر، فهي مشهورة الآن ومحبوبة. وبكل عنفوان تقول: لا أحمل هم شيء، وأواصل حياتي، ولست حزينة، وعندما يشاهدني البعض يبكون لحالي، بينما أطمئنهم. “صحتنا” التقت بوالدتها وكان هذا الحوار...

 

الصدمة
أشارت أم حوراء إلى أن القصة بدأت حينما كانت حاملا بحوراء، وكانت تراجع المستوصفات القريبة في القرية، ودائمًا يقال لها إن الجنين سليم، وحين وصلت إلى الشهر السابع أخبروها بعد فحص السونار أنها ستنجب بنتًا؛ ولكن لم يخبروها عن نقص الأطراف. كانت تشعر بحركة حوراء في بطنها، فتتحرك حركة عادية، ولم يتباذر إلى ذهنها أن هناك مشكلة صحية معها. وعندما وصلت إلى الشهر التاسع ذهبت إلى المستشفى، والممرضة وضعت السونار ولاحظت شيئا؛ لكنها لم تخبرها، وطلبت منها الذهاب إلى مستشفى الولادة، والطبيبة هناك لاحظت أيضًا هذا الأمر في السونار وكذلك لم تخبرها، حتى تمت الولادة، ورفعتها الممرضة وقالت بلا يدين! ولكن أم حوراء لم تستوعب في البداية، إلى أن بدأت تستوعب، فكانت الصدمة. وتصف تلك اللحظات قائلة “شاهدت حوراء بصحتها ولكن من دون يدين، تمنيته حلما، وطوال اليوم لم أتكلم أو أنطق بكلمة واحدة، وكان أبو حوراء ينتظر أن أجاوبهم في الجوال، وأنا لم أستطع الكلام، حتى اتصل والدها وأخبرته وعاش الصدمة ولم يخبر أبناءه”.
نظرات حوراء لي منحتني القوة 
وتضيف أنها صحيح شعرت بالضعف والانكسار؛ ولكن نظرات حوراء لها بعد الولادة منحتها القوة، وتمالكت نفسها واستعادت ذاتها المحطمة والمنكسرة وحمدت ربها، فحملتها متوجهة بها إلى المنزل لتواجه الواقع بكل رضا وتسليم. فيما كان أبناؤها الكبار قد أعدوا حفل استقبال لها في موقف عظيم، فكيف تبدأ في الكلام وتبوح لهم وللعائلة أن الطفلة التي كانوا ينتظرونها بلا أطراف، وحين علموا عم الحزن، ووصل الخبر إلى باقي الأهل كالصاعقة، فجاؤوا يواسونها والكل حواليها.
واقع جديد.. حوراء ولدت وولد الإصرار والتحدي معها
بعد مرور أيام على الصدمة، أصبحت أم حوراء أمام واقع جديد، فمعها طفلة كفلقة القمر؛ لكن بلا ذراعين ويدين، بمستقبل غامض وحزمة من الأسئلة المعبأة بحيرة وقلق، فكيف ستمارس حياتها من دون يدين؟ وكيف ستتناول طعامها وتتعلم وتلعب وتمارس هواياتها وتدير أمورها الشخصية؟ لكن حوراء ولدت وولد معها الإصرار والتحدي، فأشارت أم حوراء إلى أنها بدأت الاعتماد على رجليها مبكرًا، فكانت تجلس لوحدها وتمسك المرضعة بأقدامها، وإذا لمحت شيئا قريبا منها تزحف وهي جالسة وتمسك به بأصابع قدميها، أما بخصوص الحبو فهي تتقلب بجسمها المرن. وتضيف أنها لم تعلمها على استعمال قدميها بدل اليدين، بل هي من أرادت وفعلت حتى أتقنت استعمال قدميها.

تحدي الدراسة
تؤكد والدة حوراء أنها كانت شجاعة ومتمردة على واقعها من صغرها، فلم تعاني من صعوبات، فرغم أنها بلا يدين؛ ولكنها تواصل حياتها وتحاول أن تعيش حياة طبيعية ولا تعطي المشكلة أهمية وتعيش وكأنها بيدين، وتضيف أنهم كلهم كانوا إلى جانبها بالدعم والمساندة والتحفيز إلى أن كبرت، وحين قررت إدخالها الروضة تحدثت مع مديرة الروضة عن مشكلتها، فمهدوا لحضورها بالحديث مع المعلمات وأولياء الأمور بمراعاتها والطلب من الأطفال مساعدتها وتقبلها وعدم إحراجها، والتحقت حوراء بالروضة ومارست طفولتها، فكانت تستمتع بكل تفاصيل الروضة ولحظاتها، مع شغف كبير في التعلم، متحدية كل الظروف. وكان الأطفال يحبونها ويتعاونون معها لمساعدتها في لبس الحذاء أو فتح علبة العصير مثلا؛ لكن حوراء ترفض أن تكون عاجزة، وتخبرهم بكل عنفوان أنها يمكنها فعل هذا، وترفض دائمًا أن يقال لها إنها عاجزة.
والتحقت بعدها بالمدرسة، وكانت تصر أن تكون على طاولة وكرسي كباقي الطلاب فتم إعداد طاولة وكرسي يتيح لها الكتابة بالأقدام. فكانت تكتب وتحل الواجبات بأقدامها. وبدأ عشقها إلى الرسم، وتبناها مركز دار نورة الموسى في الإحساء، وصقل تجربتها في الرسم بأقدامها، وكان رسمها دقيقا. 

حوراء متصالحة مع ذاتها ولا تخجل
ولفتت أم حوراء إلى أن ابنتها متصالحة مع ذاتها، ولا تخجل من إعاقتها، وكانت دائمًا ترفض أن يصفها أحد بالعجز أو يعاملها كعاجزة، ولا تتأثر بعبارات التعاطف ونظرات الشفقة التي تحاصرها، ومن المواقف المتكررة حين تصافح أحدهم بقدميها ويكتشف أنها بلا يدين فيشفق عليها ويبكي أو يقول مسكينة، فتبادرهم بالقول دائمًا “لماذا تقولون مسكينة؟ أنا بخير وسعيدة، من قال لكم إنه ليس لدي يدان؟ فقدماي هما يداي. وأما عدم وجود اليدين فمن الله”.

أمنيتي أن تكون حوراء أفضل رسامة
واختتمت حديثها بالقول إن ابنتها حوراء طفلة، لكن عقلها كبير وبقدرات خارقة، قهرت المستحيل، وتردد دائمًا ألا إعاقة مع الإرادة، وتضيف “شخصيًا كنت أشجعها، ولكن أحيانًا تهزمني الظروف؛ ولكن حوراء هي من تشد أزري وتقويني وتصبرني وتزرع في ذاتي المتعبة روح التفاؤل في الحياة، فعبارتها “كونوا أقوياء ولا تخافون إلا من الله” تشعرني بالخجل من نفسي أمام عظمة صبرها ومقدار التسليم لله في روحها المتوثبة، حوراء ليست طفلتي بل معلمتي في الحياة، نهلت منها جرعات عالية من حب الحياة والتشبث بها، وتنعش نبضات الأمل في داخلي رغم التحديات، علمتني أن لا شيء مستحيل يقف في وجه إرادة الانسان.
 وابتسامتها الساحرة تنشر السعادة والإيجابية، حوراء هي أجمل هدية من الله، وأمنيتي أن تكون رسامة مبدعة بمستقبل زاهر، وتكون معلمة رسم كما تحب.