+A
A-

على ذوي الهمم ألا ييأسوا من الحياة ولا يتخلوا عن أحلامهم

تتحفك تجارب ذوي الهمم، فهي مستودع من الأمل والصبر والإيجابية، قصص تدهشك بكمية التحدي فيها ومواجهة الظروف الاستثنائية حتى تذعن لإرادتهم ـ وتختلف طبيعة تجاربهم ونوعها، ولكن يجمعهم عنوان واحد “لا مستحيل مع الإرادة”.

إعداد: حسن فضل

تحفك تجارب ذوي الهمم، فهي مستودع من الأمل والصبر والإيجابية. قصص تدهشك بكمية التحدي فيها ومواجهة الظروف الاستثنائية، حتى تذعن لإرادتهم، وتختلف طبيعة تجاربهم ونوعها، ولكن يجمعهم عنوان واحد، هو أنه “لا مستحيل مع الإرادة”.

نشر ملحق “صحتنا” نماذج من تجارب ذوي الهمم الملهمة، لتمنح جرعات أمل مع طاقة تحفيز في مواجهة صعوبات الحياة والظروف الاستثنائية، وفي هذا العدد ننشر قصة بطل آخر من أبطال ذوي الهمم، تجربة تجمع بين إرادة ذوي الهمم، وإيثار وتضحيات أب منح ابنه كل وقته وجهده، بل كل حياته. إنها تجربة حسين خليل الحلواجي ذي الخمسة عشر ربيعًا، والذي تسببت حمى غامضة بدخوله إلى العناية المركزة وإصابته بالشلل الدماغي في عمر الستة أشهر، ليواجه تحديات الشلل الدماغي ويخوض غمار الحياة ويهزم صعوبات الإعاقة بسلاح الثقة بالنفس والإيمان بالله، فجعل من الإعاقة سبب نجاح لا فشل وانكفاء، فحسين متفوق دراسيا، وهو لا يشعر بفرق بينه وبين زملائه الطلاب سوى أنه على كرسي متحرك. واستوعب نظرات الشفقة القاتلة ولم يسمح لها أن تكسر إرادته وتهزمه فكان يردد دائماً: “كل الموضوع الثقة بالنفس”. طموحاته ليس لها حدود، إذ يطمح لمواصلة الدراسة الجامعية في تخصص الأمن السيبراني حتى درجة الدكتوراه. وكلما عبث اليأس وهزمته دموع الحسرة والألم وهو يرى أقرانه يلعبون ويمارسون حياتهم الطبيعية وهو عاجز وتمنعه إعاقته، يستمد عنفوانه وبأسه من ثقته الراسخة بالله وتسليمه لأقداره، وإيمانه أنه لن يتركه وسيمنحه من ألطافه، ويرمم ذاته المتعبة بجرعات عزيمة وإصرار من عيني والده اللتين أنهكهما السهر من أجل أن يكون بخير، وتضخ روح التحدي عنده، فإعاقته لم تجعل منه بائسًا. ووجه حسين الحلواجي عبر «صحتنا» رسالة تحفيزية لذوي الهمم بالقول “لا تيأسوا من الحياة ولا تتخلوا عن أحلامكم، فالناس تنظر إليكم كأشخاص ناقصين، وبفعلكم تستطيعون أن تغيروا نظرتهم لكم”. “صحتنا” التقت والده خليل الحلواجي، ذلك الأب المضحي بكمية إيثار مذهلة، وكان هذا اللقاء.


حمى غامضة تقود إلى شلل في الدماغ
عن بدايات التشخيص، يشير والد حسين خليل الحلوجي إلى أن ابنه حسين ولد ولادة طبيعة، وعاش الشهور الأولى في حياته كباقي الأطفال؛ ولكن في حدود الستة أشهر أصابته حمى، وتسبب ارتفاع درجة حرارته إلى حدوث تشنج وحالة إغماء، ما اضطره إلى دخول العناية المركزة. وبعد هذه الحادثة لاحظ أن حالة التشنجات استمرت معه حتى بعد خروجه من المستشفى، وبعد المراجعة الطبية أمر الطبيب بإجراء أشعة، فتبين إصابته بضمور خلايا المخ وإصابته بالشلل الدماغي.


حالة انهيار بعد صدمة الخبر
لم يتمالك خليل نفسه بعد سماع الخبر، فاجتاحه حزن عارم وتسبب له بحالة انهيار، ولم يستوعب الخبر، فقد كان قاسيًا جدًا على قلب أب وضع كل آماله وأحلامه على طفله البكر والوحيد، الذي انتظر قدومه لثلاث سنوات، فقد كان يرى في عيني طفله الجميلة كل الدنيا، وبابتسامته الساحرة يتذوق طعم الحياة وأنسها، ويتزود بالسعادة كلما بطشت به الدنيا؛ ولكن كل هذا أصبح مهددًا بواقع جديد، فحسين لن يتمكن من المشي وستكون حياته مقيدة، ولن يعيش كسائر أقرانه، وستبدأ قصة معاناة جديدة وظروف قاسية تنتظرهم، وتحديات تحتاج لكميات صبر هائلة لتجاوزها والنجاة من حبائلها. حالة الانهيار هذه لم تستمر طويلاً، فاستعاد توازنه وقوته وقرر أن يواجه الواقع ويكون قويا ولا يبدوا ضعيفا لأجل ابنه، ويناضل متحديًا كل الظروف من أجل سعادته ومستقبله، وعاش حالة تسليم إلى الله ورضا بقدره.


تحدي العلاج ورفض الوزارة علاجه في الخارج
يضيف خليل الحلواجي أنه بعد أن تقدم عمر حسين، بدأت الأعراض تبدو واضحة أكثر ومؤثرة، ومن أبرزها شد في الأطراف وعدم القدرة على التوازن والمشي، فبدأ علاجه في مستشفيات البحرين الحكومية والخاصة بالعلاج الطبيعي؛ ولكن دون فائدة تذكر، وأجريت له عمليات متعددة لترخية أوتار الأرجل مع إبر البوتكس. ثم ذهب به إلى جمهورية التشيك وجمهورية مصر، حيث استمر العلاج هناك لمدة ثلاث سنوات وكانت الفائدة ملحوظة؛ ولكن بسبب الوضع المادي لم يستطع مواصلة العلاج في الخارج. ولفت إلى أنه حاول محاولات عديدة لعلاجه مع قسم العلاج في الخارج في وزارة الصحة، وتم رفضه مرات عدة، وأكد أنه لم يجد في علاج البحرين استفادة، أما في الخارج استفاد كثيرا وحدث تغير كبير وواضح في الحركة والخطوات مع الأجهزة المساعدة؛ ولكنه توقف عن العلاج بسبب الظروف المادية.


تجربة الدراسة من أصعب المراحل وأرافق ابني في مقاعد الدراسة
وبين أن مرحلة الدراسة كانت من أصعب المراحل، حيث كان مرافقا لابنه من مرحلة الابتدائي وحتى الآن وهو في مرحلة الثالث الإعدادي، ويضيف “كانت زوجتي ترافقه في البداية، وبعدها واصلت أنا معه، واضطررت للتقاعد المبكر لأكون معه، وضحيت بوظيفتي وضاق بي الحال أكثر، ولكن لأجله كل شيء يهون ولله الحمد”. 
ويكمل “أرافق ابني في المدرسة من أول الصباح لنهاية الدوام الدراسي، لمساعدته في التنقل واحتياجه لدورة المياه، بسبب عدم توفير مرافق له من قبل وزارة التربية والتعليم، وللعلم فقد طالبت بتوفير مرافق ولكن بلا جدوى من أول دخوله المدرسة في الابتدائي”، مثمنا اهتمام إدارة مدرسة السهلة الابتدائية للبنين ومدرسيها الذين يعامون ابنه بكل احترام وود ويذللون له كل الصعاب.


بين ظروف العمل وواجباته لابنه
وعن الصعوبات التي واجهته وأثر التجربة، ألمح إلى أن حياته تغيرت كلها، فلم يستطع المواصلة في وظيفة واحدة بسبب عدم تعاون الشركات مع وضعه في متابعات ابنه في المستشفيات، وانعكس هذا على سوء وصعوبة الحياة، فكل متطلبات ذوي الإعاقة غالية. وأضاف “التجربة أخذت كل مجهودي ووقتي، والشركات لا تقدر، وفصلت من شركات عدة، فالوضع يتطلب أن أذهب العمل ليلاً وأعود الفجر، لأواصل بالذهاب إلى المدرسة ومرافقة ابني، حتى وافقت شركة على ذلك، ولن بشرط عدم وجود إجازات لعدم وجود من يغطي مكاني. كانت تجربة قاسية لا يصمد أمامها كثيرون، ولحظات الضعف لابد منها؛ كلما ضعفت وهزمتني الظروف، كنت أشاهد وجه ابني وأتذكر أن ضعفي ليس من صالحه، وأتزود بجرعات صبر وتحد مستمدة من إيماني بالله. فلا أجعل ابني يتضايق من حاله، بل أحفزه”.


أنا معك ما دمت على قيد الحياة
وفي ختام الحديث وجه خليل كلمة مؤثرة لابنه بالقول “ابني العزيز، أنا معك ما دمت على قيد الحياة، ولن أتخلى عنك مهما استبدت الظروف وقست، أنت بطلي وأنا أفتخر بك أمام الجميع، كنت ابنًا بارًا، أتعلم من صبرك اللامحدود وأتزود من تفاؤلك وإيجابيك في الحياة فتهون كل المعضلات، وسأكون معك حتى تحقيق كل أحلامك”.
 ووجه شكره إلى زوجته التي تحملت عبئا كبيرا، ورافقته في كل مراحل النضال من أجل ابنهما، وعلى صبرها وقوة إيمانها، كما شكر عائلته الذين اعتبرهم السند له ولابنه. وللمجتمع قال: “بكم نقوى ومعكم نستمر وتشتد عزيمتنا”.