الصحة النفسية للمرأة وتأثيرها على المجتمع
المرأة أساس الأسرة ونبض المجتمع، وشريك بنائه، وأول معلم للأبناء ومؤثر فيهم. لذلك تعد الصحة النفسية للمرأة من القضايا بالغة الأهمية في مجال الصحة العامة اليوم، لكنها ما زالت من الموضوعات التي يتم تناولها بشكل أقل مما هو مطلوب. تؤثر الصحة النفسية للمرأة بشكل كبير على المرأة نفسها، وعلى أفراد الأسرة والمجتمع عموما. ولابد من فهم التحديات النفسية الفريدة التي تواجهها النساء ومعالجتها؛ لأن العناية بالمرأة وصحتها النفسية تمثل جزءا حيويا من بناء مجتمع أكثر صحة وتوازنا.
فهم الصحة النفسية للمرأة
تشير الصحة النفسية إلى الحالة العاطفية والنفسية والاجتماعية للشخص. وهي تؤثر على كيفية تفكير الأشخاص، شعورهم، وسلوكهم، وكيفية تعاملهم مع الضغوطات، وتفاعلهم مع الآخرين، واتخاذهم القرارات. وتتأثر الصحة النفسية للمرأة بتفاعل عوامل بيولوجية، نفسية، واجتماعية.
التحديات الفريدة التي تواجه الصحة النفسية للمرأة
تعد النساء أكثر عرضة للإصابة باضطرابات الصحة النفسية مقارنة بالرجال. وتشمل بعض الحالات الأكثر شيوعا التي تؤثر على النساء الاكتئاب، القلق، واضطراب ما بعد الصدمة. ومن أبرز العوامل التي تساهم في هذا الاختلاف:
العوامل البيولوجية: تشمل هذه العوامل التغيرات المرتبطة بالدورة الشهرية، الحمل، وانقطاع الطمث، وهي فترات تؤثر بشكل كبير على الحالة النفسية للمرأة. وهناك حالات مثل اضطراب ما قبل الحيض الاكتئابي والاكتئاب ما بعد الولادة، ترتبط مباشرة بهذه التغيرات البيولوجية.
العوامل الاجتماعية والاقتصادية: الفقر، البطالة، والتمييز في مكان العمل، عوامل تزداد انتشارا بين النساء، وقد تساهم في تفاقم مشكلات الصحة النفسية. كما أن محاولة خلق التوازن بين العمل والأسرة مع متطلبات اجتماعية أخرى تضيف ضغوطات كبيرة على العديد من النساء.
العوامل النفسية والاجتماعية: العنف المنزلي، الاعتداء الجنسي، والإساءة، هي أكثر شيوعا بين النساء، ما يجعلهن أكثر عرضة للإصابة باضطرابات مثل اضطراب ما بعد الصدمة، القلق، والاكتئاب. كما أن المجتمع والمسؤوليات والتوقعات تزيد من الضغوطات وتجعل المرأة تشعر بعدم الكفاءة أو بانخفاض تقدير الذات؛ لأنها تشعر بالتقصير في حال قدمت أقل مما يتوقعه الآخرون منها.
العوامل الثقافية وعقلية المجتمع: تلعب الثقافة دورا كبيرا في تحديد الأدوار التي يفترض أن تؤديها النساء، ما يحد من فرصهن ويجعل بعض النساء يشعرن بالحصار أو بالعجز. هذه الضغوطات قد تؤدي إلى اضطرابات نفسية خصوصا عندما تشعر المرأة بعدم قدرتها على تلبية توقعات المجتمع.
اضطرابات الصحة النفسية الشائعة بين النساء
الاكتئاب: يؤثر الاكتئاب على النساء بنسبة تبلغ ضعف تأثيره على الرجال. وهو ناتج عن التأثير السلبي للعوامل الهرمونية، الاجتماعية، والنفسية. من بين الضغوطات التي تزيد من تعرض النساء للاكتئاب: مسؤوليات رعاية الأولاد والأسرة، مشكلات العلاقات، والضغوطات المتعلقة بصورة الجسم المثالية (الوزن الزائد، والرغبة في تلبية التوقعات الجمالية للزوج والمجتمع).
اضطرابات القلق: تشمل اضطراب القلق العام، اضطراب الهلع، واضطراب القلق الاجتماعي، وهي أكثر شيوعا بين النساء مقارنة بالرجال. وقد تؤدي التحديات المرتبطة بالأدوار المتعددة التي يتعين على النساء التعامل معها، إلى مستويات عالية من القلق.
اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD): يصيب اضطراب ما بعد الصدمة النساء بشكل أكبر بعد تعرضهن لأحداث صادمة، مثل العنف الجنسي وغيره. قد تشمل الآثار طويلة الأمد القلق الحاد، الاكتئاب، ومشكلات في العلاقات الشخصية.
اضطرابات الأكل: تشمل فقدان الشهية العصبي، النهام العصبي، واضطراب الشراهة في الأكل، وهي اضطرابات تؤثر بشكل رئيس على النساء. ترتبط هذه الاضطرابات بالضغوط الاجتماعية المتعلقة بصورة الجسم وقد تكون لها آثار صحية جسدية ونفسية خطيرة.
اكتئاب ما بعد الولادة: تصاب الأم الجديدة في بعض الأحيان باكتئاب ما بعد الولادة، الذي يتجلى في الحزن الشديد، القلق، والتعب. قد يؤثر هذا على تطور الطفل والأم، وربما يؤثر على ديناميات الأسرة.
التأثير الاجتماعي للصحة النفسية للمرأة
إن للحالة النفسية للمرأة تأثيرات بعيدة المدى على النسيج الاجتماعي. فعندما تصاب النساء باضطرابات نفسية، يمتد تأثيرها إلى أسرهن، أماكن عملهن، ومجتمعاتهن. ويمكن شرح التأثيرات الاجتماعية على النحو التالي:
عبء على الأسرة: النساء هن القائمات على رعاية الأطفال وكبار السن. وعندما تصاب المرأة بمرض نفسي، يتأثر أفراد الأسرة بأكملها. فالأطفال الذين يعيشون مع أمهات مصابات بأمراض واضطرابات نفسية نشطة، دون الحصول على علاج نفسي أو سلوكي أو دوائي، هن أكثر عرضة للاضطرابات العاطفية والسلوكية من غيرهن، ما يؤثر سلبا على حياتهن الأكاديمية والاجتماعية.
التأثير الاقتصادي: تؤدي الأمراض النفسية لدى النساء إلى انخفاض الإنتاجية، التغيب عن العمل، وفقدان الوظائف، ما يؤدي إلى آثار اقتصادية، تؤدي إلى تكبيد المجتمع تكاليف اقتصادية إضافية عبر زيادة تكاليف الرعاية الصحية وانخفاض الإنتاجية.
التأثير على أنظمة الرعاية الصحية: تؤدي الأمراض النفسية التي تعاني منها النساء إلى زيادة الطلب على خدمات الصحة النفسية، ما قد يؤدي إلى زيادة الضغط على القطاع الصحي في المناطق التي تكون فيها خدمات الصحة النفسية محدودة. قد يؤدي عدم الحصول على الرعاية النفسية إلى تفاقم الحالات وزيادة العبء على مقدمي الرعاية الصحية.
التأثير الاجتماعي: تؤثر الصحة النفسية للمرأة بشكل مباشر على التماسك الاجتماعي ورفاه المجتمع. إذا كانت المرأة تعاني من مشكلة نفسية، فقد تجد صعوبة في المشاركة في المجتمع، ما يؤدي إلى ضعف الروابط الاجتماعية وانخفاض مرونة المجتمع. في الحالات القصوى، قد يؤدي ذلك إلى العزلة الاجتماعية أو التشرد، إضافة إلى التأثير على الأبناء، والذي ينتج رجالا ونساء في المستقبل يعانون من اضطرابات نفسية نتيجة تأثرهم بوالدتهم، خصوصا إن لم يحصلوا على الرعاية المطلوبة، فتتأثر إنتاجيتهم وينقلون نفس المعاناة لأسرهم عند تكوين أسرة.
التأثير الممتد عبر الأجيال: يمتد التأثير ليشمل الأجيال القادمة، خصوصا في حالة الأمومة. الأطفال الذين ينشأون مع أم مصابة بمرض نفسي غير معالج قد يصابون باضطرابات نفسية في المستقبل، ما يؤدي إلى تكرار الدورة من جيل إلى جيل. لذا فإن معالجة الصحة النفسية للمرأة تعد أمرا حاسما لكسر هذه الحلقة؛ من أجل ضمان صحة نفسية أفضل للأجيال المستقبلية.
تلبية احتياجات الصحة النفسية للمرأة
تؤثر مشكلات الصحة النفسية لدى النساء بقوة على المجتمع كله. لذلك، يعد تسهيل الوصول إلى خدمات الطب النفسي، وزيادة الوعي، وتوفير بيئات داعمة، أمرا ضروريا لمعالجة هذه المشكلات.
توفير خدمات الرعاية النفسية وتسهيل الوصول إليها: إن ضمان توفير الرعاية النفسية بأسعار معقولة وفعالة أمر في غاية الأهمية لتحسين صحة المرأة النفسية. يجب توسيع خدمات الصحة النفسية في المناطق التي تعاني من نقص حاد في هذه الخدمات، وضمان تكاملها مع الخدمات الصحية الأولية. ومن الضروري تقديم رعاية حساسة ثقافيا؛ لضمان وصول الدعم المناسب للنساء من خلفيات مختلفة مع الحفاظ على خصوصيتهن وسرية معلوماتهن.
تعزيز الوعي بالصحة النفسية: رفع مستوى الوعي بشأن مشكلات الصحة النفسية لدى النساء يساعد في تقليل فكرة وصمة العار المرتبطة بزيارة الطبيب النفسي، ما يشجع المرأة على عدم التردد في طلب الرعاية النفسية، وزيارة الطبيب النفسي. يمكن تحقيق ذلك عبر الحملات الصحية العامة، البرامج التعليمية، أو حتى المبادرات المجتمعية التي تعزز الوعي بالصحة النفسية.
تعزيز البيئات الداعمة: يجب توفير بيئات تعزز الصحة النفسية للمرأة، بما في ذلك التوازن المناسب بين العمل والحياة، وبيئات عمل آمنة وداعمة، إضافة إلى تقديم الموارد للنساء اللاتي يعانين من العنف أو الإساءة. يمكن أن تساعد الشبكات الاجتماعية الداعمة في تعزيز الصحة النفسية للنساء سواء عبر الإنترنت أو عبر المنظمات النسائية على أرض الواقع.
التدخلات السياسية: للحكومة وصانعي السياسات دور كبير في تحسين الصحة النفسية للمرأة عبر سياسات تحمي حقوق النساء وتعزز المساواة بين الجنسين. مع الحرص على الحد من الفقر، وتحسين التعليم، ومنع العنف ضد النساء.
البحث وجمع البيانات: البحوث في مجال الصحة النفسية للمرأة ما زالت قليلة، ولابد من زيادتها لفهم المشكلات الخاصة بالمرأة بشكل أفضل. يجب أن يكون البحث ممثلا لمجموعات سكانية متنوعة؛ لضمان تمثيل تجارب جميع النساء.
الصحة النفسية لدى المرأة قضية حيوية تؤثر بشكل كبير على حياتها، وقد تترك آثارا سلبية على أسرتها، والمجتمع ككل. لذا ينبغي الحرص على نشر الوعي، ودعم صحة المرأة النفسية والجسدية إضافة إلى الاهتمام بتطلعاتها الجمالية ودعمها النفسي.