+A
A-

أميرة الوجداني: الوعي والتقبل وعدم الاستلام ركائز النجاح مع فرط الحركة وتشتت الانتباه

“فرط الحركة وتشتت الانتباه” مصطلح ربما صادفكم ومر دون أن يثير انتباهكم واهتمامكم، وتبادر إلى ذهنكم أنه طفل حركي لا أكثر؛ ولكنه اضطراب يمكن أن يحول حياة الأسرة إلى جحيم بكمية معاناة هائلة، فهو أحد اضطرابات النمو العصبية، ويحدث في مرحلة الطفولة، ويستمر حتى مرحلة البلوغ ومرحلة الرشد، بأشكال وأعراض مختلفة، واضطرابات مصاحبة تؤثر على حياة وسلوك الطفل. ورغم غموضه وسطوته، إلا أنه يمكن السيطرة عليه والتعايش معه وعلاجه. أميرة الوجداني من هؤلاء الذين تمكنوا من فك شفراته وتحديه وكسر غموضه والتغلب عليه؛ لتقدم أنموذجًا يحتذى به، فالوعي والتقبل الحقيقي وليس اللفظي وعدم الاستسلام، هي أسلحتها في رحلتها مع الاضطراب، حيث تعتبرهم ركائز النجاح، وتؤكد أن الجهل بالاضطراب هو سبب الخوف منه. علي الآن طفل بعمر 13 سنة، يعيش نظام حل المشكلات كما تصفها. فتعتبره مضطربا ناجحا في مشاعره وسلوكياته رغم وجود الإخفاقات التي تعتبرها من حقه، فتمنحه مساحة للإخفاق وتعطيه الحلول التي يستجيب لها. وتعتبر أي طفل مضطرب نجح في علاجه هو أكثر نجاحا من الطفل العادي. وتدعو المجتمع للتعامل مع السلوكيات الخاطئة كونها اضطرابا، وليست وصمة عار. 

كيف تم التشخيص؟

ابني علي كان مختلفًا عن إخوانه من يوم ولادته، وكوني أمًّا كنت أشعر أن هناك فرقا بينه وبين إخوته، فطريقة شربه للحليب وتقبله للأكل مختلفة عنهم، وكان عنيفًا في سلوكه، ولا أستطيع التحكم فيه وحل مشكلاته كباقي الأطفال، والمتعب والمميز أنه دائم الالتصاق والتعلق بي بطريقة غير طبيعية. وحين أسأل الأطباء يجيبون بأن هذا من شدة الذكاء، وعندما ظهرت الأعراض كان عمره تقريبًا 3 سنوات ونصف السنة، وذلك حين التحق بالحضانة، وكنت أعاني، وأراه منعزلًا، فبعد عودته من الحضانة كان صعبًا عليه التذكر وكتابة ما درسه.

هو لديه اضطراب فرط حركة، ولكن الطاغي هو الاضطراب المصاحب التحدي المعارض (ODD)، وعنده قلق شديد وكثير النسيان. هذه الأعراض هي التي قادتنا للتشخيص؛ فلم أجد حلًا لأي طريقة اتبعتها في العلاج، واكتشفت أنني أحتاج إلى شيء آخر، وهذا ما وجدته في منصة “Focus on ADHD” للأستاذة انتصار رضي، التي كانت تنشر “بوستات” توعوية، وكتبت لها على الخاص “أنت تتحدثين عن ابني فهذه مواصفاته”، وطلبت الخطوة المقبلة.

تم التشخيص في المراكز الخاصة، وكان من أدوات التشخيص اختبار أجاب عنه في المنزل، وآخر للمدرسة، فبدأ التشخيص العام باضطراب فرط نشاط حركة وتشتت الانتباه وبعدها الأعراض المصاحبة التي تختلف من شخص إلى شخص، فثلاثة أرباع العلاج هو بعلاج الأعراض المصاحبة، وهي أصعب مداخل العلاج، ويتم تشخيصها مع طبيب نفسي بمعية الأم، وتتم مراقبة الولد، ويعطى “تكنيكا” خاصا للمراقبة لمدة أسبوعين، ويتم تشخيص كل اضطراب لوحده.

ما شعورك بعد التشخيص؟

كنت أتوقع أن هناك مشكلة ما، وعندما تم التشخيص في المراكز الخاصة كان هذا بالنسبة لي جوابا على أسئلة هذا الطفل المسكين، إذ وجدنا سبب ما يعانيه، ويمكننا التعامل مع مرض محدد، وهذا منحني الثقة أننا يمكننا الوصول إلى علاج معين نفسي أو وسلوكي، فشعوري بعد التشخيص كان مختلفًا عن الآخرين، الذين يدخلون في حالة انتكاسة، فقد كنت سعيدة؛ لأنني عرفت حقيقة مشكلة ابني، وأصبحت مهمتي ودوري أن أتحمل المسؤولية وأتعرف على الاضطراب أكثر، ومن ثم البدء في العلاج في أقرب وقت دون تأخير، والحمد لله بدأت أعي أكثر وأتعرف على كامل الاضطراب.

تحدثي عن طبيعة العلاج..

لجأت للعلاج إلى جهتين، هما العيادات النفسية ومراكز تعديل السلوك، ويتضمن العلاج علاجا دوائيا وسلوكيا، فالعلاج الدوائي وحده لا يكفي، إذ إن الدواء يخفف الأعراض، وللأم الدور الرئيس في العلاج، فهي قائدة العلاج، ودون مبادرتها وتطبيقها لن ينجح. وبخصوص أنماط العلاج السلوكي، فالعلاج يبدأ من الأسرة نفسها أو ما نسميه التعديل الأسري، بعدها تؤخذ كل مشكلة لوحدها وتتم معالجتها. ومن المهم في العلاج السلوكي أن الطفل يكون واعيا بأن لديه اضطرابا، وكل ما يواجهه من مشكلات هي بسبب هذا الاضطراب، ويكون هناك تعاون بين الأم والاختصاصية في العلاج، وهذا يتطلب أيضا تعاون الأسرة ووعي الطفل وإخوته وتوزيع المهام. هو ما يمكن أن نسميه نظاما منزليا نموذجيا يعده الاختصاصي، ولا يكون اجتهادات شخصية.

والنتائج كانت دائما إيجابية، إذ كان الولد يستجيب إلى العلاج ويحقق نجاحا، ويتأقلم مع أي مشكلة، ويستجيب إلى العلاج السلوكي، فيسمع ويستجيب لطرق الحلول، فأصبح طفلا بعمر 13 سنة يعيش نظام حل المشكلات.

تحدثي عن تجربته في الدراسة..

بحكم أنه طفل لديه عسر قراءة وصعوبات تعلم، فأكبر تحد واجهته معه كان في المدرسة؛ لأنني لن أكون معه لأطبق البرنامج العلاجي، ولكل مدرسة قوانينها؛ ولكن تم تشخيصه من وزارة التربية والتعليم كطفل صعوبات تعلم، وأعدوا تقريرا وافيا عنه، والمدرسة كانت متعاونة، والإدارة وفرت له كل ما يحتاجه ضمن حقوقه وقوانين المدرسة؛ كونه في مدرسة خاصة. لم يعاتبوه أو يشعرونه بالنقص، وإذا كانت درجاته متدنية فهي ليست المقياس الخاص به، ولكننا لا نستسلم، وهو يلقى الدعم المطلوب. والتوصيات كانت واضحة جدًا من الطب النفسي ووزارة التربية، والتطبيق عملية مشتركة بين المدرسة وعلينا في الأسرة.

هل تعرض ابنك للتنمر؟

نعم، كثيرًا ما كان يتعرض للتنمر من الصغار والكبار، من الطلبة إلى المعلمين، تنمر لفظي مثل أنت غبي “أنت ما تفهم”، ومازال يتعرض له وأكون محبطة، كأن أن تعيره بعض المعلمات على درجاته رغم أنه يعاني من صعوبات تعلم وهذه قدراته المتعارفة، وكان يصارحني دائما، فهو طفل صريح وصادق ويعترف بالخطأ ويطلب المساعدة.

لم أستغرق في مشكلة التنمر، وعلمناه على التحكم بعواطفه، وبالعلاج السلوكي أصبح قادرًا على كسب الأصدقاء وفرض حب الناس. أصبح طفلًا لديه أصدقاء، فمواجهة التنمر تحتاج إلى علاج نفسي وسلوكي للتصرف مع أي سلوك أو كلمة، فعندما يقال له “يا غبي”، يجيبهم بأنه ليس غبيا، وليس من حقك قول هذا الكلام، وسألجأ إلى القوانين في المرات المقبلة.

 

ما الصعوبات التي واجهتك؟

التقبل هو أهم الصعوبات، تقبل الناس له وتقبل المجتمع وتقبل إخفاقاته في الأسرة. واجهنا هذه الصعوبات بالوعي، واحتضناه واستوعبناه، وهذا التقبل كان سببًا في تقدمه، وكل الصعوبة في تقبل المجتمع، إذ يوصف بألفاظ غير لائقة ويظلم وتسلب منه حقوقه، وشخصيًا أعتبر أي طفل مضطرب نجح في علاجه أنجح من الطفل العادي، ومع دخوله في فترة المراهقة كنت مدركة للاضطراب في الطفل المراهق، وأتوقع له أن يكون شابا ناجحًا متحكمًا في عواطفه وأفكاره. فأعتبره مضطربا ناجحا في مشاعره وسلوكياته، وإن كان هناك إخفاق فمن حقه أن يكون عنده إخفاقات، ولابد أن نمنحه مساحة للإخفاق، ونعطيه طريقة للحل وهو يستجيب تماما بشهادة الأطباء والمدرسين.

هل شعرت بلحظات ضعف؟

لا توجد أم لطفل يعاني من هذا الاضطراب لم تعش لحظات ضعف، ولكنني لا أستسلم بسرعة، ودائما ما تكون الرغبة عندي في الخروج من هذه اللحظات ولا أستغرق فيها. الضعف يكون مع أم غير واعية لهذا الاضطراب، فعندي طفل مضطرب، وأنا كنت جاهلة به، وهذه كانت من أسوا لحظات الضعف، فقبل التشخيص عشت لحظات ضعف وإحباط، ولكن بعد التشخيص أصبح كل شيء واضحا.

ماذا أضافت لك التجربة؟

أضافت لي الكثير، فقد صقلت الأمومة عندي وجعلتني أمًا أقوى بكثير؛ لأن وجود طفل مضطرب في البيت ليس أمرًا سهلًا، فمهمتك تعزيز الثقة عنده وتبديد شعور الاختلاف، فأنت تتعاملين مع طفل محبط ويرى نفسه أقل من أقرانه، وتثبتين له أنه مع هذا الاضطراب لا يختلف عن الآخرين.

ما رسالتك للمجتمع والعوائل؟

لعوائل الاضطراب أقول إنه لابد من زيادة وعيهم بالاضطراب الموجود، فخوفهم بسبب جهلهم بالاضطراب، وكلما تعرفوا على الاضطراب أكثر، كلما قل خوفهم، وخطواتهم للعلاج تتقدم.

وعلى أفراد المجتمع بكل فئاتهم أن يتقبلوا المضطربين الموجودين معهم لا أن ينفروا منهم، وإذا واجهوا سلوكيات خاطئة منهم يتقبلون حالهم كاضطراب وليس عارا.