+A
A-

الدجاجات المغامرات

في‭ ‬قريةٍ‭ ‬صغيرةٍ‭ ‬على‭ ‬ضفاف‭ ‬نهر‭ ‬جميل،‭ ‬كانت‭ ‬تسكن‭ ‬أربع‭ ‬دجاجات‭ ‬في‭ ‬حظيرة‭ ‬جميلة‭ ‬يرعاها‭ ‬رجل‭ ‬مسن،‭ ‬يفتح‭ ‬لهن‭ ‬باب‭ ‬الحظيرة‭ ‬كل‭ ‬صباح‭ ‬ويقدم‭ ‬لهن‭ ‬الطعام‭ ‬والماء‭ ‬ويقوم‭ ‬بتنظيف‭ ‬قن‭ ‬الدجاج‭ ‬وجمع‭ ‬البيض،‭ ‬ويعاود‭ ‬إدخالهن‭ ‬إلى‭ ‬الحظيرة‭ ‬عند‭ ‬الظهيرة‭ ‬مراعيًا‭ ‬ألا‭ ‬تصيبهن‭ ‬حرارة‭ ‬الشمس‭ ‬الساطعة،‭ ‬ويعود‭ ‬أدراجه‭ ‬إلى‭ ‬منزله‭ ‬الذي‭ ‬يبعد‭ ‬عنهن‭ ‬بأمتار‭ ‬قليلة‭.‬

 

ذات‭ ‬صباح‭ ‬استيقظ‭ ‬الرجل‭ ‬المسن‭ ‬كعادته‭ ‬وتوجه‭ ‬لرعاية‭ ‬دجاجاته،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬وجد‭ ‬باب‭ ‬الحظيرة‭ ‬مفتوحًا،‭ ‬والحظيرة‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬الدجاج‭! ‬فهرول‭ ‬مسرعًا‭ ‬إلى‭ ‬الجدول‭ ‬المحاذي‭ ‬لمنزله‭ ‬الصغير‭ ‬يتفقدهن،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يراهن‭ ‬ولم‭ ‬يسمع‭ ‬لهن‭ ‬صوتًا،‭ ‬وظل‭ ‬يبحث‭ ‬طوال‭ ‬النهار‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬لهن‭ ‬أثرًا،‭ ‬فعاد‭ ‬أدراجه‭ ‬إلى‭ ‬المنزل‭ ‬حزينًا‭ ‬لفقد‭ ‬دجاجاته‭ ‬الأربع‭.‬

 

لم‭ ‬يكن‭ ‬يعلم‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬الطيب،‭ ‬بأن‭ ‬الدجاجات‭ ‬الأربع‭ ‬قد‭ ‬قررن‭ ‬أن‭ ‬يهربن‭ ‬من‭ ‬الحظيرة،‭ ‬عندما‭ ‬جاءت‭ ‬الفكرة‭ ‬في‭ ‬رأس‭ ‬إحداهن‭ ‬قائلة‭: ‬لم‭ ‬يحبسنا‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المكان؟‭ ‬وقالت‭ ‬الأخرى‭: ‬إن‭ ‬العالم‭ ‬أرحب‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬حظيرة‭! ‬وتناولت‭ ‬الثالثة‭ ‬الحديث‭ ‬قائلة‭: ‬أخبرني‭ ‬عصفورٌ‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬بأن‭ ‬في‭ ‬طرف‭ ‬هذه‭ ‬القرية‭ ‬تبدأ‭ ‬مدينة‭ ‬كبيرة‭ ‬بها‭ ‬عالم‭ ‬جميل‭ ‬وبديع‭ ‬به‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدود‭ ‬والثمر‭. ‬ختمتها‭ ‬الدجاجة‭ ‬الرابعة‭ ‬بقولها‭: ‬دعونا‭ ‬نهرب‭ ‬من‭ ‬الحظيرة‭ ‬فجر‭ ‬اليوم‭ ‬لنرى‭ ‬الحياة‭ ‬الجديدة‭.‬

 

وصلت‭ ‬الدجاجات‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‭ ‬المذكورة‭ ‬وسط‭ ‬تعب‭ ‬وإرهاق‭ ‬وجوع‭ ‬شديد،‭ ‬أخذت‭ ‬دجاجة‭ ‬تتلفت‭ ‬يمينًا‭ ‬يسارًا‭ ‬لعلها‭ ‬تجد‭ ‬ما‭ ‬يسد‭ ‬جوعها،‭ ‬وجدت‭ ‬حبة‭ ‬قمح‭ ‬فأسرعت‭ ‬لالتقاطها‭ ‬وإذا‭ ‬بالدجاجات‭ ‬من‭ ‬خلفها‭ ‬تتعالى‭ ‬أصواتهن‭: ‬حاذري‭ ‬حاذري‭.. ‬ارجعي‭ ‬ارجعي‭! ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬الأخيرة‭ ‬رجعت‭ ‬لتجد‭ ‬بأن‭ ‬سيارة‭ ‬مسرعة‭ ‬كادت‭ ‬أن‭ ‬تصطدم‭ ‬بها‭! ‬ما‭ ‬هذا‭ ‬الشيء‭ ‬السريع‭ ‬الخاطف؟‭! ‬قالت‭ ‬الدجاجة،‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬نرى‭ ‬مثله‭ ‬في‭ ‬حظيرتنا‭ ‬الوادعة‭! ‬

 

قررت‭ ‬الدجاجات‭ ‬أن‭ ‬يذهبن‭ ‬لمكان‭ ‬آخر‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬الطعام،‭ ‬والجوع‭ ‬قد‭ ‬فتك‭ ‬بهن،‭ ‬وجدن‭ ‬أنفسهن‭ ‬في‭ ‬حديقة‭ ‬مأهولة‭ ‬بالناس،‭ ‬والأطفال‭ ‬يطاردونهن‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬ثم‭ ‬قفز‭ ‬أحد‭ ‬الأطفال‭ ‬وأمسك‭ ‬بإحداهن‭ ‬فهربت‭ ‬باقي‭ ‬الدجاجات‭ ‬وجعلن‭ ‬ينظرن‭ ‬إلى‭ ‬صديقتهن‭ ‬بحزن‭ ‬شديد‭.‬

 

أخذ‭ ‬الطفل‭ ‬الدجاجة‭ ‬وتوجه‭ ‬لوالديه‭ ‬اللذين‭ ‬اندهشا‭ ‬لوجود‭ ‬دجاجة‭ ‬في‭ ‬الحديقة،‭ ‬قال‭ ‬الأب‭: ‬الدجاج‭ ‬لا‭ ‬يتجول‭ ‬في‭ ‬المتنزه،‭ ‬الدجاج‭ ‬يسكن‭ ‬القن،‭ ‬كيف‭ ‬لدجاجة‭ ‬أن‭ ‬تأتي‭ ‬إلى‭ ‬المتنزه،‭ ‬دعونا‭ ‬نأخذها‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬وقد‭ ‬تطهو‭ ‬لنا‭ ‬أمك‭ ‬طبقًا‭ ‬لذيذًا‭ ‬بها‭.‬

 

خافت‭ ‬الدجاجة‭ ‬وبدأت‭ ‬بالصراخ‭ ‬كاكاكاكااااك،‭ ‬وحاولت‭ ‬أن‭ ‬تفلت‭ ‬من‭ ‬قبضة‭ ‬الأب،‭ ‬سمعت‭ ‬صديقاتها‭ ‬الصراخ‭ ‬فجئن‭ ‬يستطلعن‭ ‬الأمر،‭ ‬واتفقن‭ ‬أن‭ ‬يحدثن‭ ‬فوضى‭ ‬لكي‭ ‬تفلت‭ ‬الدجاجة‭ ‬من‭ ‬يد‭ ‬الأب،‭ ‬وبالفعل‭ ‬انشغل‭ ‬الأب‭ ‬بمنظر‭ ‬الدجاجات‭ ‬اللاتي‭ ‬يصرخن‭ ‬ويحدثن‭ ‬الفوضى‭ ‬وفلتت‭ ‬الدجاجة‭ ‬من‭ ‬يده‭.‬

 

ركضت‭ ‬الدجاجات‭ ‬في‭ ‬سرعة‭ ‬بالغة‭ ‬إلى‭ ‬زاوية‭ ‬من‭ ‬زوايا‭ ‬المدينة‭ ‬وقد‭ ‬أنهكهن‭ ‬التعب،‭ ‬وبينما‭ ‬هن‭ ‬يسترحن‭ ‬من‭ ‬عناء‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة،‭ ‬قالت‭ ‬إحدى‭ ‬الدجاجات‭: ‬ليتنا‭ ‬لم‭ ‬نغادر‭ ‬الحظيرة‭! ‬قالت‭ ‬الأخرى‭: ‬أنا‭ ‬جائعة‭ ‬لم‭ ‬آكل‭ ‬شيئًا‭ ‬منذ‭ ‬فجر‭ ‬اليوم،‭ ‬صرخت‭ ‬الثالثة‭ ‬اهربن‭ ‬اهربن‭! ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬تفكير‭ ‬ركضت‭ ‬الدجاجات‭ ‬بأسرع‭ ‬ما‭ ‬لديهن‭ ‬من‭ ‬سرعة‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬قط‭ ‬كبير‭ ‬الحجم‭ ‬يتربص‭ ‬بهن‭.‬

 

آه‭ ‬رأسي‭ ‬يؤلمني‭.. ‬فلا‭ ‬طعام‭ ‬ولا‭ ‬مأوى‭ ‬ولا‭ ‬راحة‭. ‬هكذا‭ ‬عبرت‭ ‬دجاجة‭ ‬من‭ ‬الدجاجات‭ ‬عما‭ ‬تعانيه،‭ ‬فقالت‭ ‬أخرى‭: ‬دعونا‭ ‬نرجع‭ ‬أدراجنا‭ ‬إلى‭ ‬القرية‭ ‬حيث‭ ‬الرجل‭ ‬المسن‭ ‬الذي‭ ‬يرعانا‭ ‬ويهتم‭ ‬بنا‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬مقابل‭ ‬بضع‭ ‬بيضات،‭ ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬فكرة‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬رأس‭ ‬الدجاجات‭ ‬الأربع‭ ‬التي‭ ‬خجلن‭ ‬أن‭ ‬يقلنها‭ ‬خوفًا‭ ‬من‭ ‬اللوم‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يتلقينه‭ ‬من‭ ‬الأخريات‭.‬

 

مع‭ ‬أفول‭ ‬شمس‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬رجعت‭ ‬الدجاجات‭ ‬يجرنّ‭ ‬أذيال‭ ‬التعب‭ ‬والخيبة‭ ‬إلى‭ ‬القن‭ ‬المتواضع،‭ ‬حيث‭ ‬وجدن‭ ‬آنية‭ ‬الماء‭ ‬وبجانبها‭ ‬آنية‭ ‬الطعام،‭ ‬فتراكضن‭ ‬نحوهما‭ ‬في‭ ‬عراك‭ ‬لطيف،‭ ‬وأحدث‭ ‬تسابقهن‭ ‬على‭ ‬الماء‭ ‬والطعام‭ ‬صوتا‭ ‬مسموعا،‭ ‬فخرج‭ ‬الرجل‭ ‬المسن‭ ‬مهرولًا،‭ ‬وابتسم‭ ‬عندما‭ ‬رآهن‭ ‬وتنهد‭ ‬تنهيدة‭ ‬طويلة‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يعلم‭ ‬ما‭ ‬دار‭ ‬لهن‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الصباح،‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬اطمأن‭ ‬له‭ ‬هو‭ ‬عودتهن‭ ‬إلى‭ ‬الحظيرة‭ ‬بذات‭ ‬الاطمئنان‭ ‬الذي‭ ‬لدى‭ ‬الدجاجات‭ ‬المغامرات‭.‬

 

همست‭ ‬إحداهن‭ ‬قبل‭ ‬النوم‭ ‬قائلة‭: "‬الوطن‭ ‬هو‭ ‬الأمان‭ ‬والدفء‭"‬،‭ ‬قالت‭ ‬أخرى‭: "‬نعم،‭ ‬الوطن‭ ‬هو‭ ‬المأوى،‭ ‬ولن‭ ‬أفكر‭ ‬مطلقًا‭ ‬أن‭ ‬أبتعد‭ ‬عن‭ ‬القن‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭"‬،‭ ‬همهمت‭ ‬الأخريات‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬موافقتهن‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الحديث‭ ‬وغططن‭ ‬جميعهن‭ ‬في‭ ‬نومٍ‭ ‬عميق‭.‬