+A
A-

أنا أفعلها

بطلنا‭ ‬محمد‭.. ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬صغيرا‭ ‬يحلم‭ ‬بدراجة‭ ‬حمراء‭ ‬مميزة‭ ‬ذات‭ ‬عجلتين‭ ‬براقتين،‭ ‬ينطلق‭ ‬بها‭ ‬يتسابق‭ ‬مع‭ ‬الرياح،‭ ‬كان‭ ‬يرى‭ ‬الفتيان‭ ‬في‭ ‬الحديقة‭ ‬يلعبون‭ ‬بدراجاتهم‭ ‬وهو‭ ‬وحيد‭ ‬مع‭ ‬كرته‭. ‬وفي‭ ‬يوم‭ ‬ميلاده‭ ‬جلب‭ ‬له‭ ‬أبواه‭ ‬الدراجة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يحلم‭ ‬بها،‭ ‬حمراء‭ ‬اللون‭ ‬وعجلاتها‭ ‬رائعة‭ ‬تبرق‭ ‬مع‭ ‬أشعة‭ ‬الشمس‭.‬

 

كانت‭ ‬سعادته‭ ‬لا‭ ‬توصف‭ ‬بها‭ ‬وكم‭ ‬زادت‭ ‬أكثر‭ ‬عندما‭ ‬فتح‭ ‬هدية‭ ‬إخوته،‭ ‬أهدته‭ ‬أخته‭ ‬الكبرى‭ ‬خوذة‭ ‬لحماية‭ ‬الرأس،‭ ‬وأخوه‭ ‬كانت‭ ‬هديته‭ ‬كتاب‭ ‬تعليم‭ ‬قيادة‭ ‬الدراجة‭. ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬قضى‭ ‬محمد‭ ‬يومه‭ ‬في‭ ‬التدرب‭ ‬على‭ ‬قيادة‭ ‬الدراجة‭ ‬في‭ ‬مخيلته،‭ ‬قرأ‭ ‬كتاب‭ ‬التعليمات‭ ‬جيدا،‭ ‬كانت‭ ‬سهلة‭ ‬جدا،‭ ‬في‭ ‬المساء‭ ‬نام‭ ‬والحماس‭ ‬يأخذه‭ ‬بعيدا،‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬نومه‭ ‬يقود‭ ‬الدراجة‭ ‬وينطلق‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭.‬

 

في‭ ‬الصباح‭ ‬الباكر‭ ‬استيقض‭ ‬محمد،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬ارتدى‭ ‬ملابسه‭ ‬وحمل‭ ‬خوذته‭ ‬وانطلق‭ ‬إلى‭ ‬الحديقة‭. ‬وقف‭ ‬محمد‭ ‬ينظر‭ ‬في‭ ‬ناحية‭ ‬المسار‭ ‬المخصص‭ ‬إلى‭ ‬الدراجات‭ ‬ركب‭ ‬الدراجة‭ ‬وانطلق‭... ‬كانت‭ ‬حركته‭ ‬بمقدار‭ ‬خمس‭ ‬خطوات‭ ‬حتى‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬وركبته‭ ‬مجروحة‭.‬

تألم‭ ‬محمد‭ ‬وحزن‭ ‬وقال‭ ‬لنفسه‭: ‬ماذا‭ ‬حدث‭ ‬يا‭ ‬ترى؟‭ ‬لقد‭ ‬تدربت‭ ‬جيدا‭ ‬وقرأت‭ ‬جميع‭ ‬التعليمات‭.. ‬وقف‭ ‬محمد‭ ‬مجددا‭ ‬وحاول‭ ‬أن‭ ‬يسير‭ ‬بالدراجة‭ ‬أكثر‭ ‬ولكنه‭ ‬كان‭ ‬يخفق‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬ويسقط‭ ‬على‭ ‬الأرض‭. ‬

 

استسلم‭ ‬محمد‭ ‬من‭ ‬المحاولات‭ ‬ورجع‭ ‬إلى‭ ‬المنزل‭ ‬حزينا‭ ‬يسحب‭ ‬دراجته‭ ‬بقربه‭. ‬دخل‭ ‬إلى‭ ‬المنزل‭ ‬شارد‭ ‬الذهن‭ ‬وحبس‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬غرفته‭ ‬وهو‭ ‬يفكر‭ ‬فيما‭ ‬حدث‭.‬

 

أحس‭ ‬والد‭ ‬محمد‭ ‬بخيبته‭ ‬البالغة،‭ ‬ذهب‭ ‬إليه‭ ‬محاولا‭ ‬تشجيعه‭ ‬والتخفيف‭ ‬عنه‭.‬

 

عندما‭ ‬شاهد‭ ‬محمد‭ ‬والده‭ ‬داخلا‭ ‬إليه‭ ‬وهو‭ ‬يبتسم‭ ‬قال‭ ‬له‭ ‬مسرعا‭: ‬لقد‭ ‬حاولت‭ ‬يا‭ ‬أبي‭ ‬كثيرا‭ ‬وتوقعت‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬سهلا‭ ‬جدا‭ ‬ولكنني‭ ‬لم‭ ‬أستطع‭ ‬التقدم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمس‭ ‬خطوات‭. ‬أخبره‭ ‬والده‭ ‬مازحا‭: ‬وهل‭ ‬تتوقع‭ ‬يا‭ ‬ولدي‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬يولد‭ ‬وهو‭ ‬يعرف‭ ‬كل‭ ‬شيء؟‭ ‬هل‭ ‬نسيت‭ ‬كيف‭ ‬كنت‭ ‬تغضب‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬مقدرتك‭ ‬على‭ ‬ربط‭ ‬حذائك‭ ‬الرياضي؟‭ ‬وكم‭ ‬كنت‭ ‬تتساءل‭ ‬كيف‭ ‬يحفظ‭ ‬زميلك‭ ‬علي‭ ‬جدول‭ ‬الضرب‭ ‬وأنت‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬ذلك؟

‭ ‬ماذا‭ ‬فعلت‭ ‬يا‭ ‬محمد‭ ‬حينها؟

‭ ‬أجاب‭ ‬محمد‭: ‬لقد‭ ‬حاولت‭ ‬كثيرا‭ ‬حتى‭ ‬تعلمت‭ ‬ربط‭ ‬حذائي،‭ ‬وكررت‭ ‬تصحيح‭ ‬أخطائي‭ ‬في‭ ‬جدول‭ ‬الضرب‭ ‬مرارا‭ ‬حتى‭ ‬حفظته‭ ‬جيدا‭.‬

 

ابتسم‭ ‬الأب‭ ‬وهو‭ ‬يقرص‭ ‬خد‭ ‬محمد‭: ‬إذًا‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬تحاول‭ ‬تخيل‭ ‬فقط‭ ‬أنك‭ ‬تفعلها‭ ‬بطريقة‭ ‬صحيحة‭ ‬وستفعلها‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭.‬

 

بعد‭ ‬أسبوع‭ ‬من‭ ‬المحاولات‭ ‬والسقطات‭ ‬المؤلمة‭ ‬أصبح‭ ‬محمد‭ ‬يستطيع‭ ‬قيادته‭ ‬الدراجة‭ ‬بنجاح،‭ ‬ذهب‭ ‬والد‭ ‬محمد‭ ‬إلى‭ ‬الحديقة‭ ‬ليشاهده‭ ‬وهو‭ ‬يتدرب‭. ‬عندما‭ ‬شاهد‭ ‬محمد‭ ‬والده‭ ‬يقترب‭ ‬منه‭ ‬انطلق‭ ‬بدراجته‭ ‬مسرعا‭ ‬وهو‭ ‬يردد‭: ‬أبي‭ ‬انظر‭ ‬أنا‭ ‬أفعلها‭.. ‬أنا‭ ‬أفعلها‭.‬