+A
A-

الفنان محمد ياسين

حتى‭ ‬اليوم،‭ ‬لا‭ ‬غرابة‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬شخصيات‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬خصوصًا‭ ‬ودول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬والعالم‭ ‬العربي‭ ‬عمومًا،‭ ‬يعتبرون‭ ‬الفنان‭ ‬محمد‭ ‬ياسين‭ ‬مثلًا‭ ‬أعلى‭ ‬وقدوة‭.. ‬هو‭ ‬الجد،‭ ‬لشريحة‭ ‬منهم،‭ ‬وهو‭ ‬الوالد‭ ‬لشريحة‭ ‬أخرى‭ ‬وهو‭ ‬الأخ‭ ‬الأكبر‭ ‬لشريحة‭ ‬ثالثة،‭ ‬فشخصية‭ "‬بابا‭ ‬ياسين‭" ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مجرد‭ ‬شخصية‭ ‬تحكي‭ ‬للأطفال‭ ‬الحكايات‭ ‬وتلتقي‭ ‬بهم‭ ‬أيام‭ ‬السبعينات‭ ‬لتسعدهم‭ ‬وتقدم‭ ‬لهم‭ ‬المعلومات‭ ‬والثقافة‭ ‬والقيم‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والدينية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬معلم‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬قلوب‭ ‬الكثيرين،‭ ‬وتاليًا،‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬تلفزيونية‭ ‬مستمرة‭ ‬حتى‭ ‬اليوم،‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬مسلسل‭ ‬الشقيقين‭ ‬شعبان‭ ‬ورمضان‭ ‬ومسلسل‭ "‬اشحفان‭" ‬وبرامج‭ ‬الأطفال‭ ‬التلفزيونية‭ ‬والمسرحيات‭ ‬والأعمال‭ ‬الدرامية‭ ‬البحرينية‭ ‬والخليجية،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الفنان‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬البيوت‭ ‬كرمز‭ ‬للقيم‭ ‬النبيلة،‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬يواصل‭ ‬مسيرته‭ ‬وطموحه‭.‬

كان‭ ‬الأطفال‭ ‬يسألون‭: ‬انت‭ ‬تشوفنا؟‭ ‬وأقول‭: ‬أشوفكم‭ ‬بقلبي

كان السؤال الأول الذي وجهته "أجيال البلاد" للفنان الوالد والأخ والجد والمبدع والمربي والمعلم محمد ياسين: ‭"‬ما‭ ‬السر‭ ‬يا‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بابا‭ ‬ياسين‭ ‬قريبًا‭ ‬من‭ ‬الصغار‭ ‬والكبار‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬مرور‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬من‭ ‬جيلين‭ ‬أو‭ ‬ثلاثة؟

فيجيب بالقول: ذلك الزمن إذا أسموه زمن الطيبين، فهو فعلًا زمن الطيبين، وهو الزمن الذي ربينا فيه جيلًا على ما ورثناه من أجدادنا وآبائنا وأمهاتنا، في فترة السيتينات على سبيل المثال، حينما بدأت عملي معلما في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتحديدًا منذ العام 1964، جمعت بين التعليم والعمل في الإذاعة والتلفزيون، وكانت الساحة آنذاك مهيئة فلم تكن تجد الكثير من الفنانين والإعلاميين ومقدمي البرامج، ولم تكن التكنولوجيا في ذلك العهد تشغل الأطفال والناشئة والشباب كما هو الوضع اليوم، ولم يكن الحال كما هو حال اليوم حيث انشغال الآباء والأمهات والأسرة بالأجهزة اللوحية.

 

ثمة‭ ‬ركائز‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬هي‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬نجاح‭ ‬العمل‭ ‬التلفزيوني‭ ‬والإذاعي،‭ ‬ربما‭ ‬لديك‭ ‬إجابة؟

نعم التلفزيون في تلك الحقبة، وكذلك الإذاعة، كانا مهمين في الحياة اليومية، فهذان الجهازان كانا مساعدين للأسرة والمدرسة والإعلام والمجتمع... أستطيع القول إن هذه الأطراف كانت كلها في دائرة واحدة بالتعاون والاستفادة والدافع الوحيد هو تنشئة عيالنا تنشئة تصقل شخصياتهم ليكونوا رجال ونساء المستقبل بالقيم والعلم والأخلاق والتسلح بالمثل العليا، ولم يكن الدافع المادي موجودًا بصراحة، وكان التعاون واضحًا دون تراخ حسب تجربتي الواقعية الطويلة، فالمنهج كان متفقًا عليه وهو التنشئة الطيبة في المنزل بتوجيه من الأب والأم والأهل بل حتى الجيران كانوا يقفون مع بعضهم البعض لتعليم أبناء جيرانهم وتربيتهم وكذلك المدارس والمدرسين، أضف إلى ذلك الاحترام والتشوق لخدمة المجتمع، وبالنسبة لي كان ظهوري في تلفزيون أبوظبي بالعام 1972 تجربة أعتز بها لأنني وجدت الكثيرين صغارًا وكبارًا ينتظرون حضوري لذلك استقطب البرنامج كل البيوت، فقد شعروا بأنهم لا يلتقون عبر الشاشة بمقدم برامج، بل هي لحظات للجلوس مع أب وأخ ومربٍ ومعلم يعيش داخل الأسرة وكون علاقة مع أفرادها خصوصًا الأطفال، وبنيت علاقة قوية مع هذه الشريحة وهم يتذكروني حتى اليوم.

 

مقدمة‭ "‬بابا‭ ‬ياسين‭" ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬يخرج‭ ‬فيها‭ ‬يطالب‭ ‬المشاهد،‭ ‬خصوصًا‭ ‬الأطفال،‭ ‬بلزمة‭.. ‬عبارات‭ ‬خاصة،‭ ‬ما‭ ‬أثرها؟

حين أقول "عيالي الحلوين" حال بدء البرنامج وأنا أوجه كلامي للأطفال وأقول "ابتعدوا شوي عن الشاشة.. أي انت بعد يبه.. بعد.. أيوه.. بعد شوي..اي تمام"، فكانوا يشعرون بأنني معهم ولذلك يسألونني آنذاك "بابا انت تشوفنا من التلفزيون؟"، وأنا أجيب وأقول لهم "نعم أشوفكم بقلبي".

لابد من أن نستدرك لنقول إن الوقت تغير، فالجيل مختلف ومناهج التربية والتعليم مختلفة، ومنتجات ومواد الإعلام مختلفة، فلكل زمان دولة ورجال، وتستمر الحياة وفق ذلك وتتطور ولهذا لنتحدث عن مسلسل "افتح يا سمسم"، في جزئية الأول والثاني، ثم الثالث الذي لم ير النور مع أن الجزء الثالث استخدمت فيه تقنيات حديثة للغاية وواكبنا التكنولوجيا الحديثة فيه، أقول إن هذا العمل كان مبنيا على القناعة والإيمان بالنجاح في أن نعمل بنفس طويل من أجل أن نقدم عملًا كبيرًا يبقى أثره، ما أردت قوله إن النفس الطويل ليس موجودًا اليوم، فلا يوجد من يريد أن يوظف التلفزيون والإذاعة لكي يغرس ما يلزم من مفاهيم وقيم راقية.. حين نتذكر بابا ياسين في تلفزيون أبوظبي، وبابا حطاب في تلفزيون أرامكو، وماما أنيسة في تلفزيون الكويت، فإننا أمام نماذج لها نفس طويل في الصبر والإقدام والإصرار على العمل في كل الظروف دون النظر إلى جوانب مالية أو ما سواها.

في المقام الأول النظر للرسالة التي يوجهونها للناس، وليس هناك اهتمام بالمادة في الدرجة الأولى، ونجحنا ولله الحمد، وأكرر، في البحرين ودول الخليج وكل الدول العربية، نلتقي بكبار الشخصيات والمسؤولين الذي نفخر بأنهم أبناء وإخوة لنا ومنهم ضباط وجنود ومهندسون وأطباء ومحامون كانوا، منذ ذلك الحين، وحى الآن، معنا على قلب واحد، واليوم التكنولوجيا بكل أهميتها كنعمة عظيمة، أخذت الأطفال والأسر وانشغل الناس، لكن بالإمكان توظيفها من خلال الخطط التعليمية والإعلامية لكل تعطي مدخلات ومخرجات تسهم في تنمية المجتمع في كل المجالات.

 

يمثل‭ ‬مسلسل‭ ‬افتح‭ ‬يا‭ ‬سمسم‭ ‬حالة‭ ‬مميزة‭ ‬جدًا‭ ‬وفريدة‭.. ‬ماذا‭ ‬في‭ ‬كواليسه؟

افتح يا سمسم كان برنامجًا تربويًا تعليميًا بمعنى الكلمة، ولم يتم إنتاجه عبثًا أو تسرعًا، بل عملت دول الخليج من خلال مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك بتعاون كبير بعد أن استلهموا الفكرة من البرنامج الأميركي "سيسمي ستريت"، ووضعوه في قالب عربي وجمعوا له نخبة الكتاب والإعلاميين والمتخصصين والتربويين وفتحوا لهم المجال لأن يقدموا أفكارهم ونتاجهم الموجه للطفل والأسرة، وكنت في تلك الفترة ممثلًا عن دولة الإمارات العربية المتحدة وحضرت اجتماعات الإعداد في دولة الكويت، وبعد أن تم إعداد حلقتين من البرنامج كتجربتين، أخضع المسؤولين هاتين الحلقتين للفحص والتدقيق والتقييم من جانب الكتاب والتربويين والإعلاميين والفنانين وتم تقييمهما وإضافة التعديلات عليهما حتى وصلتا إلى الصيغة الجاهزة والخطة الكاملة للانطلاق.

 

هل‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تتكرر‭ ‬تجربة‭ ‬افتح‭ ‬يا‭ ‬سمسم‭ ‬بكل‭ ‬نجاحها؟

مسلسل "افتح يا سمسم" كلف 12 مليون دينار كويتي وشاركت فيه كل دول الخليج، ونقف هنا لحظة، فحينما تجتمع دول مجلس التعاون على تنفيذ مشروع ضخم كهذا البرنامج وتوفر له الميزانيات الضخمة، فإن نجاحه مؤكد دون شك، ودعني أقول إن بالإمكان الاستمرار وإنتاج مزيد من البرامج المتميزة الكبيرة، لكن نظرة المسؤولين تغيرت سواء في مجالات التربية والتلفزيون والإعلام والفن والخلط بين السياسة والاجتماع والإبداع وهذه كلها ربكة تقتل التميز.. نعم بالإمكان إنتاج ما يشبه افتح ياسمسم بكل نجاحه وأكثر وأكبر.

 

مازلت‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬محاطًا‭ ‬بالصغار‭ ‬والكبار‭.. ‬نراك‭ ‬في‭ ‬فعاليات‭ ‬كثيرة،‭ ‬قبل‭ ‬الجائحة‭ ‬بالطبع،‭ ‬ولا‭ ‬نستطيع‭ ‬الوصول‭ ‬إليك‭ ‬للسلام‭ ‬إلا‭ ‬بصعوبة‭.. ‬ما‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجو‭ ‬من‭ ‬المحبة؟

حب الأطفال في الحقيقة يسري في دمي، وهذه رسالتي في الحياة، وكم يسعدني أنني اليوم أرى جيلًا مثقفًا متعلمًا من البحرينيين.. في كل مجالات المعرفة والعلم يذكرونني ويقدرونني ويحبونني ويكشفون لي أن هذه العلاقة لأن "بابا ياسين" علمنا الدين والسنع والأدب والمعرفة وعلمنا أن نعيش في مقام إنساني راق، نحب بلادنا وأهلنا ونحب رب العالمين قبل كل شيء، وحتى الآباء والأمهات كبروا وكبر معهم مقام "بابا ياسين" الذي عرفوه ناشرًا للمحبة والخير.. رسالتي أن أتوفق بعون الله لأن تكون رسالتي هي التنشئة الطيبة لكل فرد في بلادنا العربية.