نجاح العملية يعطي أملا جديدا للمرضى
أستاذ مساعد في قسم الجراحة بكلية الطب البشري د. عمار الراعي
إعداد: حسن فضل
نجح فريق طبي برئاسة د. عمار الراعي في مستشفى المواساة الجامعي بدمشق بإجراء عملية “زرع غيري” لغدد جارات الدرقية من متبرعة حية لمريضة تبلغ من العمر 44 عامًا. وتعد هذه سابقة طبية في المنطقة وبمثابة الأمل لمرضى «الهايبوباراثايرويد» الذين لا يستجيبون للأدوية.
د. عمار الراعي أستاذ مساعد في قسم الجراحة بكلية الطب البشري في جامعة دمشق، ويعمل في وحدة زرع الكلية/ قسم الجراحة - مستشفى المواساة الجامعي، وهو حاصل على الدكتوراه بالطب البشري والدراسات العليا في الجراحة العامة من جامعة دمشق، وحاصل على شهادة الاختصاص المعمق في الجراحة البولية AFSAوالدبلوم الجامعي المشترك في زرع الأعضاء DIUوالدبلوم الجامعي في الجراحة المجهرية DUمن جامعة كلود برنارد ليون الأولى ليون - فرنسا. ونشر العديد من البحوث الطبية في سوريا وفرنسا.
«صحتنا» كان لها لقاء مع د. عمار الراعي صاحب هذا الإنجاز الطبي...
ما التاريخ الطبي لزراعة الغدد جارات الدرقية؟ ومتى أجريت أول عملية؟ وكم عدد هذه العمليات من هذا النوع؟
قرأت في الأدب الطبي أنه في العام 1911 بدأوا بمحاولات زرع غدد جارات الدرقية وكانت جميعها محاولات فاشلة. أول محاولة جدية كانت بالعام 1973، عندما زرعوا غدد جارات درقية من مريض زارع كلى بالأول، ومستأصل جارات الدرقية وعنده قصور جارات الدرقية، وهذه كانت أول عملية ناجحة، والمتبرع كان يعاني من فرط نشاط الغدد جارات الدرقية له على زارع كلى، وبالتالي يأخذ مثبطات مناعة، والمتبرع يعاني من فرط جارات الدرقية وبحاجة لعمل جراحي. بعدها أجريت عمليات لمتبرع سليم من أخت لأختها وجارات درقية. المتبرعة سليمة والمريض يعاني من قصور كلي، وزرعت له أيضًا غدة جار درقية، وبعدها جرت محاولات لزرع غدد جارات درقية مع مريض سليم لا يعاني من قصور كلوي، بمعنى أن المتبرع له سليم ولا يعاني من قصور كلوي وليس بحاجة لمثبطات مناعة، وتمت زراعة الغدد جارات الدرقية مع أخد مثبطات مناعة، وبعدها تطورت لأخد خلايا وزرعها، وهي تحتاج لتقنيات جدًا عالية.
هل كانت لك تجربة أخرى في زراعة الغدد جارات الدرقية قبل هذه الحالة؟
لم تكن لي تجربة فهذه الأولى. ألقيت محاضرة زمالة في مؤتمر الجراحة وكانت غريبة في نوعها، وطرحت سؤالا: هل يمكن إجراء زرع غيري لغدد جارات درقية؟
أنا بالأصل جراح عام وأجري زرع جارات درقية لنفس الشخص، فإذا كنا في العملية نستأصل الغدة الدرقية وبالخطأ أزيلت غدة جارات درقية أو عندما نعمل عمليات فرط إفراز جارات الدرقية، فهناك أربع غدد، نزيل الأربع ونقطع واحدة للنصف ونزرع النصف في عضلة في العنق، وهذا اسمه زرع ذاتي في المريض نفسه، أما الزرع الغيري من مريض لمريض فلم أجرها من قبل. قدمت أطروحتي في المؤتمر وذكرت سبب عدم إجرائها فقلت: لماذا لا نجريها لمريض؟ فعملت هذه الحالة.
ماذا كانت التحديات قبل إجراء العملية وكيف تجاوزتها؟
التحديات قبل العملية كانت أولًا بتأمين المتبرع، فكنا نحتاج لمتبرع بجارات الدرقية. حاولت مع متبرع سليم، فمثلًا في مرضى قصور جارات الدرقية يمكن للأهل التبرع، لكن للأسف التقنيات الخاصة بالكشف غير موجودة في بلدنا، ولكن في الخارج يمكنهم تحديد عدد ومكان الغدد جارات الدرقية، ويزيلون واحدة أو اثنتين ويجرون الزراعة. نحن في سوريا ليس لدينا القدرة على اكتشاف جارات الدرقية إذا كانت سليمة أو لا، فالأجهزة المتوافرة عندنا تكشف فقط الجارات إذا كان بها ورم أو فرط تصنعي وتكون مرضية. لذلك عندما بعثت أهل المريضة للأشعة، لم نتمكن من الكشف عن الغدد جارات الدرقية وبالتالي لم يكن عندنا إمكان أخذ الغدة، ففرضًا لو فتحت ووجدت الشخص ليس عنده إلا غدة واحدة لكنت مضطرا لانتظار شخص يعاني من مشكلة جارات الدرقية كمرض، والتحدي الثاني هو إقناع المتبرع أن يعطينا جزءا من الغدة التي سنحللها، والمريضة التي وقع عليها الاختيار كان إقناعها صعبًا، فكانت تعتقد بأنني سأبيعها أو سأقوم بتأخير العملية؛ لأننا سنضطر لعمل فحوصات فيروسية لنتأكد أنها غير مصابة بالإيدز والتهاب الكبد بي أو سي حتى لا ننقل المرض.
لماذا قررتم عمل زراعة الغدد جارات الدرقية للمريض في وجود خيارات علاجية أخرى؟
للأسف في سوريا لا يوجد لدينا خيارات كثيرة، فعلاج قصور جارات الدرقية هو بالكالسيوم والون ألف «فيتامين د الفعال»، وكذلك هناك الهرمون إما الكامل أو الجزء الفعال من الهرمون الفورتيو، وهو ليس متوافر لدينا في سوريا، وليس الكل قادرا على توفيره، فبعض العائلات المقتدرة تشتريه من الأردن ولبنان، وتستعمله، ولكنه مكلف جدًا، فالمواطن السوري العادي لا يستطيع تأمينه، فقد يضطر لبيع بيته حتى يؤمن العلاج لبضعة أشهر، وعلاج الكالسيوم والون الفا ليس دائمًا فيه استقرار بحالة المريض، فالمريضة التي زرعنا لها رغم كونها تأخذ كميات كبيرة من الكالسيوم والون الفا كانت تدخل أسبوعيًا للمستشفى للكالسيوم عبر الوريد؛ لتوقف نوبات التكزز والتشنجات وضيق التنفس.
ما نسبة نجاح العملية وما مضاعفاتها؟
بالنسبة إلينا أجرينا عملية واحدة فقط، فلا نستطيع القول إن نسبة النجاح 100 بالمئة، أما عالميًا فإن هذا النوع من العمليات غير شائع، فهناك مجموعات قليلة من الحالات، وهناك نوعان في عمليات زرع جارات الدرقية، فهناك زرع نسيج جارات الدرقية، بمعنى أننا نقطع الغدة الجار درقية لقطع ملليمترية ونزرعها، وهذه تحتاج لمثبطات مناعة، ونسبة النجاح تتفاوت من مركز إلى مركز، فلا توجد أرقام ثابتة، أما بالنسبة للنوع جديد، وهو زراعة خلايا جارات الدرقية، فنسيج جارات الدرقية يحتاج إلى معالجة خاصة بالتبريد وهي معالجة مكلفة جدًا وتحتاج لدول متقدمة لتحضر فقط خلايا جارات الدرقية ومن ثم الزراعة، وهذه لا تحتاج إلى مثبطات مناعة، وتختلف نسبة نجاحها من مركز إلى مركز، بين 17 و83 بالمئة.
هل من وصف مبسط لعملية زراعة الغدد جارات الدرقية؟
بالنسبة لوصف العملية، فالمتبرعة لديها فرط نشاط غدد جارات الدرقية والسبب هو ورم غدة حميد، استأصلنا هذا الورم، وبعثنا الجزء الأكبر منه للتشريح المرضي لنتأكد أنه ورم حميد وتأكدنا أنه كذلك، والجزء الذي أزلناه قطعناه لقطع ملليمترية، وبردناه وقمنا بزراعته في الذراع الأيسر للمريضة حتى يكون في متناول يدي إذا أردت إزالته ولا أشوه العنق، وثانيًا حتى يكون من السهولة أخذ عينات من الوريد الموجود فوق النسيج المزروع ومعايرة الهرمون في حال أردنا أن نتأكد أنها تفرز هرمونا أو لا.
متى يتم اللجوء لزراعة الغدد جارات الدرقية؟
في حال قصور الغدد جارات الدرقية «هايبوباراثايرويد» وهو نادرًا ما يكون بسبب خلقي، ولكن معظمه يكون بعد العمليات الجراحية للغدة الدرقية واستئصال الجارات درقية بطريق الخطأ، أو بعد تعرض العنق لعلاج إشعاعي بعد أورام الغدة الدرقية، كلها يمكن أن تؤدي لقصور جارات الدرقية. لو أن المريض بعد قصور الغدد جارات الدرقية يأخذ الكالسيوم والماغنيسيوم والون ألفا ووضعه مستقر، فلا داعي لزرع غدد جارات درقية، ولا داعي لنعرضه لعملية ومثبطات المناعة وإلى آخره، بينما إذا كان المريض عنده نوبات متكررة من التكزز والتشنجات وأعراض نقص الكالسيوم، ويحتاج للدخول إلى المستشفى بشكل متكرر بحالات خطيرة من تشنج الحنجرة ومن التكزز، هنا يكون يحتاج لعمل زراعة غدد جارات درقية.
هل تحتاج لأدوية بعد الزراعة؟ ما هي وما مضاعفاتها؟
بخصوص الأدوية كما تحدثت بأن هناك نوعين من زراعة غدد جارات الدرقية، بعد معالجتها بالتبريد، أو بطرق خاصة، وهي غير متوافرة عندنا ببلادنا، وهذه لا تحتاج إلى مثبطات مناعة، أما زراعة نسيج غدد جارات درقية، وهذا ما عملته، ففي هذا النوع نحن لا نزرع خلايا جارات درقية فقط، فيكون هناك خلايا جارات درقية مع الخلايا الشحمية ومع خلايا الأوعية الموجودة ضمن الغدة الطبيعية، وهنا نحن نقطِع النسيج لقطع صغيرة ملليمترية، حتى يتشرب الدم ويمكنه الحصول على الدم بالتشرب، لأننا لا نوصل أوعية، وهذا يحتاج مثبطات مناعة، والبروتوكولات مختلف عليها عالميًا، بعضها تعطي مثبطات بشكل دائم، وأخرى لمدة سنة، وأخرى لمدة شهر وكذلك بعضها لمدة أسبوع، وكانت على الكورتيزون. ما عملته أنني أعطيت نوعين من المثبطات الأول هو بروقراف لمدة شهر، وعلى أساس أن نعطي الكورتيزون لمدة ستة أشهر ونوقفه، لكن المريضة أوقفته بعد شهر بسبب حدوث بدانة، رغم هذا فإن أمورها مستقرة، فأخذت مثبطات المناعة لمدة شهر واحد فقط.
ما مستقبل عمليات زراعة الغدد جارات الدرقية؟ وهل يمكن تعميمها كعلاج لمرض الهايبوباراثايرويد أم تجرى لحالات خاصة؟
لا يمكن تعميم عمليات زراعة الغدد جارات الدرقية، فليس كل مريض قصور جارات الدرقية يحتاج لزرع؛ لأنه إذا كان وضعه مستقرًا على الأدوية يكون كافيا، فالعملية تتطلب أخذ مثبطات مناعة، وغير مضمونة النتائج، فإذا كان الوضع مستقرا يقل دور العملية في الحفاظ على حياة المريض وليس لها أثر كبير. أما إذا كان وضع المريض حرجا، مثل المرضى الذين يتناولون جرعات كبيرة من الكالسيوم والون ألفا أو فيتامين د الفعال، ورغم هذا تكون لديهم نوبات متكررة من التكزز والتشنج وباقي أعراض نقص الكالسيوم، وفي حال غياب وجود الهرمون البديل الصناعي، فبرأيي يكون استطباب جراحة زراعة غدد جارات الدرقية يعطي أملا لهؤلاء المرضى فعلًا، فالمريضة التي أجريت لها عملية الزرع كانت فرحتها لا توصف، فرغم أنها تأخذ حاليا كميات قليلة من الكالسيوم وكانت تأخذ ١٥ قرص كالسيوم وثلاثة أقراص ماغنيسيوم وقرصين ون ألفا، والآن تأخذ ستة أقراص كالسيوم فقط، إلا أنها تشعر براحة تامة وسعادة بالغة جدا ولا تعاني من التكزز والتشنجات أبدًا، والدورة عادت عندها منتظمة ولم تحتج للمستشفى نهائيًا.
ما نتائج عملية زراعة الغدد جارات الدرقية الأخيرة وهل يمكن اعتبارها أملا طبيا؟
النتيجة النهائية للعملية مبشرة، فقد عاينت الهرمون منذ أسبوعين وكان في المعدل الطبيعي، والكالسيوم ٨.٨، والمريضة ما زالت تأخذ جرعات قليلة من أقراص الكالسيوم، فطبيبة الغدد تنصحها باستمرار بأخذ الكالسيوم، وتقليل الجرعات يكون بالتدريج، فالمريضة كانت على ١٥ قرصا من الكالسيوم، ورغم الجرعات العالية من الكالسيوم والون ألفا، إلا أنها كانت تعاني من أعراض نقص الكالسيوم، وأما الآن فهي على ستة أقراص من الكالسيوم، ولا تعاني من مشكلات، وهذا يعطي أملا لكثير من المرضى.
بعد هذا النجاح الباهر والمبشر، تلقيت الكثير من الاتصالات من سوريا وخارجها لمرضى يعانون من قصور جارات الدرقية «هايبوباراثايرويد» ويطلبون حلا لهذا المرض.
هذا المرض لم يأخذ حقه إعلاميًا، فلا أحد يتحدث عنه ومقدار معاناة المرضى الشديدة، ونوعية حياتهم السيئة جدًا.
المريض دائمًا يكون في خوف وقلق من أن يكون عنده نقص كالسيوم، وبالتالي سيضطر لدخول المستشفى في حالة إسعافية لإنقاذ حياته.
إذا تطورت العملية، وأجرينا هذه العملية لعدد من الحالات فإنها قد تكون حلا لهؤلاء المرضى. أنا لم أجر عمليات أخرى، وأنتظر نتائج هذه العملية، وثانيًا بسبب الكورونا التي جعلت من المركز الذي أعمل فيه مركز عزل يستقبل مرضى الكورونا، لذلك من المستبعد جدًا أن ندخل مريضا نعطيه مثبطات مناعة في وجود الكورونا، أو نجري عمليات ثانية، وبانتظار استقرار حالة البلد.