+A
A-

نبيل محمد رضا

إعداد‭: ‬حسن‭ ‬فضل

كان‭ ‬يخطو‭ ‬بخطواته‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬بكل‭ ‬ثبات،‭ ‬ويسير‭ ‬مستندًا‭ ‬لخارطة‭ ‬طريق‭ ‬أحلامه‭ ‬التي‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬حدود‭. ‬يمارس‭ ‬كل‭ ‬طقوس‭ ‬الحياة‭ ‬دون‭ ‬عراقيل،‭ ‬فقد‭ ‬أكمل‭ ‬دراسته‭ ‬المدرسية،‭ ‬وتخرج‭ ‬من‭ ‬الجامعة،‭ ‬والتحق‭ ‬بالعمل،‭ ‬وطموحه‭ ‬يتضخم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرحلة،‭ ‬ولكن‭ ‬فجأة،‭ ‬وعلى‭ ‬غفلة،‭ ‬تسلل‭ ‬إليه‭ ‬مرض‭ ‬وراثي‭ ‬نادر،‭ ‬وهو‭ ‬الفساد‭ ‬العضلي‭ ‬الطرفي‭ ‬أو‭ ‬حثل‭ ‬عضلات‭ ‬حزام‭ ‬الطرف‭ ‬(Limb girdle muscular dystrophy)، مرض‭ ‬جعله‭ ‬مقعدًا،‭ ‬وأسير‭ ‬الكرسي‭ ‬المتحرك‭. ‬مرض‭ ‬عطل‭ ‬كل‭ ‬حياته‭ ‬العادية‭.‬

نبيل‭ ‬محمد‭ ‬رضا‭ ‬أيقونة‭ ‬للتحدي‭ ‬والصبر،‭ ‬ولا‭ ‬يتقن‭ ‬أبجديات‭ ‬اليأس‭. ‬عاش‭ ‬حياته‭ ‬متسلحًا‭ ‬بالأمل‭ ‬رغم‭ ‬قسوة‭ ‬الحياة،‭ ‬وبطش‭ ‬المرض،‭ ‬والمستقبل‭ ‬الغامض‭. ‬كان‭ ‬يقتنص‭ ‬بقع‭ ‬الضوء‭ ‬التائهة‭ ‬في‭ ‬زحمة‭ ‬الظلام‭ ‬المتوحش،‭ ‬وكلما‭ ‬أغلق‭ ‬باب‭ ‬أمامه،‭ ‬فتح‭ ‬بابا‭ ‬آخر‭.‬

‮«‬صحتنا‭ ‬في‭ ‬البلاد‮»‬‭ ‬التقت‭ ‬نبيل‭ ‬ليروي‭ ‬قصته‭ ‬معاناته‭ ‬ونضاله،‭ ‬فما‭ ‬زال‭ ‬يكافح‭ ‬متمردًا‭ ‬للوصول‭ ‬للعلاج‭.‬

الفترة‭ ‬الذهبية‭ ‬وحياة‭ ‬بلا‭ ‬عراقيل

‭ ‬قضى‭ ‬نبيل‭ ‬سنينا‭ ‬من‭ ‬عمره‭ ‬حياة‭ ‬طبيعية‭ ‬بكل‭ ‬هدوء‭ ‬وطمأنينة،‭ ‬فطفولته‭ ‬عاشها‭ ‬كأي‭ ‬طفل،‭ ‬طفولة‭ ‬تغمرها‭ ‬الضحكات‭ ‬العابرة‭ ‬والشقاوة‭ ‬البريئة‭. ‬كانت‭ ‬خطواته‭ ‬تملأ‭ ‬الطرقات،‭ ‬حيث‭ ‬يلهو‭ ‬ويلعب‭ ‬مع‭ ‬أصدقائه‭ ‬بكل‭ ‬سعادة‭ ‬وأمان،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يعكر‭ ‬صفو‭ ‬حياته‭. ‬كان‭ ‬يمارس‭ ‬كل‭ ‬طقوس‭ ‬الحياة‭ ‬دون‭ ‬عراقيل،‭ ‬فالتحق‭ ‬بالمدرسة‭ ‬وأكمل‭ ‬دراسته‭ ‬حتى‭ ‬تخرج،‭ ‬ودخل‭ ‬الجامعة‭. ‬كان‭ ‬يمارس‭ ‬هوايته‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬مع‭ ‬شباب‭ ‬الحي‭ ‬والنادي‭ ‬وحتى‭ ‬بداية‭ ‬الجامعة‭. ‬فترة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نطلق‭ ‬عليها‭ ‬الفترة‭ ‬الذهبية‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬نبيل‭.‬

 

التشخيص‭ ‬بمرض‭ ‬‭"‬شاركو‭ ‬ماري‭ ‬توث‭"‬

هذا‭ ‬الأنس‭ ‬والاستقرار‭ ‬لم‭ ‬يستمر،‭ ‬فبعد‭ ‬سنته‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬بدأت‭ ‬عنده‭ ‬المشكلات‭ ‬تتوالى‭ ‬وتتطور،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يشعر‭ ‬دائمًا‭ ‬بالخمول‭ ‬والتعب‭ ‬مع‭ ‬ألم‭ ‬في‭ ‬العضلات‭ ‬عندما‭ ‬يمارس‭ ‬أي‭ ‬جهد‭. ‬وحين‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬حلا‭ ‬للمشكلة‭ ‬سافر‭ ‬به‭ ‬والده‭ ‬إلى‭ ‬الهند‭ ‬سنة‭ ‬1981،‭ ‬وأجرى‭ ‬فحوصات‭ ‬وتم‭ ‬تشخيص‭ ‬حالته‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬مرض‭ "‬شاركو‭ ‬ماري‭ ‬توث‭"‬،‭ ‬وهو‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الاضطرابات‭ ‬الوراثية‭ ‬التي‭ ‬تسبب‭ ‬تلف‭ ‬الأعصاب،‭ ‬ويصيب‭ ‬هذا‭ ‬التلف‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬الذراعين‭ ‬والساقين‭ (‬الأعصاب‭ ‬المحيطية‭). ‬ويطلق‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المرض‭ ‬أيضًا‭ ‬اسم‭ ‬الاعتلال‭ ‬العصبي‭ ‬الوراثي‭ ‬في‭ ‬الأعصاب‭ ‬الحركية‭ ‬والحسية‭.‬

وعاد‭ ‬من‭ ‬الهند‭ ‬للبحرين،‭ ‬وقرر‭ ‬أن‭ ‬يتناسى‭ ‬المرض‭ ‬ويعيش‭ ‬حياته‭ ‬كما‭ ‬هي،‭ ‬فأكمل‭ ‬الجامعة‭ ‬والتحق‭ ‬بالعمل‭ ‬وتزوج‭.‬

 

البحث‭ ‬عن‭ ‬علاج‭ ‬وعملية‭ ‬في‭ ‬القدم‭ ‬تزيد‭ ‬الوضع‭ ‬سوءًا

بعد‭ ‬مرور‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬كان‭ ‬الوضع‭ ‬يتطور‭ ‬بالتدريج،‭ ‬كان‭ ‬التعب‭ ‬يجتاحه،‭ ‬فبدأ‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬حل‭ ‬آخر‭ ‬لمشكلته،‭ ‬وبعث‭ ‬تقاريره‭ ‬لألمانيا،‭ ‬ثم‭ ‬سافر‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1985،‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬يعرفوا‭ ‬الحالة،‭ ‬وكان‭ ‬تشخيصهم‭ ‬كتشخيص‭ ‬الهند،‭ ‬ولكن‭ ‬أخبروه‭ ‬أن‭ ‬قدمه‭ ‬بها‭ ‬ميلان‭ ‬وانحراف‭ ‬في‭ ‬العضلات،‭ ‬ويحتاج‭ ‬لإجراء‭ ‬عملية‭ ‬تعديل‭ ‬حتى‭ ‬ينتظم‭ ‬في‭ ‬المشي،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬قدمه‭ ‬تتعرض‭ ‬للالتواء‭ ‬عند‭ ‬المشي‭.‬

عاد‭ ‬للبحرين‭ ‬بنفسٍ‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬اليأس،‭ ‬فواصل‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬علاج،‭ ‬ونفذ‭ ‬نصيحة‭ ‬الأطباء‭ ‬في‭ ‬ألمانيا،‭ ‬وأجرى‭ ‬العملية‭ ‬المطلوبة‭ ‬في‭ ‬المستشفى‭ ‬العسكري،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬وضع‭ ‬دعامات‭ ‬للتثبيت؛‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬يستفد‭ ‬من‭ ‬العملية‭ ‬إطلاقًا،‭ ‬وحالته‭ ‬ساءت‭ ‬كثيرًا،‭ ‬فتجبير‭ ‬قدمه‭ ‬فرض‭ ‬عليه‭ ‬عدم‭ ‬الحركة،‭ ‬فبدأت‭ ‬تضعف‭ ‬العضلات‭ ‬والأمور‭ ‬تشتد‭ ‬سوءًا،‭ ‬وزاد‭ ‬الضمور،‭ ‬ففي‭ ‬هذه‭ ‬الحالات‭ ‬كلما‭ ‬جلس‭ ‬أكثر‭ ‬دون‭ ‬حركة‭ ‬تزداد‭ ‬سوءًا‭. ‬كانت‭ ‬العملية‭ ‬سلبية،‭ ‬ولم‭ ‬ينل‭ ‬منه‭ ‬اليأس،‭ ‬وأصدقاؤه‭ ‬كانوا‭ ‬يدعمونه‭ ‬ويساندونه‭.‬

التشخيص‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬بـ‭ ‬(حثل‭ ‬العضلات)

في‭ ‬سنة‭ ‬2002‭ ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬لبنان‭ ‬للعلاج،‭ ‬وهناك‭ ‬نصحوه‭ ‬بطبيب‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬الأميركية‭ ‬ببيروت‭ ‬قد‭ ‬يساعد‭ ‬في‭ ‬علاج‭ ‬هذه‭ ‬الحالات‭ ‬ويمنع‭ ‬التطور‭. ‬وهناك‭ ‬تم‭ ‬إجراء‭ ‬الفحوصات‭ ‬وأخذ‭ ‬عينة‭ ‬من‭ ‬العضل،‭ ‬واكتشفوا‭ ‬أنه‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬ضمور‭ ‬العضلات‭ ‬‮«‬فساد‭ ‬العضلات‭ ‬الطرفي‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬حثل‭ ‬عضلات‭ ‬حزام‭ ‬الطرف‮»‬‭ (‬Limb‭ ‬girdle muscular dystrophy‭) ‬وهو‭ ‬مرض‭ ‬وراثي‭. ‬فكان‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬التشخيص‭ ‬الصحيح‭ ‬لحالته‭ ‬بعد‭ ‬رحلة‭ ‬طويلة‭. ‬وصفوا‭ ‬له‭ ‬بعض‭ ‬الأدوية‭ ‬كالستيرويد‭ ‬لتقوية‭ ‬العضلات،‭ ‬وقد‭ ‬استفاد‭ ‬منها‭ ‬فاستطاع‭ ‬المشي‭ ‬والوقوف‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬مضاعفات‭ ‬كانتفاخ‭ ‬الجسم،‭ ‬فطلب‭ ‬الطبيب‭ ‬إيقافه‭ ‬لأنه‭ ‬سيكون‭ ‬خطرا‭ ‬على‭ ‬حياته،‭ ‬فأوقف‭ ‬علاج‭ ‬لبنان‭.‬

 

المرض‭ ‬يتوحش‭ ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬علاج‭ ‬

كان‭ ‬يقاوم‭ ‬الظروف‭ ‬ويحاول‭ ‬أن‭ ‬يمارس‭ ‬حياته‭ ‬بشكل‭ ‬طبيعي‭ ‬ويتجاهل‭ ‬المشكلة‭. ‬لكن‭ ‬المرض‭ ‬يزداد‭ ‬وحشية‭ ‬ووصل‭ ‬لمرحلة‭ ‬الضعف‭ ‬في‭ ‬الأيادي‭ ‬والأكتاف،‭ ‬فعرضوا‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬التقاعد‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬لاحظوا‭ ‬حالة‭ ‬الضعف‭ ‬عنده،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يستعمل‭ ‬العكاز‭ ‬في‭ ‬تحركاته‭ ‬وكان‭ ‬عمره‭ ‬39‭ ‬سنة‭ ‬وزوجته‭ ‬اضطرت‭ ‬للتقاعد‭ ‬أيضًا‭ ‬لتلازمه‭. ‬منذ‭ ‬تشخيص‭ ‬المرض‭ ‬ونبيل‭ ‬يواصل‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬للخلاص‭ ‬والعلاج،‭ ‬فواصل‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬حيث‭ ‬ذهب‭ ‬لفرنسا‭ ‬سنة‭ ‬2009،‭ ‬وأكدوا‭ ‬الحالة‭ ‬والتشخيص،‭ ‬وكانوا‭ ‬صريحين‭ ‬بقولهم‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬علاج‭ ‬لهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الحالات‭. ‬لكن‭ ‬نبيل‭ ‬لم‭ ‬يستسلم‭ ‬وعاد‭ ‬للبحرين‭ ‬وواصل‭ ‬البحث‭ ‬وذهب‭ ‬إلى‭ ‬التشيك‭ ‬للعلاج‭ ‬الطبيعي‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يعطي‭ ‬للعضلات‭ ‬فرصة‭ ‬للضعف‭ ‬والتدهور‭. ‬وسافر‭ ‬إلى‭ ‬ألمانيا‭ ‬لعلاج‭ ‬الخلايا‭ ‬الجذعية،‭ ‬ولكن‭ ‬كانت‭ ‬العملية‭ ‬فاشلة‭ ‬والاستفادة‭ ‬كانت‭ ‬قليلة‭ ‬جدا‭ ‬وعادت‭ ‬الحالة‭ ‬كما‭ ‬كانت‭.‬

 

الكرسي‭ ‬المتحرك‭... ‬الصديق‭ ‬الجديد

منذ‭ ‬أن‭ ‬بدأت‭ ‬أعراض‭ ‬المرض،‭ ‬ونبيل‭ ‬يقاوم‭ ‬متحديا‭ ‬ظروفه‭ ‬القاهرة‭ ‬وجيش‭ ‬الألم‭ ‬الذي‭ ‬يجتاحه،‭ ‬ويحاول‭ ‬أن‭ ‬يستمر‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬رغم‭ ‬المرض‭. ‬فكان‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬العكاز‭ ‬في‭ ‬تنقلاته،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يخلوا‭ ‬من‭ ‬الخطورة،‭ ‬فإذا‭ ‬تعرض‭ ‬لإعاقة‭ ‬أو‭ ‬تعثر‭ ‬يسقط‭ ‬مباشرة،‭ ‬فإنه‭ ‬يصاب‭ ‬ويحتاج‭ ‬حينها‭ ‬لمساعدة‭ ‬للنهوض‭. ‬وحدثت‭ ‬معه‭ ‬حوادث‭ ‬وقوع‭ ‬عدة،‭ ‬وفي‭ ‬إحداها‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬المنزل‭ ‬وحدث‭ ‬كسر‭ ‬في‭ ‬القدم‭ ‬وتم‭ ‬وضع‭ ‬الحديد‭ ‬بعملية‭ ‬جراحية‭ ‬لكي‭ ‬يستطيع‭ ‬الوقوف،‭ ‬وتمكن‭ ‬من‭ ‬المشي‭ ‬بعد‭ ‬العملية،‭ ‬ولكن‭ ‬بصعوبة‭. ‬كان‭ ‬يسوق‭ ‬السيارة،‭ ‬ولكن‭ ‬بحذر‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وصل‭ ‬لمرحة‭ ‬كانت‭ ‬أياديه‭ ‬تضعف‭ ‬قوتها،‭ ‬فقرر‭ ‬التوقف‭ ‬عن‭ ‬السياقة‭ ‬حفاظًا‭ ‬على‭ ‬حياته‭ ‬وحياة‭ ‬الآخرين‭. ‬وكان‭ ‬يقاوم‭ ‬حتى‭ ‬ضعفت‭ ‬قواه‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬حبيس‭ ‬الكرسي‭ ‬المتحرك‭ ‬الكهربائي‭ ‬واعتمد‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬تنقلاته‭. ‬

الكرسي‭ ‬المتحرك‭ ‬الكهربائي‭ ‬أصبح‭ ‬قدماه‭ ‬اللتين‭ ‬يمشي‭ ‬بهما،‭ ‬واعتماده‭ ‬أصبح‭ ‬كليًا‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أمور‭ ‬الحياة‭ ‬كزيارة‭ ‬الأهل‭ ‬والأصدقاء‭ ‬والسوق‭ ‬لشراء‭ ‬الأغراض،‭ ‬ولا‭ ‬يستطيع‭ ‬الاستغناء‭ ‬عنه،‭ ‬فهو‭ ‬وسيلة‭ ‬سخرها‭ ‬الله‭ ‬له‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬دائمًا‭.‬

الكرسي‭ ‬المتحرك‭ ‬الكهربائي‭ ‬لازمه‭ ‬منذ‭ ‬سبع‭ ‬سنوات،‭ ‬وأصبح‭ ‬صديقه‭ ‬ويمنحه‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬الحرية،‭ ‬فوجوده‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬سيكون‭ ‬مقعدا‭ ‬ويحتاج‭ ‬لمساعدة‭ ‬في‭ ‬أبسط‭ ‬الأمور‭ ‬كارتداء‭ ‬الملابس،‭ ‬لذلك‭ ‬يفضل‭ ‬الخروج‭ ‬لينطلق‭ ‬بحرية،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬عراقيل،‭ ‬فشوارع‭ ‬البحرين‭ ‬والأرصفة‭ ‬وكذلك‭ ‬مداخل‭ ‬بعض‭ ‬الأبنية‭ ‬غير‭ ‬مهيئة‭ ‬للكرسي‭ ‬المتحرك‭. ‬ويضطر‭ ‬ليسير‭ ‬مع‭ ‬السيارات‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬مع‭ ‬استعمال‭ ‬الإنارة‭ ‬في‭ ‬الكرسي‭ ‬ليلًا‭. ‬ولكن‭ ‬الوضع‭ ‬مختلف‭ ‬عندما‭ ‬يذهب‭ ‬لأوروبا‭ ‬حيث‭ ‬يجد‭ ‬الراحة‭ ‬النفسية‭ ‬هناك،‭ ‬فكل‭ ‬الوسائل‭ ‬متوافرة‭ ‬والشوارع‭ ‬مهيأة،‭ ‬فهناك‭ ‬ممر‭ ‬خاص‭ ‬للكرسي‭ ‬المتحرك‭ ‬وكذلك‭ ‬بالأسواق‭ ‬والأبنية‭.‬

‭ ‬

مواجهة‭ ‬صعوبة‭ ‬الحياة‭ ‬مع‭ ‬المرض‭ ‬بالتعايش‭ ‬والإيمان‭ ‬الراسخ‭ ‬بالله

يختتم‭ ‬حديثه‭ ‬نبيل‭ ‬لصحتنا‭ ‬بالقول‭ ‬‮«‬إن‭ ‬الحياة‭ ‬كلها‭ ‬صعبة،‭ ‬ولكن‭ ‬نحمد‭ ‬الله،‭ ‬فالإنسان‭ ‬ينتقل‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬لأخرى‭. ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬المشي،‭ ‬وتجري‭ ‬وتذهب‭ ‬لأي‭ ‬مكان،‭ ‬ثم‭ ‬تصل‭ ‬لمرحلة‭ ‬تحتاج‭ ‬فيها‭ ‬للعصا،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬نفسك‭ ‬مقعدا،‭ ‬فهذا‭ ‬أمر‭ ‬صعب‭. ‬ولكن‭ ‬أنا‭ ‬والحمد‭ ‬لله‭ ‬إيماني‭ ‬بالله‭ ‬قوي،‭ ‬ومؤمن‭ ‬بالله‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬هدية‭ ‬من‭ ‬رب‭ ‬العالمين،‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬أتقبلها‭ ‬وأتعايش‭ ‬معها‮»‬‭. ‬ويضيف‭ ‬بكل‭ ‬عنفوان‭ ‬أن‭ ‬المرض‭ ‬لم‭ ‬يأخذ‭ ‬منه‭ ‬شيء‭ ‬ويقول‭ ‬‮«‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬سلبيات‭ ‬وإيجابيات،‭ ‬فالسلبيات‭ ‬أن‭ ‬تشعر‭ ‬بضعف‭ ‬وتعب‭ ‬وضجر‭ ‬وملل؛‭ ‬لكنها‭ ‬كلها‭ ‬أمور‭ ‬طبيعية،‭ ‬أما‭ ‬الإيجابيات،‭ ‬فهي‭ ‬حب‭ ‬الناس‭ ‬وقربهم،‭ ‬فجميعهم‭ ‬معي‭ ‬ويساعدوني،‭ ‬فنحن‭ ‬مجتمع‭ ‬واع‭ ‬ويتفهم‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬لحظة‭ ‬عرفان‭ ‬يتحدث‭ ‬بمشاعر‭ ‬صادقة،‭ ‬فيقول»زوجتي‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬أساس‭ ‬في‭ ‬حياتي،‭ ‬فهي‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تهتم‭ ‬بأموري‭ ‬من‭ ‬الألف‭ ‬إلى‭ ‬الياء‭. ‬فلولاها‭ ‬بعد‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬كيف‭ ‬سيكون‭ ‬مصيري‮»‬‭. ‬ويضيف‭ ‬‮«‬بناتي‭ ‬هم‭ ‬ثمرة‭ ‬حياتي‭ ‬وسندي‭ ‬الآخر،‭ ‬فهم‭ ‬يحاولون‭ ‬مساعدتي‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان‭ ‬حسب‭ ‬ظروفهم‭ ‬الدراسية‭ ‬والعلمية‮»‬‭.‬

ورسالته‭ ‬لأقرانه‭ ‬من‭ ‬المرضى‭ ‬‮«‬لا‭ ‬تيأسوا‭ ‬فالله‭ ‬خلقنا‭ ‬لكي‭ ‬نعيش‭ ‬حياتنا‭ ‬نعبده‭ ‬ونشكره‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬سلبيا‭ ‬أو‭ ‬إيجابيا،‭ ‬فهذه‭ ‬إرادة‭ ‬الله‭ ‬والإنسان‭ ‬يواصل‭ ‬حياته‭ ‬الطبيعية‮»‬‭.‬

 

أمل‭ ‬يقهر‭ ‬المستحيل

ما‭ ‬زال‭ ‬نبيل‭ ‬يواصل‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬العلاج،‭ ‬متمردًا‭ ‬على‭ ‬وحشية‭ ‬المرض،‭ ‬يناضل‭ ‬وحيدًا‭ ‬شاهرًا‭ ‬سيف‭ ‬التحدي‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬كل‭ ‬الظروف‭ ‬وجيش‭ ‬الألم‭ ‬الذي‭ ‬جنده‭ ‬هذا‭ ‬المرض‭ ‬لينال‭ ‬من‭ ‬عزيمته‭. ‬هو‭ ‬ليس‭ ‬وحده‭ ‬في‭ ‬عائلته،‭ ‬فأخته‭ ‬الكبرى‭ ‬واثنان‭ ‬من‭ ‬إخوانه‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬ذات‭ ‬المشكلة‭. ‬هو‭ ‬يناضل‭ ‬من‭ ‬أجلهم‭ ‬جميعًا،‭ ‬كل‭ ‬الأبواب‭ ‬موصدة‭ ‬أمامه‭. ‬وكلما‭ ‬فتح‭ ‬بابًا‭ ‬يعود‭ ‬خائبًا،‭ ‬ولكنه‭ ‬لا‭ ‬ينكسر،‭ ‬ولا‭ ‬يتسرب‭ ‬اليأس‭ ‬لداخله‭. ‬متسلحًا‭ ‬بالأمل،‭ ‬فلا‭ ‬يعرف‭ ‬المستحيل‭.‬

نبيل‭ ‬مثال‭ ‬لأصحاب‭ ‬الأمراض‭ ‬النادرة‭ ‬الذين‭ ‬يحتاجون‭ ‬للدعم‭ ‬والاهتمام،‭ ‬ويؤكد‭ ‬ضرورة‭ ‬وجود‭ ‬منظمات‭ ‬تهتم‭ ‬بالأمراض‭ ‬النادرة‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬وجود‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وأوروبا،‭ ‬ونتمنى‭ ‬أن‭ ‬تحظى‭ ‬حالته‭ ‬النادرة‭ ‬بالاهتمام‭.‬