هزمت السرطان بعد أن خطف ثلاثة من عائلتها
اختصاصية العلاج الطبيعي زينب
إعداد: حسن فضل
زينب اختصاصية علاج طبيعي في مجمع السلمانية الطبي، وناشطة في المجال التطوعي في المراكز الشبابية. هي إحدى الناجيات من سرطان الثدي، امرأة هزمت السرطان متسلحة بالله وبثقتها وحسن ظنها بالله. تجربتها لم تكن نزهة، تجربة تنزف ألما، فالسرطان حصد ثلاثة من عائلتها وكاد أن يخطف والدتها. زينب هي بطلة حقيقية من أبطال المتعافين من السرطان وتجربتها بكل ما تحمله من حزن وألم جديرة بالاقتداء، ونحن في شهر التوعوية بسرطان الثدي نرفع معها الشريط الوردي ونقدم تجربة زينب كنموذج يحتذى به.
حياة هادئة
كانت زينب تعيش حياة هادئة وبسيطة، متفانية في عملها اختصاصية علاج طبيعي في مجمع السلمانية الطبي، وتجد السعادة في خدمة المرضى.
وهي مخلصة لعائلتها وزوجها وأبنائها، وتمنحهم كل وقتها. وتخدم المجتمع بعملها التطوعي في المراكز الشبابية. كانت تعيش حالة من الرضا التام وكأنها تملك الدنيا كلها. تعشق البحر وتستمد من أمواجه الهادئة الاطمئنان والسكينة.
نقطة التحول والسرطان يغزو العائلة
نقطة التحول في حياة زينب بدأت مع إصابة أخيها الأصغر في العام 2012 بسرطان الغدد اللمفاوية وكان عمره ١٦، فعاشت القلق والخوف حتى تعافى، ولكن السرطان عاد مجددًا إليه وتعافى مرة أخرى، ولكنه توفي بعد سنة من شفائه. ألم الفقد كان وقعه كبيرا عليها، وصدمة هزت كل حياتها وبعثرت الهدوء في داخلها، فعاشت فترة من الزمن في حداد على أخيها.
مرض السرطان عاد مجددًا لأمها هذه المرة، إذ أصيبت بسرطان الثدي العام 2014، تلك الأم التي عاشت ألم فقد ابنها كضحية لجبروت لسرطان ووحشيته، ويتجدد القلق والحزن والخوف، ولكن تشافت ولله الحمد. السرطان وكأنه لا يريد أن يخرج من هذه العائلة، فمجددا يعود مع خالتها، فأصيبت بسرطان الثدي. ويبدأ القلق والخوف وحالة من الهلع تجتاح العائلة. نصحهم الأطباء بعمل فحص جينوم وتبين أن النتيجة إيجابية للسرطان فزاد منسوب الخطر فتقرر عمل فحص دوري للسرطان لكل أفراد العائلة.
صدمة الإصابة بالسرطان
كانت تتابع بشكل دوري فحوصات السرطان. في شهر يونيو 2016 كان موعد الفحص الدوري في مجمع السلمانية الطبي ولم تتمكن من حضوره، ولكن كانت تعاني من ألم شديد في الصدر، فذهبت لقسم الجراحة في اليوم التالي وفحصتها الطبيبة وطمأنتها في البداية، لكنها أصرت على ضرورة عمل أشعة فوق صوتية لوجود تاريخ عائلي.
أجرت الفحص، وانتظرت النتيجة، كانت تحمل في داخلها أملا بأنها غير مصابة، ولكن أثناء ذهابها للموعد لتعرف النتيجة وأثناء انشغال الطبيبة، شاهدت ورقة النتيجة فاقتربت ببطء وكأنها لا تريد أن تقرأ، فالقلق بدأ يتسرب مع كمية خوف وحذر، وما إن وقعت عيناها على التقرير، تجمدت في مكانها وخيم صمت رهيب في داخلها وكأن الدنيا كلها توقفت، فالتقرير يثبت إصابتها بسرطان الثدي. كان صدمة كبيرة لها إذ لم تتوقع إصابتها.
وأول ما تبادر لعقلها المتعب، كيف ستخبر والديها، كان موقفا شديد الصعوبة. وحين أبلغت بهذا الخبر كان صدمة لأبويها وإخوتها وأخواتها وتأثروا كثيرا وخيم الحزن على المنزل. أما زوجها فلم يستطع استيعاب الخبر وكان غير مصدق ويردد: «هذه النتيجة خطأ... من المؤكد أنها خطأ».
وصل الخبر لخالاتها وعماتها وبناتهن وصديقاتها وزملائها في العمل والجميع متأثر ويشاركها الصدمة. كانت ترى الحب والخوف في عيون الجميع.
خيارات العلاج مطمئنة ولكنها ليست نزهة
بعد أن تم تأكيد إصابتها بسرطان الثدي، أصبح المرض واقعًا، فأولى مراحل العلاج هي الاعتراف بوجوده وليس الهروب بنكرانه. هكذا بدأ أول فصل بالمواجهة.
خيارات العلاج كانت كبيرة، والطبيبة في البحرين طمأنتها، وأعطتها خيارات متعددة للعلاج منها جراحة استئصال كلي للثدي، وكانت نسبة نجاح العملية غير مرضية، لذلك اتجهت للاستشارة خارج البحرين، فكانت نسبة النجاح والبرنامج العلاجي أفضل.
رحلة العلاج لألمانيا... والسرطان يخطف خالتها وابن عمها
تتقرر السفر للعلاج في ألمانيا فسافرت برفقة والديها. وفي ألمانيا تم إجراء الفحوصات اللازمة ووضعوا خطة العلاج. وفي أثناء وجودها هناك وصلهم نبأ وفاة ابن خالتها بسبب السرطان. وكانت قد انتهت من جميع الفحوصات، فعادت للبحرين مباشرة. كان حدثًا كبيرًا في العائلة وبالنسبة لوالديها في ذلك الوقت فقد زاد منسوب الخوف والقلق من المرض.
بدأت الاستعداد للعملية وترتيب أمور بيتها وأولادها والعمل، وسافرت مجددا لألمانيا وتم إجراء عملية الاستئصال ومن ثم العلاج الإشعاعي، وفي أثناء وجودها هناك وصلهم خبر وفاة خالتها بالسرطان. فرجعت والدتها للبحرين وظلت مع والدها. كان الخبر مؤلما خصوصا أنها في رحلة علاج، ما جعل الهواجس تتفاقم والخوف يتضخم. ظلت بعدها شهرا في ألمانيا من غير والدتها فيما كان الوضع مرعبا ومربكا في العائلة مع قلق وصدمة من وفاة خالتها وخوفهم على حياتها.
العودة للبحرين والعلاج الكيميائي
عادت للبحرين لتكمل العلاج الكيميائي في قسم الأورام بمجمع السلمانية الطبي. وتصف القسم بأنه منظم ومن أفضل الأقسام وألطف الممرضات، وقد كان وجود نخبة من هؤلاء الممرضات بمثابة البلسم ويخفف كل الألم، فالعلاج الكيميائي كان متعبًا ويشعر المريض أنه في حرب ويجب أن ينتصر فيها، ولكن من جانب آخر كان العلاج الكيميائي فعَالا معها وهذا يعني أن جسمها يستجيب له.
وتقارن بين العلاج الإشعاعي والكيميائي بالقول إن العلاج الإشعاعي كان سهلًا مقارنة بالكيميائي وفقط في الجلسات الأخيرة بدا عليها التعب. ولكنه كان منظما جدا وذا كفاءة عالية.
أثر السرطان على حياتها الأسرية والاجتماعية
حياتها الأسرية كانت مستقرة والجميع يغمرها بالحب والمشاعر الصادقة وزوجها كان الداعم الأكبر لها ويتألم لألمها ويقوي عزيمتها لمواجهة هذا المرض ويذلل كل الصعاب ويسهر معها حين تتألم.
أما حياتها الاجتماعية فقد تأثرت بالمرض كثيرًا، فعاشت عزلة عن العالم محاولة ألا تخالط أحد في ذروة التعب والألم ولكن أهلها وصديقاتها لم يتخلوا عنها فكانوا العون والسند.
حياة ما بعد التشافي وترسبات السرطان
السرطان غير حياتها للأبد، فشعرت بقيمة كل لحظة تعيشها وبحب متدفق نحو أهلها وصديقاتها. وعرفت شعور الألم الذي يشعر به مريض السرطان ونظرتها إليهم تغيرت، وعرفت ما يعانون.
تشافت من السرطان، ولكنه سلب منها الصحة، فلم تعد كما كانت وتشعر بالتعب مع كل جهد. كما سلب منها الطمأنينة، فهاجس الخوف أن يخطفها الموت عن أولادها في أي لحظة.
ولكن في المقابل منحها القوة، فهي تستطيع تحدي المرض وأصبحت تنظر للأمور الحياتية بنظرة واقعية وتقديرية بشكل أفضل من السابق. منحها حب كبير لزوجها وأهلها وصديقاتها فأصبحت مدينة لهم على الدعم الكبير لها أثناء المرض.
لحظات الضعف
تضيف زينب وتعترف أن هناك لحظات ضعف لا بد منها وتشتد مع لحظات الألم الذي لا يحتمل، وحين تأتي الممرضة لوضع الدواء الكيميائي، وحين حضور الأهل وأختها وزوجها وهي ستسافر لألمانيا للعلاج وحين يتحدثون معها أثناء وجودها في ألمانيا للعلاج كانت تقرأ خوفهم وألمهم وينتابها شيء من الضعف لحالهم. والأكثر حين تحدث أولادها وهي بعيدة عنهم في العلاج.
كلمة لمرضى السرطان
وتختتم بكلمة لمرضى السرطان: تمسكوا بالأمل، ولا تتخلوا عن حياتكم تحت أي ظرف، تشبثوا بالحياة، فالمرض وضع مؤقت وينتهي وتعود حياتنا كالسابق وأفضل.
وتضيف: كان عندي ثقة بالله، ومن ثم الفريق الطبي الذي عالجني، فخطته كانت واضحة ونطبقها خطوة خطوة، ولا أنسى الدعم النفسي من زوجي وأهلي وأصدقائي.