نوبات الهلع مرتبطة ارتباطا وثيقا بشرب المنبهات
استشاري الطب النفسي د. حسن فضل
تجلس على مكتبك في العمل، فجأة تشعر بالخوف الشديد، حتى تبدأ معدل ضربات قلبك تزداد شيئًا فشيئا، لتشعر بضيق في التنفس، إنها دقائق بسيطة، لكنها ستقلقك طويلا، قد يصفها الآخرين بأنها عارض بسيط، إلا أنها ليست كذلك بالنسبة لك، فأنت كنت تعتقد بأن هذه الأعراض ستقضي على حياتك.
خوفك الشديد، ضيق تنفسك، زيادة معدل ضربات قلبك وكل ما عانيته في ذلك الوقت كان عبارة عن نوبة هلع غير مبررة، إذ في كثير من الأحيان ليس لها أسباب، فقد تكون باغتتك فجأة عندما كنت تمارس نشاطاتك اليومية ولم تكن قد تعرضت لما يثيرها، وقد تختلف قسوتها باختلاف شدة نوبة الهلع التي أصبت بها.
كثيرون معرضون لمثل هذه النوبات، إلا أن شدتها تختلف من شخص لآخر. «صحتنا في البلاد» التقت استشاري الطب النفسي وطب النفس الجسدي في مركز ابن حيان الطبي د. حسن فضل، لمعرفة مزيد من التفاصيل عن نوبات الهلع، وفيما يلي نص اللقاء...
ما هي نوبات الهلع التي يصاب بها البعض؟
نوبات الهلع هي نوبات مرتبطة ارتباطا مباشرا أو غير مباشر بضغوطات مختلفة تصيب الفرد، حتى وإن لم يع الإنسان ذلك ولم تظهر هذه الضغوطات على السطح، إلا على شكل هذه النوبات، وما يميزها أنها شعور مفاجئ بالخوف والقلق ويكون لفترة محددة، وتكون مفاجئة، فقد لا يكون الشخص قد تعرض لموقف، فقد يكون يمارس نشاطه الاعتيادي اليومي ويفاجأ بمجموعة من الأعراض معظمها أعراض جسدية مع شعوره بالقلق والخوف المرتبط بالأعراض الجسدية التي يمر بها في الوقت ذاته، وتستمر لدقائق معدودة وقد تصل مدتها إلى عشرين دقيقة، إلا أنها قد تكون مرعبة للشخص، فهو يعتقد أنه على وشك الموت خلال هذه الدقائق. يذكر أن الأعراض الجسدية هي الأبرز خلال النوبة وهي التي تدفع المريض لطلب العلاج.
نوبات الهلع بحد ذاتها ليست مرضا، إلا أنها في بعض الأحيان قد تكون مرتبطة بأمراض أخرى، فالشخص قد يعاني من أحد اضطرابات المزاج كالاكتئاب أو من أحد أمراض القلق، لذا يجب تقييمه بدقة، كما أن هذه النوبات قد تكون نتيجة أمراض جسدية مصاب بها الإنسان كاختلال في الغدة الدرقية أو فقر الدم على سبيل المثال.
في بعض الأحيان تصنف نوبات الهلع كمرض، وذلك في حال عدم العثور على سبب نفسي أو عضوي خصوصًا إذا وصل الإنسان لمرحلة الخوف من هذه النوبات، إذ إن هذه النوبات تنتهي بعد فترة قصيرة، إلا أن المريض يدخل في مرض نوبات الهلع، إذ يبدأ الإنسان بالشعور بالخوف من هذه النوبات ما يجعله في دائرة مغلقة خوفًا من هذه النوبات، وقد يتكيف الإنسان معها بشكل سلبي عندما يقرر الانعزال أو يشعر بالخوف الدائم من التعرض لها في أي وقت.
ولا بد من معرفة أن نوبات الهلع التي نتكلم عنها تختلف عن أمراض نفسية أخرى كالقلق الاجتماعي أو الوسواس القهري وغيرها، عند من يعانون من أمراض أخرى تصاحبها نوبات هلع مرتبطة بطبيعة المرض.
ما أعراض نوبات الهلع، ومتى يمكن أن تحدث هذه النوبات؟
قد تحدث النوبة في أي وقت، وعند حدوث النوبة يصاب الإنسان بالقلق والخوف من الموت وغالبا تكون الأعراض الجسدية أكثر من الأعراض النفسية، إذ يواجه الإنسان صعوبة في التنفس، أو تسارع دقات القلب، عدم اتزان، ألم في المعدة، الدوخة، التعرق وبعض الأعراض الأخرى، وعند توافر بعض من هذه الأعراض يكون الإنسان قد دخل في نوبات الهلع، هذه الأعراض تستمر لدقائق معدودة، إلا أن المصاب بالنوبة قد يشعر أنها مستمرة طوال اليوم بسبب خوفه من هذه النوبة وما حدث خلالها، وخوفه من تكرارها مستقبلًا، ما يستدعي في كثير من الأحيان تردده على المستشفيات بحثًا عن العلاج الجسدي للأعراض التي قد تعرض لها أثناء النوبة، وقد تتكرر زيارته إلى الأطباء من مختلف التخصصات ظنًا منه أنه يعاني من أمراض جسدية، وفي حال أثبتت الفحوصات عدم وجود مشكلة جسدية يبدأ دورنا في تشخيص المريض.
ماذا يحدث إلى الإنسان عندما يصاب بهذه النوبة؟
يكون الإنسان في حالة خوف شديد حتى أنه يبدأ الاعتقاد بأنه على وشك الموت، كما أن مجموعة صغيرة من المصابين بالنوبة يصابون بانفصال عن الواقع، إذ يشعر المصاب بأن ما يحدث غير حقيقي حتى أنه يكون مبتعدا عن الوضع العام الذي هو موجود فيه وذلك نتيجة لما يحدث.
ما يحدث أن الإنسان لديه آلية للدفاع في الجهار العصبي السمبيثاوي، ولأن هناك نوعين للجهاز العصبي في الإنسان النوع الأول الحركي الواقع تحت سيطرة الشخص والثاني هو الآلي وأحد أهم أجزائه هو الجهاز السمبيثاوي الذي يقوم بتحفيز بعض الأعراض مثل الخوف وتسارع دقات القلب وغيرها من الأعراض، ونتيجة هذا التحفيز يصاب الإنسان بأعراض تجعله يبدو وكأنه يواجه مخاطر حقيقية تتطلب منه الدفاع عن نفسه حتى يبدأ بالشعور بتسارع دقات القلب وصعوبة في التنفس وغيرها.
ما الشعور الذي ينتاب المريض عند الإصابة بهذه النوبات؟
الشخص المصاب بنوبات الهلع قد يشعر بأنه على وشك الموت بسبب الأعراض الجسدية التي يصاب بها خلال النوبة، ويكون معذورا في هذه الحالة، فقد يعتقد بأنه مصاب بأمراض عضوية قد تؤدي بحياته، إلا أن نتائج تشخيص الأطباء تكون مغايرة لاعتقاده، إذ إنه يكون سليما جسديًا، ليبدأ بعدها في الدخول في دائرة مغلقة من التفكير لمعرفة سبب ما حدث له خلال نوبة الهلع الذي كان يعتقد بأنها كانت ستقضي عليه.
هل شهدنا ارتفاعا في الإصابة بنوبات الهلع مع جائحة كوفيد 19؟
نعم، فبشكل عام ارتفعت نسبة أعراض الاكتئاب والقلق بأنواعها أثناء الجائحة، وقد لاحظت في عيادتي زيادة أعداد المراجعين المصابين بنوبات الهلع، وهذا يعد منطقيا بسبب الضغوط المختلفة في هذه الفترة وأيضا قد يرجع إلى الزيادة في نسبة حدوث الأمراض النفسية المختلفة بسبب الجائحة سواء للمصابين أو حتى غير المصابين بالفيروس.
هل يمكن السيطرة على نوبات الهلع، وكيف يكون ذلك؟
بداية نؤكد أن من الضروري وجود تقييم للمريض الذي يصاب بنوبات الهلع، لمعرفة ما إذا كان مصابا باكتئاب أو قلق أو غيرها من الأمراض النفسية، كما أن من المهم معرفة ما إذا كان هناك أمراض جسدية كاختلال في الغدة الدرقية أو اختلال الأملاح الذي قد يؤدي إلى حدوث هذه النوبات.
معرفة الأسباب جزء من خطة العلاج، ولكن حتى إن لم يكن هناك سبب واضح فإن أهم نقطة وعتبرها نصف العلاج هي الحصول على التشخيص والشرح الوافي للمريض عن معنى نوبات الهلع وطمأنته. كما أن من الضروري معرفة أسلوب الحياة للشخص إذ قد يكون سبب الإصابة بهذه النوبات، فعدم الاسترخاء والنوم بشكل كاف وشرب المنبهات ومشروبات الطاقة يحفز من هذه النوبات، لذا دائما نوصي المصابين بهده النوبات بضرورة الاسترخاء وممارسة تمارين التنفس البطيء، وممارسة رياضة المشي البسيط، النوم بشكل كاف، مع الابتعاد عن المنبهات والأعشاب التي تحتوي على هذه المنبهات إذا إنها تحفز من الإصابة بهذه النوبات، فتغيير أسلوب الحياة يساهم بكل كبير في التخفيف من هذه النوبات.
ونلجأ كأطباء في كثير من الأوقات إلى صرف أدوية مضادات الاكتئاب، إذ إنها آمنة وفعالة لنوبات الهلع، خصوصا إذا استخدمت بالشكل الصحيح، وقد تشكل فارقا كبيرا في حياة الشخص سواء الاجتماعية أو العملية فمثلا راجعني مرضى عدة اضطروا للاستقالة من أعمالهم أو ترك منزل الزوجية بسبب هذه النوبات ولم يكونوا على علم بالتشخيص أو على بوجود علاج لهذه الحالة. وعند الالتزام بهذا البرنامج العلاجي قد تختفي نوبات الهلع بشكل كامل وقد لا تعود مرة أخرى.