+A
A-

السفير توفيق المنصور

منذ‭ ‬العام‭ ‬1990،‭ ‬بدأ‭ ‬مشوار‭ ‬حياته‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬سكرتيرا‭ ‬أول‭ ‬في‭ ‬سفارة‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬لدى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬واشنطن،‭ ‬ثم‭ ‬سكرتيرا‭ ‬أول‭ ‬للبعثة‭ ‬الدائمة‭ ‬لمملكة‭ ‬البحرين‭ ‬لدى‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬نيويورك‭ ‬حتى‭ ‬العام‭ ‬1999،‭ ‬وبعدها‭ ‬مستشارا‭ ‬في‭ ‬سفارة‭ ‬البحرين‭ ‬لدى‭ ‬جمهورية‭ ‬مصر‭ ‬العربية‭ ‬وجامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬حتى‭ ‬العام‭ ‬2001،‭ ‬وسفيرًا‭ ‬لمملكة‭ ‬البحرين‭ ‬لدى‭ ‬الاتحاد‭ ‬الروسي‭ ‬حتى‭ ‬العام‭ ‬2003،‭ ‬وسفيرا‭ ‬غير‭ ‬مقيم‭ ‬في‭ ‬كوبا‭ ‬حتى‭ ‬العام‭ ‬2011،‭ ‬وبعد‭ ‬عودته‭ ‬إلى‭ ‬البحرين‭ ‬عمل‭ ‬مديرًا‭ ‬لإدارة‭ ‬المنظمات‭ ‬بوزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬حتى‭ ‬العام‭ ‬2017‭ ‬ثم‭ ‬وكيلًا‭ ‬مساعدًا‭ ‬للدول‭ ‬الغربية‭ ‬والشؤون‭ ‬الإفروآسيوية‭ ‬حتى‭ ‬أكتوبر‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬2021،‭ ‬وحاليًا‭ ‬يتولى‭ ‬منصب‭ ‬وكيل‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬للشؤون‭ ‬القنصلية‭ ‬والإدارية‭. ‬إذن،‭ ‬الحديث‭ ‬مع‭ ‬ضيفنا‭ ‬السفير‭ ‬توفيق‭ ‬أحمد‭ ‬المنصور‭ ‬ينقلنا‭ ‬إلى‭ ‬محطات‭ ‬بارزة‭ ‬عدة‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬البحرينية‭ ‬ومكانتها‭ ‬على‭ ‬خارطة‭ ‬العالم‭.‬

في‭ ‬أيامنا‭ ‬هذه‭ ‬التي‭ ‬نحتفل‭ ‬فيها‭ ‬بأعيادنا‭ ‬الوطنية،‭ ‬تتجلى‭ ‬مسيرة‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬البحرينية‭ ‬التي‭ ‬ترسخت‭ ‬بالالتزام‭ ‬بالأهداف‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬التي‭ ‬تشمل‭ ‬تأكيد‭ ‬سيادة‭ ‬واستقلال‭ ‬ووحدة‭ ‬أراضي‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الإقليمي‭ ‬والعربي‭ ‬والدولي‭ ‬وحماية‭ ‬مصالح‭ ‬البلاد‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬سياسيًا‭ ‬واقتصاديًا،‭ ‬وتنمية‭ ‬وتعزيز‭ ‬وتقوية‭ ‬الروابط‭ ‬والعلاقات‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب‭ ‬والهيئات‭ ‬العربية‭ ‬والدولية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تمثيل‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬العربية‭ ‬والدولية‭ ‬ودعم‭ ‬القضايا‭ ‬العادلة‭ ‬للأمة‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭.. ‬هذه‭ ‬الدلائل‭ ‬مثلت‭ ‬الركن‭ ‬الأول‭ ‬منذ‭ ‬تأسيس‭ ‬دائرة‭ ‬الخارجية‭ ‬بمرسوم‭ ‬من‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الأمير‭ ‬الراحل‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ (‬طيب‭ ‬الله‭ ‬ثراه‭) ‬في‭ ‬12‭ ‬يناير‭ ‬العام‭ ‬1969،‭ ‬ثم‭ ‬صارت‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬مع‭ ‬نيل‭ ‬المملكة‭ ‬استقلالها‭ ‬بالعام‭ ‬1971،‭ ‬وشهدت‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬تطورات‭ ‬عدة‭ ‬خصوصا‭ ‬مع‭ ‬العهد‭ ‬الإصلاحي‭ ‬الزاهر‭ ‬لعاهل‭ ‬البلاد‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬1999،‭ ‬والذي‭ ‬قاد‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬البحرينية‭ ‬لتحقيق‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬النجاحات‭ ‬على‭ ‬المستويين‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي‭.‬

منهج‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬تأكيد‭ ‬الالتزام‭ ‬بالثوابت‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬ومبادئ‭ ‬الشرعية‭ ‬الدولية‭ ‬

14 عامًا‭ ‬في‭ ‬أروقة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة

ونحن‭ ‬نعيش‭ ‬فرحة‭ ‬أعيادنا‭ ‬الوطنية،‭ ‬ونتحدث‭ ‬عن‭ ‬إنجازات‭ ‬بلادنا‭ ‬الغالية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الميادين،‭ ‬حري‭ ‬بنا‭ ‬أن‭ ‬نحظى‭ ‬بهذا‭ ‬اللقاء‭ ‬معكم‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬تميز‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬البحرينية‭...‬

إن ما حققته الدبلوماسية البحرينية بنى صرح ريادتها، حيث المنهج الواضح في تأكيد الالتزام بالثوابت العربية والإسلامية، والالتزام بمبادئ الشرعية الدولية بما يعزز الأمن والسلم العالميين، وتأكيد مبادئ الحوار والتعاون بين الدول والشعوب، ورفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وثمرة ذلك الاتزان والاعتدال، موقعها وسمعتها على خارطة العالم وسعيها الدائم لتقريب وجهات النظر، فهذا محور مهم في ثوابت السياسة البحرينية الخارجية.

وبالنسبة لي، تعلمت الكثير من هذا الميدان، ولو سألتني عن الشخصيات الملهمة فيأتي على رأس القائمة نائب رئيس مجلس الوزراء معالي الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، فهو الملهم الأساس لنا وبمثابة مدرسة في الدبلوماسية، ومن الشخصيات التي عملت معها الأمين العام الأسبق كوفي عنان رحمه الله، والأمين العام السابق بان كي مون الذي عملت معه وكنت أزوره في مكتبه وكان يتكلم دائمًا باعتزاز عن علاقته بمملكة البحرين وقيادتها وشعبها. وفي الحقيقة، فإن تجربة الأمم المتحدة هي الأقرب إلى قلبي؛ لأنني عملت قرابة 14 عامًا في أروقتها وكان عملًا كبيرًا ومضنيًا إلا أنه كان ممتعًا ومفيدًا وتتعلم منه كل يوم أمورًا جديدةً، وكل ذلك يجسد العرفان لوطننا الغالي في خدمته، فالوطن يمثل حياتنا ومنحني هذه الفرصة، وجلالة العاهل المفدى وسمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظهما الله هما أساس الدفة في السياسة الخارجية المتميزة لمملكة البحرين، ونرى اليوم كيف أن معالي الوزير عبداللطيف بن راشد الزياني وفقه الله يجدد هذه المسيرة برؤى معاصرة.

 

مهمة‭ ‬كبيرة‭ ‬وتاريخية

من‭ ‬خلال‭ ‬بعض‭ ‬الوقائع،‭ ‬كان‭ ‬لسعادتكم‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬خطوات‭ ‬مهمة‭ ‬أثبتت‭ ‬فيها‭ ‬البحرين‭ ‬جدارتها،‭ ‬حدثونا‭ ‬عنها؟

هناك الكثير من المواقف التي لا تغادر الذاكرة، على سبيل المثال، أعود بك إلى الأمم المتحدة في العام 2003، وكنت أحد نواب رئيس الجمعية العمومية، وحين يغيب الرئيس، يتولى أحد نوابه المسؤولية، ومما أعتز فيه هو أن الرئيس أنابني لأكون مسؤولًا عن رئاسة الجمعية لمدة أسبوعين، وفي تلك الفترة كنت أتابع كل صغيرة وكبيرة؛ لأن نائب الرئيس يتمتع بصلاحيات الرئيس، والنقطة المهمة التي أود الإشارة إليها هنا هي مكانة وسمعة مملكة البحرين، وخذ مثالًا آخر، وهو أنني عملت على مهمة كبيرة وتاريخية وهي ترشيح البحرين لرئاسة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعملت مع فريق العمل في إقناع الدول لدعم ترشيح البحرين وسعينا للحصول على دعم الدول الأعضاء في المجموعة الآسيوية بالعامين 2006 و2007 فتلك الفترة كانت مخصصة للمجموعة الآسيوية.

وعلى أي حال، درسنا الوضع، وكانت كمبوديا مرشحة لذات المنصب الذي يجذب وزراء الخارجية بالطبع، وهذا يعني مزيدا من التخطيط والعمل والمشاورات، ولله الحمد، عملنا ليل نهار وساهمت السمعة الطيبة لمملكة البحرين وعلاقاتنا الطيبة مع الدول الأعضاء بالمجموعة الآسيوية في تسهيل المهمة، ولكن كان علينا أن ننجح في الحصول على الدعم والتأييد، وبالفعل، حصلنا على تزكية المجموعة الآسيوية بترشيح الشيخة هيا بنت راشد آل خليفة، وأتذكر أن المندوب الدائم لبنغلاديش افتخار شودري قدم الاقتراح لرئيس الجمعية العامة بترشيح البحرين من خلال الشيخة هيا وبدأ يسرد المميزات الطيبة للبحرين ولمرشحتنا وتم الاعتماد من المجموعة الآسيوية، وهذه كانت أهم خطوة في الترشيح، فحين تحصل على تزكية المجموعة التي تنتمي إليها، تأتي الخطوة التالية وهي انتخاب الدول الأعضاء. وفي 8 يونيو 2006 فزنا بترشيح الشيخة هيا بنت راشد آل خليفة رئيسا للجمعية العامة، لتكون بذلك أول امرأة مسلمة في هذا المنصب. أقول.. كان يومًا تاريخيًا، فهذا المنصب من الصعب الحصول عليه، وأتذكر أن مستشار جلالة الملك للشؤون الدبلوماسية معالي الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وزير الخارجية آنذاك حضر جلسة الانتخاب، واعتزازنا بهذه اليوم التاريخي هو أن من يتولى هذا المنصب يكون ممثلًا لـ 193 دولة، وهي مهمة تولتها البحرين بكل جدارة واقتدار.

 

وفق‭ ‬الظروف‭ ‬والمصالح‭ ‬السياسية

ثوابت‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬البحرينية‭ ‬راسخة‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬ركائز‭ ‬عدة‭ ‬منها‭ ‬تقريب‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬ودعم‭ ‬العمل‭ ‬العربي‭ ‬المشترك‭ ‬وتقديم‭ ‬نقاط‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬نقاط‭ ‬الاختلاف،‭ ‬كيف‭ ‬كان‭ ‬صداه‭ ‬وفق‭ ‬خبرتكم‭ ‬الطويلة؟

كما تعلمون فإن الموضوعات والقضايا المختلفة في العالم والعربي والإسلامي غالبًا ما تكون معقدة، خصوصًا بالنسبة للخلافات التي تقع بين بعض الدول، وهذا يؤثر على العمل العربي المشترك ومناقشاته ومداولاته، لكنني تعلمت أن الخلاف قائم وموجود لكنه دائمًا يولد أفكارًا جديدة، وحين نختلف فلا بد من الخروج بنتيجة ترضي الجميع وهذه الخلافات التي تعطي أفكار جديدة لا بد أن تتحلى بالمرونة وقبول الآخر، ويلزم ألا تصر على موقفك، فهناك دول كثيرة لها مواقف يمكن أن تصر عليها، وإذا أصرت كل دولة عربية على موقفها لن فلن نصل إلى أي اتفاق. هنا، للبحرين رؤيتها ومنهجها وهو إفساح المجال لتقبل الآخر، وكنا نؤكد دائمًا أن الظروف والمصالح السياسية بل والعالم بأسره تغير، ولهذا فإننا كدول عربية لا بد أن نركز على مصالحنا المشتركة وعلى نقاط الاتفاق وليس الاختلاف.

كنت من المؤمنين وما أزال بأهمية التفاوض على مشروعات القرارات التي تطرحها جامعة الدول العربية، والبحرين طالبت بضرورة أن تتاح الفرصة لمناقشة وتعديل بعض مشروعات القرارات حتى لا تكون مكررة وتضع الاعتبار للظروف السياسية الجديدة لكي يتكامل بحث المشروع من كل الجوانب والأبعاد، وهنا أذكر لك اجتماع مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية، فلم تكن على مستوى رؤساء الدول، وسعادة السفير إبراهيم الماجد، وهو مفكر ومقتدر وخبير في النقاشات السياسية، طرح فكرة البحرين في أن يكون اتخاذ القرارات على مستوى الرؤساء وليس على مستوى وزراء الخارجية، وطرحنا الفكرة آنذاك على الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية المرحوم عصمت عبدالمجيد الذي أيد الفكرة، ثم اعتمدت بعد ذلك من قبل مجلس وزراء الخارجية.. هذا يعطيك دلالة على أن الأفكار المبتكرة البناءة هي ميزة ما تقدمه البحرين وممثلوها.

 

هذه إضاءات قدمها السفير توفيق المنصور أوجزت لنا التقدير الدولي الكبير لمملكة البحرين وثبات موقفها واعتدال نهجها، وأضاف المشروع الإصلاحي لجلالة الملك أفقًا أرحب لوطن صغير له مكانة سامقة في المجتمع الدولي.